«المايسترو» صالح سليم، رمز النادي الأهلي، ومعشوق جماهيره، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم منذ 15 عامًا، تاركًا سيرة هي الأطيب، ومواقف تُدرس في عشق وتقدير الكيان وإرساء مبادئ وقيم أصبحت كمنارة تهدي من يخلفه في إدارة النادي، وتقوّم من يحيد عن الدرب الذي رسمه خلال مسيرة طولها 52 عامًا منذ دخل النادي الأهلي ناشئًا في سبتمبر عام 1948 وحتى وافته المنية رئيسًا عام 2002.
ويحيي «ستاد مصر العربية»، ذكرى المايسترو، بالمواقف التي جعلت منه قبلة عشاق النادي الأهلي، وقدوة لكل إداري يعمل بمنظومة القلعة الحمراء، ورمزًا من رموز الرياضة المصرية.
محمود الجوهري
يتذكر البعض موقف الراحل محمود الجوهري مع الأهلي، عندما تقدم باستقالته عام 1985 قبل 10 أيام فقط من مباراة أمام الزمالك لخلافه مع صالح سليم، ومعارضته تعيين حسن حمدي في منصب مدير الكرة بالنادي.
لم يعبأ «سليم» بالأمر، وقَبِل الاستقالة رغم تضامن 16 لاعبًا بالفريق مع «الجوهري»، وقرر معاقبتهم بالإيقاف لمدة شهر، وخوض مباراة القمة بالشباب، الذين استطاعوا الفوز 3-2.
وأصدر مجلس إدارة الأهلي وقتها بيانًا جاء فيه: «إنَّ آخر ما كان يتوقعه مجلس إدارة النادي الأهلي أن يتقدم الكابتن محمود الجوهري باستقالته في هذا التوقيت الحساس والحرج وبهذه الصورة التي تتنافى مع قيم وتقاليد النادي الأهلي الذي نشأ بين أحضانه لاعبًا ومدربًا».
ونجح «الجوهري» كمدرب بعيدًا عن الأهلي، فصعد بالمنتخب إلى كأس العالم، وخاض تجربة ناجحة في الزمالك، وحصل على بطولة أمم أفريقيا 1998. ولم يفاوض الأهلي مطلقَا «الجوهري» لقيادة الفريق حتى توفي.
قصة التوأم حسن
تصدى «سليم» للتوأم حسن وقتما كانا نجمي شباك الأهلي، وتعود الواقعة إلى عام 1994، عندما ألقى حسام حسن بفانلة الأهلي أرضًا بعد طرده في مباراة جمعت الأهلي والمصري على ملعب المقاولون العرب، استياءً من صدور قرار بإيقاف توأمه لمدة عام، وحرمانه من اللعب رفقة المنتخب الوطني والأهلي على الصعيد القاري، ليعاقب صالح سليم، رئيس النادي، حسام حسن بإيقافه 6 أشهر، وعلى أثره يقرر اللواء حرب الدهشوري رئيس الاتحاد المصري إيقافه عن الانضمام لصفوف المنتخب.
وبعد إيقاف حسام حسن، لم يحرز الأهلي سوى هدفين طوال شهرين، ليطلب عادل هيكل بالرجوع عن قرار الإيقاف باعتبار حسام أهم لاعب في الفريق، خشية ضياع لقب الدوري، ليرد سليم: «لن يلعب حسام ولو اتغلبنا 100 مرة، حتى لو مش هناخد الدوري».
وعندما وضعا التوأم شروطًا خاصة لتجديد تعاقدهما مع الأهلي عام 2000، رفض صالح باعتبار أنه «لا أحد يملي شروطًا على الأهلي مهما علت نجوميته»، وفي المقابل همّ حسام حسن بالاحتراف في الدوري التركي، إلا أن الأجواء لم ترق له هناك، فحاول العودة للمارد الأحمر مرة أخرى، ليقابل تعنت إدارة الأهلي متمثلة في شخص صالح سليم، وثابت البطل مدير الكرة آنذاك بداعي ترك النادي الأهلي.
وكما نرى لم يغفر ما قدمه العميد، ومحمود الجوهري من إنجازات للنادي الأهلي ومنتخبنا الوطني، فعلتهما بالرحيل عن الأهلي، ليرسو الأهلي قاعدة ثابتة ألا وهي «تذكرة السفر من النادي الأهلي ذهاب بلا عودة».
تحدي الوزير
وقتما كان الدكتور عبد المنعم عمارة يشغل رئاسة المجلس الأعلى للشباب والرياضة أصدر قرارًا بمنع أي سيارة لأي رئيس نادٍ أو أعضاء مجلس إدارته من دخول ستاد القاهرة، في الوقت الذي سمح فيه بدخول سيارات الوزراء فقط.
وبالفعل امتثل كل رؤوساء الأندية عدا صالح سليم الذي رفض القرار مقررًا عدم حضور أي مباراة في ستاد القاهرة حتى تلك التي كان يحضرها وزير الرياضة نفسه، وعند استعلام الوزارة عن سر موقف سليم أرسل لهم برقية مقتضبة كتب فيها «الوزير هو ضيف للنادي صاحب المباراة، فكيف يمنع الضيف صاحب البيت؟».
موقفه مع مبارك
ومن المواقف التي تعامل معها المايسترو بحزم ردة فعله عندما تعرض لموقف محرج من المسؤولين عن تنظيم مباراة نهائي البطولة العربية للأندية بين اﻷهلي والشباب السعودي عام 1995؛ حيث غادر المباراة قبل بدءها فور علمه بأن مقعده يأتي في الصف الخلفي لمحمد حسني مبارك رئيس الجمهورية وقتها، وعبد المنعم عمارة رئيس المجلس اﻷعلى للشباب والرياضة، وعثمان السعد اﻷمين العام للاتحاد العربي لكرة القدم، وعلم المسؤولون عن تنظيم اللقاء بالأمر ليتصلوا به لإقناعه بتمرير الأمر، إلا أنه ظل على موقفه رافضًا أن يكون صاحب «العرس الكروي» في الخلفية، فما كان إلا الامتثال لرغبته وتوفير مقعد له بجوار رئيس الجمهورية.
تحدي مبارك
ومرة أخرى يكشر صالح سليم عن أنيابه مع السلطة عندما نشرت الجريدة الرسمية «الأهرام» على صفحاتها نبأ عن تنظيم مباراة خيرية بين الأهلي والزمالك، تتوجه أرباحها لضحايا حادث قطار السعيد عام 2002، دون عرض الأمر على صالح أولًا بصفته رئيس النادي الأهلي.
وعليه، رفض صالح خوض اللقاء بالرغم من الضغط السياسي والإعلامي، ليخرج عن صمته قائلًا: «لو حسني مبارك مصمم يلعب هذه المباراة يكلف 11 موظفًا من رئاسة الجمهورية للعب أمام الزمالك، ولو أصر إبراهيم نافع على إقامتها فليأتي بـ 11 صحفيًا من الأهرام للعب أمام الزمالك، طول ما صالح سليم عايش الأهلي مش هيلعب هذه المباراة»، حتى وصل الأمر لاتهامه بالتخاذل في حق ضحايا الحادث، ولكنه لم يرد أكثر من أن يرفع شعار «الأصول لا بد من احترامها حتى ولو كنت رئيسًا للجمهورية».
صون الجميل
من شيم الكبار الاعتراف بأصحاب الفضل عليهم، ولم نعهد من صالح سليم إلا احترام أستاذه وقدوته مختار التتش ويظهر هذا في مقولاته التي تضمنت: «لولا مختار التتش ما كان صالح سليم هو صالح سليم»، «الأهلي هو حياتي وبيتي وقد ارتبطت به منذ دخلته وعمري 14 عامًا والتقيت فيه بأستاذي ومعلمي مختار التتش».
ولم يقتصر الأمر على الأشخاص، بل امتد لتمجيد كيان الأهلي صاحب الفضل في صنع اسمه؛ حيث قال: «وماذا يسوى صالح سليم إلا لأنه يتحدث عن الأهلي»، «الأهلي فوق الجميع».
الرقم القياسي
وأما عن صالح لاعبًا فيكفينا ذكرًا أنه بمرور قرابة الـ 60 عامًا مازال «سليم» يحتفظ بالرقم القياسي لأكبر عدد من الأهداف يحرزها لاعب في مباراة واحدة حين أحرز سبعة أهداف في مرمى النادي الإسماعيلي في الدور الأول لموسم 1958 وانتهت المباراة وقتها بفوز الأهلي بثمانية أهداف نظيفة.