في أحد أطراف دمشق، وبالتحديد في منطقة جديدة الفضل، وفي أواخر 2009، كان أحد الأصدقاء من الإخوة النازحين من الجولان المحتل يتحدث عن بطولات «حزب الله» اللبناني في وجه الصهيونية العالمية وأميركا في جلسة شبابية سياسية. كان الصديق، وهو السنّيّ العتيد، يتحدث بعنفوان فياض عن خطب السيد حسن نصرالله زعيم الحزب. كان التشكيك بصدقية الحزب المذكور يجلب المذمة علينا. أي حديث منا عن اللون الواحد للحزب المذكور، وعن التوجه الطائفي لديه، وعن تبعيته لدولة مريبة كإيران كان يسبب الغضب لديه. وهو الصديق المقرب، والشاب الخلوق، والطالب في كلية الحقوق.
قبل ثلاث سنوات، وبعد نحو ثلاث سنوات من اللقاء المذكور، تصدرت نشرات الأخبار مجزرة جديدة الفضل، حيث مسكن صديقنا، على يد قوات النظام السوري والجماعات الموالية له. كان التوتر يقتضي الاتّصال بالصديق المذكور للتأكد من سلامته وأسرته. تبين أنه فقد أربعة إخوة دفعة واحدة. شيء من الموت الجماعي الذي ينهي الأسرة وينهي الانتماء للمحيط ككل، ويحزننا جميعاً كبشر. ويفرض علينا إعادة النظر بأفكار مقدسة خدعنا بها لسنوات كما حصل مع المناضل النبيل: «لم يكن الموضوع يحتاج إلى كل هذه الدماء لنفهم حقيقة أبطالنا البشعة»، كما يبدو أنه همس لنا على الهاتف.
على بعد كيلومترات من ذلك الصديق، كانت قوات حزب المقاومة تقاتل إلى جانب قوات النظام في مناطق مختلفة. وكانت الآلات الإعلامية العربية التي اعتبرته لسنوات رمز النصر العظيم في وجه الاحتلال الإسرائيلي، تسارع الخطى لتثبيت صورة الحزب الطائفي الذي يشارك في قتل الناس على أساس المذهب لدى المتابعين أفسهم الذين خدعوا من خلال تلك الشاشات ذاتها بنبل الحزب وفطنة قيادييه.
في السردية السابقة جزء من حقيقة التبدلات لعالم المفاهيم والمصطلحات التي تبعت الربيع العربي الطويل المسيرة، والمحزن النتيجة حتى الآن. نجح «حزب الله» لسنوات وضمن ظروف معينة في أن يكسب جماعات بشرية مختلفة الهويات الدينية والسياسية لمصلحة صدامات متقطعة التواقيت مع إسرائيل.
لا يمكن، ووفق منطق التاريخ، أن تبقى الصورة كذلك مع ذوات غير حقيقية تحاول ممارسة التقية من خلال الخطب الرنانة عن العدو الذي يقبع في الجنوب، ويهتك المقدسات الدينية في القدس. ظهرت هوية الحزب بصورة سريعة للجميع. لكن ذلك حصل مع جداول من الدماء، وعواصف من الانقسامات المذهبية والتشظي المجتمعي. لا يمر يوم إلا ويسمع في الأنحاء خبر عن «حزب الله» وهو يمارس عملاً معادياً للثورة والناس في مناطق الصدام في سورية. حتى وإن كان الخبر مضخماً وقليل الصدقية، فمجرد وقوفه إلى جانب نظام سياسي فاشل ومنتهي الصلاحية كالنظام في دمشق يفقده الصورة المقدسة التي كان يعشق الظهور بها.
التدخل الإيراني في سورية والمرفق طبيعياً بتدخل «حزب الله» ذي التبعية المطلقة لإيران، مدد الحرب الدموية السورية لسنوات طويلة. فمشاركة الحزب في القتال وضعه في سلة العدو لدى معظم الشعب السوري، ووضعه في خانة إيران المخربة لدى جل العالم العربي، وأصبحت النظرة المريبة إليه تترسخ في بلده الأصل لبنان.
لا يوجد فكاك لـ «حزب الله» بعد المشاركة العسكرية المؤثرة له لمصلحة النظام في سورية من التبعات التي ستفضي إليها المعركة السورية. أصبح الخط الإيراني أو ما يعرف بالهلال الشيعي الهادف إلى الوصول إلى البحر المتوسط خطاً دموياً وقلقاً.
قوافل قتلى الحزب تزيد الاحتقان لدى أبناء الطائفة الشيعية في الجنوب اللبناني تجاه الحزب، وتساهم في زيادة التأجج السياسي في بيروت. والمصير الأسود الأسوأ لأسياد هذا الخط الممتد من طهران إلى البحر المتوسط مع صعود جهات حاقنة على إيران من طينة ترامب وفريقه الغاضب من كل ذكر لإيران، سيكون من نصيب الحزب. فهو أضعف الأطراف تلك، وأكثرها بعداً من الأم اللجوج إيران، وأكثرها إحاطة بأعداء سواء كانوا أعداء قدامى كإسرائيل أو أعداء جدداً نجح الحزب المذكور مع دخوله المعترك العسكري المذهبي في إظهارهم للوجود. ويبدو أن هؤلاء الأعداء الجدد يركزون على تحطيم تمددات إيران من خلال البدء من الحصة اللبنانية التي تفوق باقي الحصص في التبعية الإيرانية.