"ليس كل ما يتمناه المرء يدركه" ربما هذا ما أيقنته تركيا أخيرا بعدما تعشمت في أن يزيل الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب التسوس الذي نخر في العلاقات بين أنقرة وواشنطن في فترة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، فجاءت النتائج مخيبة للآمال.
رياح ترامب أتت بما لا تشتهيه سفن أردوغان، بل أنها تحولت لعواصف وفاقت الاستفزاز الأمريكي لتركيا في عهد أوباما، ممثلا في الدعم العسكري الكبير للميليشيات الكردية التي تتهمها أنقرة بالسعي للانفصال بشكل قد يشجع الأكراد لديها على خطوة مماثلة.
الدعم الأمريكي للأكراد استمر في عهد ترامب، بل أن واشنطن كبلت أيد تركيا في توجيه ضربات لميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية وهي التنظيم الأبرز في ميليشيا قوات سوريا الديموقراطية التي تدعمها واشنطن في مواجهة تنظيم داعش في مدينة الرقة.
ونشرت الولايات المتحدة قواتها على الحدود التركية مع سوريا، لمنع وقوع اشتباكات جديدة بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد، وبررت موقفها بأن القوات الأمريكية تسير دوريات في شمال سوريا للحفاظ على الاستقرار في المنطقة ومنع وقوع الحوادث التي يمكن أن تحول مسار الجهود الرامية إلى هزيمة داعش بحسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال".
أردوغان حزين
وردا على هذا أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن "حزنه الشديد" مما قال عنها صور القوافل العسكرية الأمريكية يرافقها أفراد من وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، معلنا عزم بلاده مواصلة حربها ضد من نعتهم بـ"الإرهابيين".
التدخل الأمريكي جاء بعد أن دارت اشتباكات لعدة أيام بين الجيش التركي ووحدات حماية الشعب الكردية على الحدود السورية التركية، والتي وصلت لقصف جنوب تركيا بقذائف الهاون، وأعلنت وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا مقتل 17 جنديا تركيا فى المعارك الدائرة على عفرين قرب الحدود السورية التركية، بينما تتحدث أنقرة عن سقوط 25 قتيلا من المسلحين الأكراد.
وأقرت قوات الوحدات الكردية أن الغارات الجوية التركية على منطقة "كراتشوك" و4 قرى في ديرك بمقاطعة الجزيرة، تسببت في مقتل وجرح مقاتلين في صفوف وحدات حماية الشعب.
لم يكن هذا أول السوء فقد سارت إدارة ترامب على نهج آنفتها في رفض المشاركة التركية في معركة تحرير الرقة من داعش رغم مطالبة أنقرة عدة مرات، ولكن واشنطن قررت الاعتماد الكامل على الأكراد وحدهم.
خلاف المأمول
كرم سعيد المتخصص في الشؤون التركية رأى أن العلاقات التركية الأمريكية متوترة منذ إدارة أوباما وكان هناك أمل في أن تشهد العلاقة نقلة نوعية كبيرة بعد وصول ترامب ولكن ما حدث العكس، فما زالت الولايات ترفض إقامة منطقة آمنة تطلبها تركيا برغم نجاح عملية "درع الفرات"، التي قادتها تركيا، في تطهير الشريط الحدودي.
العلاقة ازدادت سوءا في ظن سعيد بحسب حديثه لـ"مصر العربية" بعد رفض أمريكا تسليم فتح الله جولن الذي تتهمه أنقرة بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة 15 يوليو الماضي.
رفض مشاركة الأتراك
وتابع:" واشنطن رفضت أيضًا كل الاقتراحات التركية في إطار تحرير مدينة الرقة التي ارتكزت على قوات تركية، حيث رأت أمريكا في الأكراد القوة الأكثر تنظيما، وزودتهم بأسلحة عسكرية متطورة".
ولفت سعيد إلى أن الاشتباكات الكردية التركية التي قصفت فيها أنقرة حزب العمال الكردستاني في العراق ووحدات حماية الشعب بسوريا عمقت الجراح بين تركيا وأمريكا، لأن واشنطن رفضت الضربات التركية للفصائل الكردية وأرسلت قوات أمنية للفصل بينهما، وهي رسالة بأن الأكراد حليف لأمريكا ولا يمكن الاستغناء عنهم.
لقاء مايو
وينوه إلى أن الكثيرين يعولون على لقاء ترامب وأردوغان 16 مايو المقبل لحل كثير من المشاكل بينهما، حيث يرى "سعيد" أن أمريكا وإن كانت تراهن على الأكراد الآن، فإنها لن تضحي بعلاقة استراتيجية مع تركيا، فواشنطن تريد موضع قدم لها من خلال الأكراد والعودة لمقدمة المشهد في سوريا.
وذكر أن الورقة الكردية لا تحظى بتأييد الولايات المتحدة وحسب ولكن روسيا أيضًا التي استضافت المؤتمر الدولي للأكراد وضم كل الكيانات الكردية، ولكن في النهاية لا يمكن لروسيا ولا أمريكا التضحية بتركيا
الاعتماد على الأكراد
من جانبه اعتبر محمد حامد الباحث في الشأن التركي أن العلاقات الامريكية التركية ما زالت في طور التشكل، ومع وصول إدارة ترامب للسلطة أصبح هناك شبه قناعة أمريكية أن الأكراد يمكن الاعتماد عليهم بشكل منفرد في مكافحة الإرهاب وتطبيق الاستراتيجية الأمريكية في سوريا وهزيمة تنظيم الدولة دون الحاجة إلى تركيا.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية": "لكن أكثر ما يزعج تركيا هو المساواة بينها كدولة وحكومة منتخبة وعضو في الناتو، وبين كيان كردي تحميه ميلشيات مازالت في طور التشكل".
ونبه بأن لقاء ترامب أردوغان ينتظر مناقشة تخمة من الملفات متعلقة بالإرهاب والكرد وداعش وفتح الله جولن وحركة الخدمة التي يتزعمها، لذلك يكتسب اللقاء أهمية كبيرة للغاية وسيرسم سياسات تركيا الداخلية والخارجية في الإقليم و نحو أوروبا وكانت تهنئة ترامب للرئيس التركي ملفتة للغاية بحد تعبيره، وخطوة هامة يمكن البناء عليها في علاقات جيدة بين أنقرة وواشنطن مستقبل.
واستطرد حامد: "نحن أمام مفترق طرق لدي الجانبين ولابد من تقديم تنازلات، فإما تتخلي تركيا عن معركة الرقة الحاسمة وإما ترفع أمريكا يدها عن الأكراد جزئيا إرضاء لتركيا".
ويظن "حامد" أن ضربات تركيا الأخيرة على المواقع الكردية في شمال العراق وشمال سوريا كانت رسالة إلى موسكو و وواشنطن مفادها أن تركيا لن تتنازل عن إحباط إقامة أي كيان كردي وليد أو محتمل او السماح بترسيخه على حدودها الجنوبية.