"إيران سبب كل أزمات الشرق الأوسط".. اتهام أمريكي صريح لإيران، فسَّره كثيرون بأنَّه قد يحمل تحرُّكًا جديدًا في المنطقة، لا سيَّما مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة.
في ظل الوضع الذي يوصف بـ"الملتهب" في الشرق الأوسط بات الحديث عن "ناتو عربي - إسرائيلي" تشكِّله واشنطن ضد طهران.
أقل من أسبوعين تفصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أولى جولاته، وستقوده بوصلته إلى السعودية، وبعدها يزور إسرائيل.. جولة باتت تحمل في مضمونها الكثير والكثير من الأهمية، في ظل المخاطر الكبيرة التي تحدق بالمنطقة.
ربما يكون العامل الأكثر التصاقًا بكل أوضاع المنطقة وأزماتها هو الدور الإيراني، ففي الوقت الذي تعالت فيه الأصوات عن تحرك لتشكيل محور سني ضد التمدد الشيعي، ظهر صوت إسرائيلي يتحدث عن ضم تل أبيب إلى هذا المحور، بتحرُّك من ترامب.
الولايات المتحدة تتهم إيران بأنَّها سبب كل أزمات المنطقة، ولعل الأزمة السورية هي أكبر دليل على ذلك، فإلى جانب روسيا، تعتبر "الجمهورية الإسلامية" الأكثر دعمًا لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولولا هذا الدعم - كما يرى محللون - لما تمكَّن الأسد من البقاء إلى الآن.
أيضًا الأزمة في اليمن، إذ أنَّ إيران متهمة بدعم جماعة أنصار الله "الحوثي" فيما يُسمى بـ"انقلابها" على سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي، فغرقت اليمن في أزمة حادة، سواء قتاليًّا إذ سقط الآلاف بين قتيل وجريح، أو حتى اقتصاديًّا فتهدِّد المجاعة حياة أكثر من 17 مليون إنسان هناك.
جدول أعمال.. شيء ما يُرتب
لعلَّ جدول أعمال ترامب في السعودية هو خير تأكيد على ذلك، فالرئيس الأمريكي سيعقد قمة مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ثم يشارك في قمة مع زعماء مجلس التحالف الخليجي، ويعقب ذلك قمة عربية إسلامية أمريكية في المملكة، دعت إليها الملكة زعماء وقادة دول العالم الإسلامي.
هذه الفعاليات ستبحث بلا شك العمل على تشكيل محور سني يواجه محور إيران الشعبي، لا سيَّما في ظل تعقد أزمات وأوضاع المنطقة، فما يدعم ذلك النبرة الأمريكية تجاه "الجمهورية الإسلامية"، حيث اتهمتها صراحةً بأنَّها سبب كل أزمات المنطقة.
هذه اللهجة الأمريكية وإن كانت غير جديدة في كامل مضمونها، لكنَّ تحمل عدة مدلولات، أنَّها جاءت من وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، فالرجل قال – بنظرة عسكرية قبل أن تكون سياسية – إنَّه يتعين التصدي للنفوذ الإيراني، وذلك بعدما صرَّح: "في كل مكان تنظر إن كانت هناك مشكلة في المنطقة فتجد إيران".
مدلول ثانٍ هو أنَّ التصريح الأمريكي جاء في السعودية التي تجمعها خلافات عميقة مع إيران، وما يلفت الانتباه هنا أيضًا تصريح ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان الذي قال: "الفكر الإيراني المتطرف يمنع الحوار مع طهران، وهناك هدف رئيسي للنظام الإيراني في الوصول إلى قبلة المسلمين، ولن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سوف نعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران".
هذا التصريح السعودي قوبل باحتجاج إيراني لدى الأمم المتحدة، ذكرت فيه أنَّه يثبت تورُّط النظام السعودي في الأعمال الإرهابية داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكنَّه يهيئ المشهد إلى أنَّ شيئًا ما قد يحدث لاحقًا، لا سيَّما أنَّه جاء قبل أيام فقط من زيارة ترامب.
السعي الأمريكي لهذا التحالف السني في مواجهة الخطر الشيعي الإيراني يحمل أكثر من هدف، فواشنطن تسعى إلى كبح جماح إيران حمايةً لأمن إسرائيل، فضلًا عن محاولة تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وذلك بعد اتهامها لإيران بأنَّها سبب أزماته، حيث أنَّ استقرار المنطقة قد ينهي أزمة اللاجئين التي تهدِّد الغرب، بداعي الخوف من تسلل عناصر متطرفة بينهم، وتنفيذ هجمات هناك.
حلف عربي إسرائيلي.. هل يتم؟
ترامب سيزور إسرائيل أيضًا، ومن هناك خرج حديث أنَّ زيارة الرئيس الأمريكي ستشهد بحث تشكيل التحالف السني، فقال السفير المقبل للولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان إلى تل أبيب ستكون مشتركة أيضًا في هذا التحالف برفقة الدول العربية.
فريدمان نُقل عنه – في تصريحاتٍ صحفية - أنَّ دول الخليج والمصريين والأردنيين والإسرائيليين يوحدهم القلق نفسه في مواجهة إيران، متهمًا "الجمهورية الإسلامية" برعاية الإرهاب.
هذا الحديث الإسرائيلي دعَّمه تصريح لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو دعا فيه إلى سلام شامل في الشرق الأوسط بين إسرائيل والدول العربية، وهو ما قد يكون بداية الخيط نحو إشراك إسرائيل في هذا التحالف.
نتنياهو في هذا الإطار أشاد بما اعتبرها فرصة غير مسبوقة، إذ أنَّ عددًا من الدول العربية لم تعد تعتبر إسرائيل عدوًا بل حليفًا في مواجهة إيران وتنظيم "الدولة"، واصفًا إياهما بـ"القوتين التوأمين في الإسلام اللتين تهدِّدان الجميع".
هنا تعود إلى الأذهان سريعًا لقاء الضابط السعودي المتقاعد أنور عشقي في يوليو الماضي بالقدس الغربية، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري جولد، وكان الرجلان التقيا قبل سنة في مركز للأبحاث في واشنطن.
وآنذاك، تحدث الجانبان عن عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية التي تراوح مكانها منذ ربيع 2014، وتمَّت الدعوة إلى إحياء مبادرة السلام العربية "الخطة السعودية التي عرضت في 2002 بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية مقابل نقاط عدة بينها إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967".
الدكتور سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية تحدَّث عن أنَّه كان من المفترض تأسيس حلف أمني بين مصر والسعودية ودول الخليج بالإضافة إلى إسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني.
وقال - لـ"مصر العربية": "إدخال إسرائيل إلى هذا الحلف قد يمثل معضلةً لدول الخليج لكن ترامب قد يتمكن من حلها، هنا نذكر أنَّ مطالبة السعودية بجزيرتي تيران وصنافير من مصر كانت لنقل علاقاتها مع إسرائيل من غير مباشرة إلى مباشرة".
لماذا السعودية أولًا؟
اختيار ترامب ليبدأ أولى جولاته بالسعودية لا يخلو من دلالة مهمة، مفادها بأنَّ الإدارة الأمريكية تعتبر المملكة أهم دولة عربية سنية، وذلك على عكس الرئيس السابق باراك أوباما الذي اختار أن يبدأ جولاته في المنطقة بزيارة مصر.
كما يحرص ترامب على إثبات أنَّه لا يعادي المسلمين، وهم اتهامٌ لاحقه منذ قراره الذي أوقفه القضاء جزئيًّا بمنح دخول مواطني ثماني دول مسلمة إلى بلاده، وهو القرار الذي قوبل بامتعاض شديد من قبل مسلمين كثر.
هناك قضايا أخرى يتوقع طرحها خلال زيارة ترامب للسعودية، هي الحرب على تنظيم "الدولة" واستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية تحت "مظلة عربية"، وفي هذا الجانب صرَّح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إنَّ فرص التوصل لاتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين "جيدة" كون الرئيس ترامب يتبع "نهجًا جيدًا".
محور ضد التمدُّد
المحلل السوري ميسرة بكور اعتبر أنَّ زيارة ترامب إلى السعودية تحمل أهمية بالغة كونها مرتبطة بتشكيل محور سني ضد التمدُّد الشيعي في المنطقة.
وقال - لـ"مصر العربية": "زيارة ترامب إلى السعودية يسبقها تأكيد أمريكي على وضع حد لإيران وأذرعها في المنطقة، وهنا الحديث عن بشار الأسد وحزب الله الحشد الشعبي، وهو ما يدعم التوجه السعودي في التصدي للعدوان الإيراني".
وأضاف: "أعتقد أنَّ إيران ستكون أكثر تعقلًا في المرحلة المقبلة، وأيضًا هي ستجعل حزب الله المتطرف أكثر تعقلًا، وبخاصةً في ظل التحرك العسكري على الأرض عند الحدود الأردنية، وهو ما يتمثل في مناورات الأسد المتأهب".
بكور رغم تأكيده أنَّ إدارة ترامب تخطِّط لتشكيل محور سني ضد إيران، إلا أنَّ استبعد تحركًا عسكريًّا لهذا المحور في سوريا، مفسِّرًا ذلك بالقول: "السعودية اتخذت خطوة مهمة جدًا أزعجت إيران وهي تكليف جنرال باكستاني بقيادة التحالف الإسلامي وهذه ضربة قوية لإيران لكنَّ بالنظر مثلًا إلى دول هذا التحالف فلا نجد أنَّ هناك اتفاقًا بشأن قضايا عدة في المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة السورية".
وأشار إلى أنَّ الدول العربية نفسها تجمعها خلافات على بقاء بشار الأسد في السلطة، لافتًا إلى أنَّ الدول التي شكَّلت التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب ليست جميعها على رجل واحد.
وأوضح أنَّ التحالف الإسلامي تمَّ تشكيله تحت ضغوط معينة تعرَّضت لها السعودية وصلت إلى حد اتهامها بدعم الإرهاب، غير أنَّ الأوضاع الحالية - كما يرى بكور – قد تكون تغيرت.
المحلل السوري شكَّك في القدرة على تشكيل قوة حقيقية على الأرض يكون لها تأثير في التطورات الراهنة بالمنطقة، وأرجع ذلك إلى كون هذه الدول غير متوافقة في سياساتها على أرضية مشتركة، تكون دافعها في التصدي للمخاطر.
مستقبل أوضاع المنطقة ربطها بكور بالاستحقاقات الانتخابية في أوروبا، والتي خسرها اليمين المتطرف، ومن ذلك فوز إيمانويل ماكرون في الانتخابات الفرنسية وخسارة اليمين المتطرف في ألمانيا وتقدم حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعدما ساد توقعٌ في عموم أوروبا بأن تكون الغلبة لليمين المتطرف لا سيَّما بعد فوز بفوز ترامب بالرئاسة الأمريكية.
هذه التطورات الأوروبية اعتبرها بكور تأتي في صالح المنطقة العربية بقيادة السعودية حسب تعبيره، مؤكِّدًا أنَّ المملكة هي زعيمة المنطقة سواء دينيًّا أو اقتصاديًّا، حتى تقدمها العسكري في المرحلة الأخيرة، بالإضافة إلى امتلاكها لحلفاء كثر في المنطقة.
ناتو عربي
الخبير الاستراتيجي والعسكري اللواء جمال مظلوم رأى أنَّ زيارة ترامب إلى السعودية تمثل محاولةً من قِبل الولايات المتحدة لأن تكون مضطلعة بدور أكبر في قضايا الشرق الأوسط، سواء سوريا أو لبنان أو اليمن وكذا ليبيا.
مظلوم تحدَّث لـ"مصر العربية"، عن تحرُّك لتشكيل "ناتو عربي" لمواجهة الخطر الإيراني، باعتبار أنَّ الولايات المتحدة ترى إيران دولة تهدِّد الأمن والسلم العالميين بسبب تدخلاتها في شؤون دول المنطقة.
الخبير العسكري لم يستبعد تحركات عسكرية على الأرض بعد زيارة ترامب إلى السعودية، متحدثًا هنا عن إمكانية نشر قوات حفظ سلام في سوريا، غير أنَّه لم يرجّح أن تندلع مواجهات عسكرية بين محور هذه الدول من جانب وقوات النظام السوري والميليشيات الداعمة له من الجانب الآخر.
قوات حفظ السلام هذه قال عنها مظلوم: "هذه القوات ستكون أرحم على السوريين من أي دول أجنبية مثل روسيا والولايات المتحدة، لأنَّ هذه الدول إذا ما وضعت قدمها في هناك فلن تغادر أبدًا".
وأضاف: "الولايات المتحدة لن تجعل سوريا مستقرة أبدًا، وهي تسعى إلى إشعال سوريا دائمًا من أجل حماية إسرائيل، فالولايات المتحدة التي كانت سببًا في تخريب العراق تمارس الآن الدور نفسه مع سوريا وكذا بقية الدول العربية".
مظلوم اعتبر أنَّ أي مواجهة مع إيران في الفترة المقبلة ستؤدي إلى حرب عالمية، مستعبدًا أن تُستقطب كافة الأطراف إلى مثل هذا السيناريو.