"الأسد يفترسهم، داعش يذبحهم ويهجِّرهم، الجوع يلتهمهم، مياه البحر لم تحتويهم، حافلات اللجوء خنقتهم، دول عديدة ترفض استضافتهم، حتى من قال إنَّه جاء بطائراته لينقذهم لم يرحمهم".
بلغ الموت في سوريا أصنافه كلها، فبراميل النظام المتفجرة وأسلحة تنظيم "الدولة" المتطورة وتدخلات الخارج غير المبررة، كل ذلك قتل مئات الآلاف من السوريين وشرَّد وهجَّر ملايين منهم، ويضاف إلى كل ذلك التحالف الدولي.
ألف يوم وبعضة أيام مرَّت على تدخُّل التحالف في سوريا لطرد ما برر دخوله بها "الجماعات الإرهابية"، وهم بالفرض جدلًا بضعة عشرات آلاف، لم ينتهوا في غارات الألف يوم، قتل منهم بعضهم، لكنَّ أعمال القتل هذه لم يسلم منها المدنيون، وهم بعضٌ من نحو مليون قتيل في سوريا، سقطوا منذ 2011.
فجر 23 سبتمبر 2014، أعلنت الولايات المتحدة بدء هجمات التحالف "60 دولة" ضد تنظيم "الدولة" في سوريا، مستخدمة طائرات مقاتلة وأخرى قاذفات للقنابل وصواريخ توماهوك نوع أرض - أرض، بحسب وزارة الدفاع الأمريكية.
مع بدء الهجوم، نقلت وسائل إعلام عن مسؤولين أمريكيين أسماء خمس دول عربية تشترك مع الولايات المتحدة في الغارات الجوية، التي بدأت ضد تنظيم "الدولة"، حيث أفادت وكالة "أسوشيتد برس" – بحسب المسؤولين - بأنَّ البحرين وقطر والسعودية والأردن والإمارات تشارك في الغارات، غير أنَّ بعض الفترات شهدت توقُّفًا لمشاركة بعض الدول العربية.
غارات فتاكة.. المدنيون ضحايا
الأيام الألف لم تخلُ من مقتل مدنيين بفعل الغارات "الدولية"، فحسب إحصاء للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قتل 1256 مدنيًّا، بينهم 383 طفلًا و221 سيدة، في عمليات قوات التحالف ضد تنظيم "الدولة" بقيادة واشنطن في سوريا، منذ انطلاقها عام 2014.
الشبكة أوضحت أنَّه منذ بداية تدخُّل قوات التحالف الدولي، في 23 سبتمبر 2014، عملت على توثيق ومواكبة الانتهاكات التي ترتكبها تلك القوات، وأصدرت في هذا الصدد 11 تقريرًا خاصًا، ركَّزت على الحوادث التي خلفت "ضحايا مدنيين واستهدفت مراكز حيوية مدنية".
وبحسب إحصائها، فإنَّ قوات التحالف قتلت مدنيًّا على الأقل يوميًّا، منذ انطلاق عملياتها في سوريا، وأشارت إلى أنَّ الهجمات التي نفَّذتها قوات التحالف في عامي 2014 و2015، اتَّصفت بأنَّها كانت مركزة وأكثر دقة في استهدافها للمواقع العسكرية التابعة لتنظيم "الدولة" وأقلَّ تسبُّبًا في وقوع الضحايا المدنيين، مقارنةً مع الهجمات التي تمَّ تنفيذها في العام الماضي حتى مايو الجاري، والتي كانت أكثر عشوائية وفوضوية بشكل ملحوظ، حسب نص البيان.
الشبكة كشفت أنَّ قوات التحالف قتلت بين مطلع يناير من العام الماضي وبداية مايو الجاري ما لا يقل عن 998 مدنيًّا، بينهم 304 أطفال و178 سيدة، أي بمعدل 80% من مجمل الضحايا الذين قُتلوا منذ بداية التدخُّل.
مصطلح "المجازر" استخدمته الشبكة في وصفها لما وقع بفعل غارات التحالف، فتحدَّثت عن 51 مجزرة منذ التدخُّل في 23 سبتمبر 2014 إلى الآن، بينها 34 "مجزرة" في محافظة الرقة لوحدها أي بنسبة 67%، و12 في محافظة حلب "شمال".
الشبكة أوضحت أنَّ قوات التحالف الدولي اصطفّت في نهاية 2015 بشكل علني إلى جانب تنظيم "ب ي د" -الامتداد السوري لمنظمة "بي كا كا"- تحت مبرر محاربته لتنظيم "الدولة"، وقالت عن ذلك: "هذا الأسلوب الذي اعتمدته قوات التحالف الدولي يعتريه خلل واضح، فلا يمكن هزيمة تنظيم داعش المتطرف المستند إلى أيديولوجيا دينية متشددة، بالاعتماد على تنظيم متطرف يستند إلى أيديولوجيا عرقية متشددة، انفصالية عن الدولة والمجتمع السوري".
وكما تقول الشبكة، فإنَّ قيادة قوات التحالف اعترفت بقرابة 74 حادثة في سوريا، ومن ذلك ما ذكرته القيادة الأمريكية المركزية في بداية أبريل الماضي أنَّها قتلت 299 شخصًا في كلٍ من سوريا والعراق، دون أن تُمايز بين الدولتين.
اعتراف قيادة قوات التحالف بسقوط ضحايا مدنيين في عملياتها تراه الشبكة وحده ليس كافيًّا، وأضافت أيضًا: "على الرغم من مرور كل هذه المدة الزمنية، لم نسمع بعملية محاسبة أو اعتذار أو تعويض أو عزل للمسؤولين عن ارتكاب حوادث تُشكِّل جرائم حرب".
خان شيخون وغارات التحالف.. أطفال القتل
ارتبط كل ذلك بالضربة الأمريكية على مطار الشعيرات بريف حمص الشهر الماضي، فالضربة التي تضّمنت عشرات الصواريخ بررها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمشاهد "أطفال خان شيخون"، وهم الذين سقطوا ضحايا الهجوم الكيماوي على البلدة في ريف إدلب، والمتهم بتنفيذه رئيس النظام بشار الأسد.
براءة أطفال خان شيخون ومشاهد قتلهم صدمت ترامب وحرَّكت مياه أمريكا الراكدة ضد الأسد، غير أنَّ أمريكا هذه بقيادتها للتحالف قتلت قرابة الـ400 طفل في غارات الألف يوم، وهو مشهد متناقض في التعامل الأمريكي، مرجعه أنَّ الولايات المتحدة تتبع آلية التدمير الشامل، فهي إن كانت تشن غارات ضد تنظيم "الدولة" فهي لا تمانع أو بالأحرى لا تتوقف عن إسقاط قتلى مدنيين في الهجمات، كثيرٌ منهم أطفال ونساء.
التحالف.. ماذا فعل في سوريا؟
المحلل السوري ميسرة بكور اعتبر أنَّ "تساؤلات" عديدة يتم طرحها حول دور التحالف الدولي في سوريا، قائلًا: "التحالف جاء بمبرر محاربة إرهاب داعش والقاعدة، لكننا نتساءل أليس ما يقوم به بشار الأسد من قتل للمدنيين والأطفال هو إرهاب؟، وأليس من واجب التحالف أن يقصف مواقع بشار الأسد؟".
وأضاف لـ"مصر العربية": "طوال الألف يوم الماضية لم نجد التحالف قد حقَّق شيئًا ملموسًا إلا في منطقة الرقة مؤخرًا، لكن حتى تحرير منطقة عين العرب المسماة بكوباني فإنَّ داعش دخلها أصلها بعد تدخُّل التحالف، ولم يتم إخراجه من المدينة إلا بعد أشهر عديدة وبعد أن تحولت إلى مدينة أشباح وتدميرها بشكل كامل، ولهذا فإنَّ هذا الأمر ليس انتصار".
وتابع: "التحالف يعتمد في عملياته على التدمير الشامل كما حدث في عين الحرب، ولم يستطع التحالف تحرير أجزاء من دير الزور الواقعة في قبضة داعش ولا من الرقة ولا تدمر".
يرى بكور أنَّ التحالف لم يستطع إلا إنجاز شيئين، هما عزل مدينة الطبقة مؤخرًا وارتكاب العديد من المجازر في سوريا، مشدِّدًا على أنَّ قصف المدارس والمستشفيات تمثل جرائم حرب يُعاقب عليها مرتكبوها كما ينص القانون الدولي.
اعتذار قيادة التحالف على سقوط قتلى مدنيين جرَّاء غاراته يؤكِّد المحلل السوري أنَّه غير مقبول، وقال: "هؤلاء دخلوا تحت عنوان إنقاذ المدنيين من العصابات الإرهابيين، لكنَّهم يفعلون نفس الأمر بل ويتجاوزنه في مرحلة من المراحل، حيث أنَّ مجازر التحالف زادت عن مجازر الأسد أو داعش".
المحلل السوري تحدَّث عن حجم دمار هائل في سوريا جرَّاء غارات التحالف، معتبرًا أنَّه لم يراعِ معاناة الشعب السوري، بل كان همه القضاء على تنظيم "الدولة" وهو ما لم ينجح فيه إلى الآن، حيث لا تزال مناطق كثيرة تحت سيطرته.
بكور شكَّك في غرض التحالف من التحالف في سوريا، فقال متسائلًا: "هل حقًا دول التحالف تريد القضاء على داعش أم أنَّ الحرب على داعش استثمار لهذه الدول وشركات بيع السلاح ومهربي النفط وتجار الأعضاء البشرية".
وأضاف: "ليس من المقبول أنَّ الولايات المتحدة تعجز عن قتلى 30 ألفًا هم عناصر داعش، فأمريكا التي أسقطت في أفغانستان أم القنابل لا تستطيع استخدامها في سوريا رغم أنَّ تستخدم آلية الدمار الشامل في الموصل بالعراق".
وذكر بكور: "نضع علامات استفهام كبيرة حول الدور الذي يلعبه التحالف الدولي في سوريا، فهو استهدف العديد من قيادات المعارضة السورية، وكثير من تجمعات وثكنات الكتائب المعارضة لتنظيم بشار الأسد، وحينما قصفوا مرةً موقعًا للنظام اعتذرت واشنطن وعرض أوباما تقديم الدية لقتلى الأسد".
وأوضح بكور أنَّ القانون الدولي يمنع استخدام القوة المفرطة في المناطق كثيفة السكان، مشدِّدًا على أنَّ القصف العشوائي يمثل جريمة حرب، حيث أنَّه عندما يكون القصف بمنطقة معينة نتيجة أضراره أكبر مما سيحققه هذا العمل فيجب وقفه على الفور.
عاد بكور ليؤكِّد: "التحالف دمَّر عين العرب وحوَّلها إلى مدينة كردية، ودعَّم العصابات الكردية في مدينة الطبقة وإنشاء ميليشيا انفصالية ضد إرادة السوريين، ونشر قوات أمريكية من أجل حمايتهم والفصل بينهم وبين الأتراك".
دول الضد.. التحالف جزءًا
السياسي السوري بشير علاو اعتبر أنَّ "إرهابًا دوليًّا" يُمارس ضد الشعب السوري من كافة أطياف المجتمع الدولي.
وقال – لـ"مصر العربية": "التحالف يقتل ويبرر والنظام أيضًا وروسيا يفعلان ذات الأمر، وذلك بقصد إذلال الشعب السوري الحر الأبي".
وأضاف: "التحالف لا يختلف عن دول الضد التي تشمل روسيا وإيران، ومن سار بطريقهم من المفترض أن تكون لهم أعين ترصد كل ما يدور على الأرض السورية وتتابعها بدقة فائقة".
وأضاف: "لن يرتاح الشعب إلا بأن تسحب روسيا وإيران والميليشيات التي تعمل معهم وباقي الأطراف الأخرى غير السورية والتي تعمل لمصالح أمنية أو إقليمية معينة".
ودعا السياسي السوري – وهو مؤسس حزب البناء والعدالة الوطني - إلى ترك قوات عربية تمثل من وصفهم بـ"العرب الحقيقيين" مثل السعودية ومصر كقوات سلام، وذلك لحماية المدنيين.
وطالب علاو إلى فرض حظر جوي تام بقرار أممي، يشمل جميع التجمعات السكنية بشكل تام.