أعلن وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي عن نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم 4 مايو/آيار الماضي والتي لم تحمل جديدًا يذكر في نتائجها بما يعني تأجيل البت في أمر انتقال السلطة ما بعد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لتعيش البلاد حالة ترقب سياسي خلال العامين المقبلين قبل انتخابات الرئاسة المقررة 2019.
الأوراق البيضاء: حزب الجزائر الأول
قبل الحديث عن نصيب الأحزاب السياسية لا بد من التنبه لأن أكثر من 60% ممن يحق لهم التصويت قد امتنعوا عن التوجه لصناديق الاقتراع فيما بدا فشلا من السلطة التي سعت لإقناعهم وقاد هؤلاء حالة يأس من الحالة السياسية والاقتصادية للبلاد ومن قدرة الطبقة السياسية من موالاة أومعارضة على التعاطي معها.
مع ذلك فإن حوالي مليونين من بين 8,5 مليون ذهبوا لصناديق الاقتراع بنسبة مشاركة 38,25% وهي أقل من النسبة المسجلة في انتخابات عام 2012 بنحو 5% قد اختاروا التصويت بورقة بيضاء مما اعتبره بعض المحللين ثورة صامتة ينبغي التنبه لها لأن هؤلاء قد اختاروا طريقة إيجابية للتعبير عن غضبهم بدلاً من الاكتفاء بالمقاطعة.
وقد سبق للجمهور الجزائري التعبير عن حالة مشابهة خلال احتجاجات يناير/كانون الثاني 2017 ضد غلاء المعيشة والتي اعتبرها الباحث إدريس جباري تحولا في سلوك كل من الطبقة الوسطى والسلطة.
إذ بنيت العلاقة بين الطرفين منذ وصول بوتفليقة للسلطة عام 1999 على تخلي الناس عن السياسة خشية تكرار العنف الذي سطرته سنوات العشرية السوداء في مقابل تحسن حظوظ الطبقة الوسطى في الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية والوظائف مما دفع بالجزائر إلى التفوق على الدول المجاورة في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
غير أن توقيع بوتفليقة على قانون المالية في ديسمبر/كانون الأول 2016 بحيث أصبحت موازنة 2017 نحو 63 مليار دولار، أي أكثر بقليل من نصف موازنة 2015 التي بلغت 110 مليارات دولار، جعل السكان يشعرون بتراجع عائدات النفط وإجراءات التقشف المقترحة من الحكومة، مثل اللجوء لفرض الضرائب ما سبب غلاء الأسعار، الأمر الذي فسره الجزائريون بالفشل الحكومي في عملية الإصلاح الاقتصادي مسببًا حالة تململ من النخب السياسية ومنظومة الحكم.
هل نجحت سياسة «فرق تسد» في تحجيم الإسلاميين؟
بالنظر إلى النتائج جاء تحالف مجتمع السلم حركة المعارضة الأكبر والتي تنتمي فكريًا لمدرسة الإخوان المسلمين في المركز الثالث بعد حزبي الحكومة بحصوله على 33 مقعدًا وهي نسبة هزيلة تعبر عن انقسامات الإسلاميين المتكررة خلال السنوات الماضية.
فمنذ خروج الحركة من التحالف الحكومي الذي كانت جزءًا منه بين العامين 1997 و2002 للعمل من وجهة نظرها على إنهاء الحرب الأهلية التي اشتعلت بين جبهة الإنقاذ الإسلامية الفائزة بانتخابات العام 1992 والجيش الذي قاد انقلابًا عسكريًا على نتائج الانتخابات ظهرت تباينات بين عدد من قادتها في مسائل عديدة أبرزها يتعلق بالعلاقة مع السلطة.
فقد انشقت عن الحركة عدة أحزاب أبرزها جبهة التغيير التي خاضت الانتخابات الأخيرة ضمن تحالف الحركة في نية لإعادة الاندماج معها.
وكان عبدالمجيد مناصرة زعيم الجبهة قد غادر حركة مجتمع السلم عام 2009 لرفضه الدعم الذي قدمه أبوجره سلطاني الزعيم السابق للحركة للتعديلات الدستورية 2008 التي مكنت بوتفليقة من الترشح لولاية ثالثة إلا أنه بعد وصول عبد الرزاق مقري لرئاسة الحركة والذي يتقارب مع رؤية مناصرة حول ضرورة الاصطفاف في خانة المعارضة كان من السهل إعادة الاندماج بينهما فيما لا يزال سلطاني يعمل من داخل الحركة على تحقيق رؤيته الرامية لإعادة مجتمع السلم إلى الائتلاف الحاكم إذ لا يرى أي فرص تعود بالفائدة على الحركة من المعارضة.
كما نجح تجمع أمل الجزائر «تاج» والذي يخوض الانتخابات للمرة الأولى في تحقيق نتيجة بارزة جعلته يأتي في المركز الرابع بحصوله علي 19 مقعدًا ويقود الحزب وزير الأشغال العامة سابقًا عمار غول الذي ترك حركة مجتمع السلم عام 2012، فيما بدا اعتراضا على تحول الحزب من الحكومة إلى المعارضة حيث يمتلك علاقات قوية بدوائر الحكم تجعله يقف داعمًا للحكومة الجديدة.
كما نجحت تاج في الاستفادة من القدرات البشرية التي عملت سابقًا في مجتمع السلم وخاصة الجناح الطلابي، إذ رشح الحزب عددًا لافتًا من الشباب واستطاع مزاحمة الحركة الإسلامية الكبرى في مناطق نفوذها ومن ثم اقتطاع عدد لا بئس به من مقاعدها رغم تقديمه خطابًا سياسيًا وطنيًا ورفضه التصنيف كحزب إسلامي.
بالإضافة إلى ذلك حقق تحالف النهضة والعدالة والبناء 15 مقعدًا وهو تحالف إسلامي آخر يصطف في خانة المعارضة ويضم حركة البناء الوطني المنشقة عن حركة مجتمع السلم ويقودها أحمد الدان، وكذلك جبهة العدالة والتنمية التي أسسها عبد الله جاب الله 2012 الذي عاد للتحالف مع حركة النهضة التي سبق له تأسيسها قبل أن تتمرد على طريقة إدارته.
يذكر أن جاب الله أخذ خطًا معارضًا على مدار مسيرته مما مكنه في فترات سابقة من ملء الفراغ بين جبهة الإنقاذ الراديكالية وحركة مجتمع السلم المعتدلة بتبني خطاب أكثر تشددًا ورفضه الانضمام للحكومة.
لماذا يتمسك الائتلاف الحاكم بمستوى هش من الديموقراطية؟
نجح التحالف الحكومي المكون من حزبي حركة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديموقراطي في البقاء متصدرًا النتائج مع تغيرات غير مؤثرة بالمقارنة بنتائج الانتخابات السابقة 2012.
حيث جاء حزب جبهة التحرير الوطني وهو حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الصدارة بحصوله على 164 مقعدا من إجمالي 462 هي العدد الكلي لمقاعد المجلس الشعبي الوطني وهو رقم أقل مما حققه الحزب في 2012 بينما زاد نصيب حزب التجمع الوطني الذي يتزعمه مدير الديوان الرئاسي أحمد أويحيى بتحقيقه 97 مقعدا مقلصًا الفارق بين حزبي التحالف من 153 مقعدًا إلى 67 مقعدًا فقط.
بينما لم تنجح أحزاب اليسار الجزائري في الخروج من جهويتها بل تراجع التصويت لها في ولايات نفوذها المعتاد حيث حصلت القوى الاشتراكية على 14 مقعدًا والحركة الشعبية على 13 مقعدًا متفوقا على حزبه الأم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية الحاصل على 9 مقاعد خلف حزب العمل بحصوله على 11 مقعدا.
تنظر النخب الحاكمة في الجزائر لتلك النتائج باعتبارها نجاحًا في الإفلات من مصير الربيع العربي والحفاظ على حالة الاستقرار دون الحاجة لتقديم تنازلات فيما يخص تعزيز الديموقراطية.
الإشارة هنا ليست لقادة الأحزاب أو قادة الحكومات بل للأجهزة العسكرية والأمنية الحاكمة والتي توظف جيشًا من البيروقراطيين المتخرجين في المدرسة الوطنية بينما تنظر للأحزاب كواجهة مطلوبة في إطار ديموقراطية شكلية خالية المضمون.
ما يعزز تلك الرؤية هي صورة الشرق الأوسط شديدة الاضطراب وتحديات الدولة الجزائرية الخارجية خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع جيرانها، وبلا شك فإن كثيرًا من آلام الحرب الأهلية لا تزال تغذي الذاكرة الشعبية للجزائريين.
كل هذه العوامل إضافة إلى نجاح السلطة في ترويض المعارضة وخلق انشقاقات داخلها تكون نتيجتها مزيدا من الضعف وهو ما يسميه الباحث إدريس ربوح أحزاب موالاة من الدرجة الثانية في إشارة لحزبي تجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية اللذين خرجا من رحم تيارين معارضين إسلامي ويساري ليؤيدا الحكومة جعل الوضع يبقى على ما هو عليه في انتظار معامل آخر يدفع بالتفاعلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المأزومة والمؤجلة للاندفاع للسطح.