«آل مبارك» والساحرة المستديرة.. 30 سنة من الألغاز

داخل جمهورية مصر العربية جمهورية أصغر تُدعى "كرة القدم" يتمثل شعبها في زمرة المحبين لكرة القدم والمفتونين بمتابعتها من المنتمين لهذا النادي أو ذاك، والواقفين خلف منتخب بلادهم في المحافل الدولية خالعين ثوب انتماءاتهم المختلفة.

 

وأحيانًا يختلط الأمر على رئيس الجمورية فيتدخل في جمهورية كرة القدم بما يحلو له، باعتباره صاحب الكلمة العليا في كل أمر ذي بال، ولا سيما كرة القدم، اللعبة الشعبية الأولى في مصر، والشيء الذي يجمع طوائف المصريين حتى في أحلك الظروف.

 

وللرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الذي يوافق اليوم يوم مولده، علاقة خاصة بكرة القدم ميزته، عمن دونه من الرؤساء الـ 6 الآخرين الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية منذ ثورة 1952 وحتى وقتنا هذا، يتقفى "ستاد مصر العربية" آثارها من خلال هذا التقرير.

 

البداية  

جاء مبارك إلى سدة الحكم في عام 1982 خلفًا للرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي لم يولي لكرة القدم أية اهتمام، ولم تشهد مصر فترة ولايته انتصار كروي مواز لإنجاز أكتوبر العظيم، فلم يتحصل منتخب الفراعنة تحت مظلة السادات على أي لقب أفريقي، بخلاف محمد حسني مبارك الذي خرج من حكم البلاد بـ5بطولات أمم أفريقيا.

 

وكان لمبارك ميولًا رياضية، تمثلت في لعبة الإسكواش، وكرة القدم، ولعًا وحبًا وتشجيعًا، وعرف عنه أنه "زملكاويًا"، وورث ابنه الأصغر جمال حب الزمالك أيضًا، فيما كان علاء متعصبًا لدراويش الكرة المصرية الإسماعيلي.

 

مشاهد التتويج  

في عهد مبارك حققت مصر لقب كأس الأمم الأفريقية خمس مرات من ضمن سبع ألقاب حققتها على مدى تاريخها، فاللقب الأول يرجع إلى عام 1986 بالقاهرة، وحضر مبارك المباراة النهائية على استاد القاهرة، وسلّم الكأس إلى مصطفى عبده، قائد المنتخب الوطنى وقتها بعدما تغلب الفراعنة على الكاميرون فى المباراة النهائية بركلات الترجيح.

 

أما البطولة الأفريقية الثانية، فكانت فى بوركينيا فاسو عام 1998، حينها استقبل مبارك الفريق فى مطار القاهرة فى المطار فور عودته، وهنأ كتيبة محمود الجوهري، مدرب الفراعنة وقتها، والتقط الصور التذكارية بجانب الكأس الذى يحمله قائد الفريق حسام حسن، ومعه بقية اللاعبين.

 

وسبقت بطولة 2006 التي احتضنتها مصر اهتمامًا مكثفًا من جانب السلطة السياسية، للخروج بالبطولة بأفضل ما يمكن، وحرصت أسرة مبارك على التواجد في المقصورة الرئيسية لاستاد القاهرة من بداية البطولة وحتى استحقاق الفراعنة اللقب ليتسلمه العميد حسام حسن من يد الرئيس.

 

نقطة سوداء  

والأمر الذي لا ينسى تزامن البطولة مع حادث غرق عبارة السلام المأساوي الذي راح ضحيته أكثر من 1000 مواطن مصري، ليظهر وقتها الرئيس المصري وهو يتابع تدريبات المنتخب قبل ملاقاة نظيره السنغالي في مباراة الدور قبل النهائي ببطولة أمم أفريقيا 2006، ويحتفل بالفوز، في واقعة يندى لها الجبين.

 

ومن وقتها بدى للجميع أن النظام أدرك أن الكرة هي وسيلته الوحيدة لاستعادة الدعم الشعبي الآخذ في التآكل بسبب الفساد الضارب بجذوره في قطاعات الدولة، ليتخذ مبارك ومن حوله من الإنجازات الكروية غاية، غافلين عن حقيقة أن المشجع الذي يهتف بالنصر في المدرجات هو ذاته المواطن الواقف بالساعات في طوابير الخبر، وهو المريض المنتظر دوره في العلاج بمستشفيات، هي ذاتها في حاجة للعلاج، وهو المنتظر لعلاوة على راتبه الشهري الضئيل، انتظاره هدف لمنتخب بلاده في شباك الخصم.

 

وبالفعل نجح منتخب حسن شحاتة في تحقيق الثلاثية الشهير والفوز ببطولتي 2008 و2010، لتجد البعثة المنتصرة كل مرة مبارك في انتظارها بصالة المطار يهنئهم ويهنئ نفسه على الإنجاز الذي ظن أنه يضيف لرصيده السياسي لدى الشعب، لدرجة حعلت شبكة BBc تبث تقريرًا قصيرًا عقب ثورة يناير تؤكد فيه أن سقوط نظام مبارك سيعني بالضرورة ترنح وتراجع كرة القدم المصرية واحتمالات انهيارها.

 

وبررت البي بي سي ذلك بالإشارة إلي أن مبارك كان هو الراعي الأول للمنتخب ولشحاتة ومساعديه والنجوم الذين يضمهم المنتخب خصوصًا أن تلك الرعاية لم تكن مقصورة علي مبارك نفسه وإنما كان هناك أيضًا جمال وعلاء نجلا مبارك.

 

ياسر أيوب معلقًا: الكرة كانت أداة مبارك للتوريث  

وعلق ياسر أيوب، رئيس المنظومة الإعلامية للنادي الأهلي على هذا تقرير، قائلًا: "أرفضه كله.. فأنا أوافق على أنه كان هناك تدليل واضح ومؤكد من مبارك وولديه لحسن شحاتة والمنتخب.. وكان هناك اهتمام رئاسي رسمي بكرة القدم غير مسبوق في مصر.. وكانت هناك مكافآت ضخمة مستفزة للجميع أمر بها الرئيس السابق عقب الخروج من تصفيات كأس العال".

 

وتابع أيوب: "لا شأن لي بأي مطالب خاصة تحققت بأوامر رئاسية عليا.. لكنني أعارض الزعم بأن رعاية مبارك كانت وراء إنجاز الفوز بالبطولات الثلاث المتتالية.. فهذه أكذوبة قالها وأشاعها منافقون وإعلاميون أعضاء لجنة السياسات وقريبون من جمال وعلاء أو كانوا يتمنون ذلك.. لكن الحقيقة تبقي أن أصحاب الفضل هم الجمهور المصري البسيط عاشق الكرة ومصر، وقدرة حسن شحاتة والتزامه وموهبة وعطاء لاعبين رائعين.. وليس صحيحًا أيضًا أن الإعلام كان ممنوعًا من انتقاد شحاتة ولاعبيه.. فاهتمام مبارك بكرة القدم كانت له أهداف وغايات أخري أهم وأخطر من حماية نجوم الكرة من التعرض للانتقاد.. فالكرة كانت إحدي أدوات مشروع التوريث ومحاولة كسب من الشعبية لجمال مبارك كما أشارت إلي ذلك تقارير السفارة الأمريكية".

 

مؤازرة الأهلي رغم الانتماء للأبيض  

وأكد محمد لطيف، المعلق الرياضى الراحل، أن مبارك كان منتميًا للزمالك ويحب لاعبي الفريق الأبيض الذى تُوج فى عهده بـ6 ألقاب أفريقية لكنه لم يحضر أيًا منها، وعلى الرغم من انتمائه للزمالك، إلا أن مبارك كان دائم الحضور لمباريات الأهلي المهمة، أشهرهما عام 1987 في إياب الدور النهائي ضد الهلال السوداني في المباراة المنتهية بفوز الأهلي بهدفين نظيفين، وتسليمه لقب دوري الأبطال لمحمود الخطيب، في آخر مباراة رسمية للأخير.

مرة أخرى ظهر مبارك مشجعًا للأهلي رفقة المايسترو صلاح سليم عام 1995 في نهائي البطولة العربية بين الأهلي والشباب السعودي والتي انتهت بفوز الأهلي بهدف نظيف.

وكان آخر تواجد لمبارك داعمًا للأهلي في مباراة الاحتفال بالمئوية أمام برشلونة وحضر معه حفيده محمد علاء مرتديًا زى النادى الأهلي.

 

جمال "زملكاوي"..وعلاء عاشق للدراويش  

روى نجم نادي الزمالك السابق، محمود أبو رجيلة، موقفًا جمع بينه وبين الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، أخبره فيه أن "جمال زملكاوي لكن علاء لأ".

 

فيما عرف النجل الأكبر لمبارك بحب الدراويش، إذ تدخل ذات مرة في أزمة نشبت بين فريق الدراويش ومنتخب الشباب في 2003.

 

ورفض الجهاز الفني لمصر بقيادة حسن شحاتة ترك "حسني عبدربه" و"أحمد فتحي" للمشاركة في نهائي بطولة أفريقيا للأندية أمام "إنيمبا" النيجيري، نظرًا لاقتراب بطولة العالم للشباب في الإمارات.

 

وباتصالات أجراها "علاء"، وفق رواية حرب الدهشوري، رئيس اتحاد كرة القدم حينذاك، سُمح للاعبين بمغادرة معسكر المنتخب، والعودة للإسماعيلي للتواجد في المباراة الحاسمة، ثم اللحاق ببطولة العالم للشباب.

 

كانت المرة الأولى التي يتدخل فيها نجل الرئيس في شأن كروي، وتم الرضوخ لاقتراحه.

 

التدخل في أزمة الحضري  

وأقحم مبارك نفسه في مسائل رياضية غير مألوفة للمناقشة على طاولة الحكم، كتدخله في أزمة عصام الحضري الشهيرة، وناديه السابق الأهلي وقت رغبة الأول في الاحتراف، حيث أعطى مبارك توجيهاته لسمير زاهر، رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم، بضرورة التدخل لإنهاء أزمة الحضري، "حفاظًا على تاريخه كلاعب وإنجازاته على الصعيدين المحلي والدولي"، حسب ما نشر على صفحات الجريدة الرسمية.

 

ومازلت الصلة قائمة  

والغريب أن صلة مبارك ونجليه بكرة القدم لم تنقطع إلى الآن رغم انقضاء فترة الحكم، لنرى مبارك يتصل بشقيق أبو تريكة لتقديم واجب العزاء في وفاة والده، بجانب حضور جمال وعلاء لمراسم العزاء.

 

كما حرص علاء وجمال على حضور ودية مصر الأخيرة ضد المنتخب التونسي قبل بطولة الجابون 2017، والتقاط الصور التذكارية مع المشجعين، ليظن البعض أنها وسيلتهم المستقبلية للعودة للمشهد كما كانت أداتهم الترويجية لنظامهم الحاكم في السابق.

 

مقالات متعلقة