لم تفقد المرشحة القومية المتطرفة مارين لوبن الأمل في الفوز بالجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستجرى الأحد المقبل. فرصتها تبدو ضعيفة في مواجهة المرشح الوسطي المعتدل إيمانويل ماكرون. لذلك ربما يكون أملها في الفوز معلقاً على هجوم إرهابي لعلها ترجو أن يكون أقوى من ذلك الذي وقع في ساحة الشانزليزيه قبل نحو 60 ساعة من الجولة الأولى التي أُجريت في 23 أبريل الماضي، فالإرهاب هو أول المقترعين لها.
استخدمت لوبن كل ما في جعبتها من وسائل لتخويف الناخبين ومحاولة إقناعهم بأن برنامجها المتطرف يُعد الطريق الوحيد لمواجهة الإرهاب. ذكَّرت بأن الإرهابيين قتلوا نحو 240 فرنسياً في ثماني عمليات إرهابية منذ الهجوم على مجلة «شارلي إيبدو» في يناير 2015.
غير أن نتيجة الجولة الأولى للانتخابات أظهرت أن الفرنسيين تحدوا الإرهاب، ولم يُغيَّروا اتجاهات تصويتهم إثر هجوم الشانزليزيه الصغير مقارنة باعتداءات سابقة. لذلك جاءت نتيجة هذه الجولة قريبة للغاية من استطلاعات الرأي العام السابقة على الهجوم. ظلت لوبن في المركز الثاني كما أظهرت الاستطلاعات، واحتفظ ماكرون بالمركز الأول.
ومع ذلك حققت لوبن تقدماً جديداً في مسار تيارها القومي المتطرف، ووصلت إلى الجولة الثانية للمرة الأولى، إذا استبعدنا مفاجأة وصول والدها حين كان رئيساً للحزب إلى هذه الجولة في انتخابات 2002 وخسارته فيها أمام جاك شيراك. كما أضافت إلى رصيدها تأييداً أوسع بحصولها على 21.5% من الأصوات مقابل 17.9% في انتخابات 2012. وبلغة الأرقام حصدت نحو مليون صوت إضافي.
ويعني ذلك أن الإرهاب يؤثر في اتجاهات قطاع من الناخبين الفرنسيين، لكن ليس إلى الحد الذي يتيح للقوميين المتطرفين تصدر الانتخابات لأنه لم يصبح المؤثر الأول فيها، فقد أوضحت التفاعلات المحيطة بهذه الانتخابات، ونتيجة جولتها الأولى أن تأثير الجمود الذي أصاب المؤسسات السياسية الفرنسية أقوى من الإرهاب.
استغل حزب لوبن «الجبهة الوطنية» هذا الجمود، وبدأ رحلة الصعود قبل أن يتفاقم خطر الإرهاب ويستدعي حرباً عالمية ضده، حيث كان الجمود السياسي بمثابة الرافعة الأساسية التي صعد عليها. ولا تختلف الظروف المرتبطة بصعود لوبن وحزبها على هذا النحو عن المعطيات التي مهدت الطريق أمام دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فالقاسم المشترك في الحالتين هو جمود المؤسسات السياسية، وإفلاس الأحزاب التقليدية وفي مقدمتها الحزبان الكبيران اللذان تصدرا السياسة الفرنسية منذ نصف قرن (الجمهوري والاشتراكي)، وتطلع قطاع متزايد من الناخبين إلى التجديد وبحثهم عن شخصيات وتيارات «خارج الصندوق».
لكن الرئيس ترامب وصل إلى البيت الأبيض، في الوقت الذي يبدو طريق لوبن إلى الإليزيه صعباً حتى الآن، بسبب اختلاف تركيبة النظام السياسي، والتباين في قواعد النظام الانتخابي. أتاح نظام الحزبين الكبيرين اللذين يحتكران المجال السياسي كله لترامب فرصة لا يوفر النظام التعددي الأكثر تنافسية مثلها في فرنسا. ورغم سيطرة حزبين اثنين أيضاً على القسم الأكبر من المجال السياسي، فإنهما لم يحتكراه. وظلت هناك أحزاب وتيارات تسعى إلى منافستهما، واستثمار إخفاقاتهما التي بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة عندما اشتد الجمود فيهما، وبالتالي في المؤسستين الرئاسية والبرلمانية.
كما أن النظام الانتخابي الفرنسي يحول دون فوز أي مرشح في الجولة الأولى، بخلاف الحال في الولايات المتحدة، لأن تعدد المرشحين وارتفاع مستوى التنافسية يجعلان الحصول على الأغلبية المطلقة (50%+1) مستحيلاً في هذه الجولة. لذلك فعندما أراد الناخبون الفرنسيون معاقبة الحزبين الجمهوري والاشتراكي، كان بالإمكان أن يُخرجوا مرشحيهما (فرانسوا فيون وبونوا هامون) من الجولة الأولى دون أن يؤدي ذلك إلى انتخاب لوبن رئيسة. ورغم أنها وصلت إلى الجولة الثانية، فقد أصبح مركزها أضعف من منافسها الذي وضعه الناخبون أمامها في هذه الجولة، لأن موقعه في الوسط يدفع معظم المرشحين الخاسرين إلى تأييده. لذلك، فرغم أهمية تأثير الإرهاب، يظل الجمود هو المؤثر الأول في الانتخابات الفرنسية.
وعلى أي الأحوال يقدم الفرنسيون نموذجاً في التعامل مع انتخابات «استثنائية» من حيث مدى تأثرها بالجمود الذي ظل يتراكم حتى صار المؤثر الأول فيها، والإرهاب الذي لم يلق بمثل هذا الثقل في أي انتخابات سابقة. إنهم يتحدون كلاً من الجمود والإرهاب، دون أن يغامر معظمهم حتى الآن بالتخلي عن قيمهم الأساسية ونمط حياتهم تحت وطأة الخوف من العنف الأعمى.