أسبوع مضى منذ أن سقط زوجها مغشيا عليه داخل قفص الاتهام، بينما كانت هى في منزلها محظورا عليها كبقية أسر المتهمين حضور جلسات المحاكمة، تتلهف نبأ يطمئنها عليه بعدما أغلقت في وجهها كافة الأبواب التي طرقتها للوصول إليه.
لم تعد تنشد "نهى دعادر" براءة زوجها "عصام سلطان" من التهم المنسوبة إليه بإهانة القضاء، يهبط سقف مطالبها كلما تكالبت عليه معاناة السجن، فالآن بات أقصى ما ترجوه أن يشعر زوجها بالحياة، فقط يسمحوا له بـ "الطعام والشراب"، حسبما تروي لـ "مصر العربية".
يوم الأحد الماضي تابعت "دعادر" نبأ إغماء زوجها "عصام سلطان" خلال جلسة القضية المعروفة إعلاميا بـ "إهانة القضاء" من المواقع الإخبارية، خفق قلبها لا تعلم حتى مكان له لتطمئن عليه، فكل ما يصلها عنه تكهنات تارة تخبرها أنه في المستشفى وأخرى أنه عاد لمحبسه.
شخص ما أخبرها أن "عصام سلطان" انتقل إلى مستشفى سجن ليمان طرة، فأسرعت إليها خاصة بعدما أخبرها أنه مسموح بالزيارة هناك، ولكن قالوا لها "تشابه أسماء" فاتجهت مرة أخرى إلى سجن العقرب، حيثما يقبع هناك في زنزانة انفرادية منذ ما يقرب من 4 سنوات، وأيضا خابت مساعيها بعدما أخبروها أن الزيارة ممنوعة.
وقفت دعادر أمام البوابة الحديدية لسجن العقرب الذي يقع في مجمع سجون طرة بحلوان، بعد أن فقدت الأمل في رؤيته راحت تسألهم أن تطمئن فقط عليه إذا ما كان بصحة جيدة، هل عاد للسجن أم لايزال في المستشفى، ولكن أخبروها "مفيش اتصال بين البوابة واللي جوه السجن".
في أخر زيارة له في مطلع إبريل الماضي أخبرها زوجها أنهم يتعرضون لضغوط و"تجويع" في السجن، فمنذ شهور يمنعون عنهم الطعام والشراب من "الكانين" و"الكافيتريا"، ويكتفون فقط بأكل السجن القليل الفاسد الذي أصاب بعض السجناء بالتسمم.
بعد حادثة تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية أحكم "العقرب" قبضته على السجناء، شنت إدارته حملات بالكلاب البوليسية تجرد الزنازين من كل ما فيها من طعام وشراب إن وجد، مُنعت الزيارة عن الأهالي وانقطعت الاتصالات بينهم فلم يعد أحد يعرف عن الآخر شيء، بحسب دعادر .
قبل منع الزيارة نهائيا كانت "دعادر" وأمثالها من زوجات وأسر السجناء يكافحون ليظفروا بتصريح بالزيارة كل 3 أسابيع، يتحملون مشقة الانتظار 8 ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة أمام السجن، لتقر أعينهم برؤية ذويهم لمدة 20 دقيقة .
تلك الشمس التي يتذمر منها أهالي المتهمين حين تلفح وجوههم بأشعتها الحارقة، تشتهي أعين السجناء رؤية ضوئها ولو خيط من أشعتها يخترق الأسوار فيقتبسون من نورها ما يضيء لهم ظلمة زنازينهم، فهكذا يخبرنا أحمد أبو العلا، محامي عصام سلطان، أن سجناء العقرب مقيدين في زنازين لا يرون الشمس مطلقا.
طوال الوقت يعاني سجناء العقرب معاملة قاسية، ولكن في الفترة الأخيرة أحكمت الإدارة قبضتها على السجناء، منعتهم من "التريض" أي الخروج من الزنازين، باتت أجسادهم تتغذى على الضرب والتعذيب والإهانة بدلا من الطعام، يسقون من ماء عكرت عذوبته مياه الصرف الصحي بعدما اختلطت به، وفقا للمحامي.
يوم الثلاثاء قبل الماضي أغلقت إدارة السجن "الكانتين" ومنعت الطعام عن السجناء إلا من أكل السجن، وعنه يقول أبو العلا إنه سيء للغاية وقليل الكمية لا يسمن ولا يغني من جوع .
لم يلتق أبو العلا بموكله "عصام سلطان" مباشرة من مايو عام 2016 الماضي، فمن حينها يراه عبر نوافذ قفص الاتهام بعد منع الزيارة عن المحامين، وكان قبل ذلك يراه بضعة دقائق في الزيارة إن سمحت له إدارة السجن .
ومنذ تعرض سلطان للإغماء في الجلسة ولا يعلم أبو العلا عن موكله شيء، ذهب في اليوم التالي لجلسة محاكمة "هشام جعفر" عساه يطمئنه عليه فهما في سجن واحد ربما يتوارد إليه نبأ عنه، ولكن حال القفص الزجاجي دون أن يتحدث أبو العلا إلى جعفر في المحكمة فعاد بخيبة أمله.
ما علمه أبو العلا أن "عصام سلطان" ليس وحده من يعاني الـ "تجويع" وسوء المعاملة، ولكن بقية السجناء معه في حالة سيئة، وهو ما اعتبره حملة متعمدة لترويع السجناء.
وفي محاولة لإغاثة سجناء العقرب وفي القلب منهم موكله، تقدم أبو العلا ببلاغات عدة للنائب العام وللمجلس القومي لحقوق الإنسان، آخرها تسجيل إغماء "عصام سلطان" في محضر الجلسة حتى تطالب المحكمة بالتحقيق فيما يتعرض له السجناء، وما من إجراء قانوني إلا سلكه دون جدوى.
أحمد ماهر، نائب رئيس حزب الوسط الذي ينتمي إليه عصام سلطان، يقول إن الحزب يدرس سبل التصعيد القانوني والحقوقي الذي يكفل الحفاظ على صحة "سلطان" التي باتت مهددة، بحد قوله.
ويضيف ماهر، لـ "مصر العربية" أنه علم من المحامين أن "سلطان" تحدث عن إجراءات جديدة بها تعنت كبير مع أدنى حقوقهم الإنسانية من منع شبه كامل للطعام والشراب ومياه ملوثة، ما تسبب في تدهور حالتهم الصحية.
ويشير ماهر إلى أن "سلطان" يعاني في الأساس من تعب شديد في فقرات الظهر، وأجرى عدة عمليات جراحية وحالته الصحية تحتاج لرعاية وعناية لايتوافر منها أي شيء في السجن.
وتابع :"ما نعلمه أن الوضع جد خطير ، وأن هناك مواطنين مصريين يموتون ببطئ بإجراءات تعسفية غير مبررة لايمكن إلا أن تكون تصفية متعمدة، ويجب أن يتكاتف جميع من يؤمن بحق الإنسان في الحياة بغض النظر عن اختلافه السياسي أو الأيدلوجي مع الشخص الذي يتعرض لهذا النوع من الانتهاكات".
وأمام دعوة "ماهر" لتكاتف الجميع لوقف هذه الانتهاكات، يبقى تساؤل نهى دعادر عن صحة زوجها عصام سلطان، وتقول "عاوزة اطمن على جوزي أعرف هو فين وعامل إيه، تخيلو لو حد اغمى عليه قدامكوا هتتخضوا عليه ما بال انا حصله كده وانا مش قادرة اوصله ولا حتى قادرة اطمن عليه".
تختم حديثها "سقف مطالبنا عمال ينزل، مش بنطالب يخرج رغم إني عارفة أنه بريء، عاوزه بس يحس بالحياة، عاوزه ياكل ويشرب".