في ظلِّ التمزق العربي وانعدام وحدة الصف، والتباين الكبير بين التوجهات العربية الكبرى، وتزايد بؤر التوتر في أكثر من منطقة عربية بدأت الآن تُطْبَخ في الغرف المغلقة للاستخبارات الصليبية الأمريكية ما أطلق على تسميتها بصفقة القرن الواحد والعشرين وهي صفقة تقضي على كل الأحلام العربية في تحرير الأراضي المغتصبة وعودة القدس كعاصمة فلسطينية، فكل مبادرات الوصول إلى حل الدولتين وفق معاهدات الخيانة للسلام العربية الإسرائيلية مرورًا باتفاقية كامب ديفيد سنة 1978 وصولا بمعاهدة أوسلو سنة 1993 باتتا من الماضي وأصبحتا لا تلبيان أبدًا رغبة الاسرائيليين في إقامة دولتهم الموعودة وحلمهم الكبير في تصدرهم لدول الشرق الأوسط كقوة فاعلة في التأثير المباشر على سياستهم، فحتى الوثيقة الجديدة لحركة حماس الأخيرة والتي جاءت لتعيد المفهوم للمقاومة وللصراع العربي الإسرائيلي، وتؤكد على أن نظامها يتمحور فقط حول تحرير الأرض المغتصبة دون اعتبار أن المعركة هي معركة وجودية بين اليهودية والإسلام ورغم ذلك فإن مصيرها عرف سلة المهملات كما فعل بها نتنياهو في آخر ظهور له وهو يناقشها..
كل هذه المعطيات أكدت بصفة لا ترتقي إلى الشك بأن الحل النهائي للقضية الفلسطينية هو التصفية الكلية لكل الحقوق ووئد حلم العودة أو إقامة دولة مستقلة والبحث عن وطن بديل يجمع شتات الفلسطينيين وقد وقع الاختيار على منطقة سيناء، وهذا ما يؤكد على أبعاد سياسة التهجير التي قام بها السيسي منذ وصوله للسلطة وقتل ساكنيها بدعم أمريكي مباشر ليكون الأداة الفاعلة في تمرير هذه الخيانة، وما لقاؤه الأخير بالرئيس الأمريكي ترامب إلا دليل إضافي على الانتقال إلى الخطوة قبل الأخيرة من التوطين الجديد للفلسطينيين.. أما الخطوة الأخيرة فهي الزيارة المرتقبة لترامب إلى السعودية ليشرف هناك على ثلاثة قمم متتالية:
قمة سعودية أمريكية يتم خلالها التحضير إلى المبادئ العامة للصفقة... وقمة خليجية أمريكية سيحصل فيها التوافق الخليجي التام وسبل تمويلها بأموال عربية بحتة... وقمة عربية أمريكية موسعة يتم الاستدعاء إليها بقية رؤساء الدول العربية المؤثرة في الموضوع مثل السيسي لتزكية هذه الخطوة ولتحديد الأدوار المنوطة بكل منهم، وهذا أيضا ما يفسر الجولة المكوكية الأخيرة له في عديد من الدول الخليجية قصد البحث عن الثمن لهذا الجهد وهو دعمه من جديد للانتخابات الرئاسية القادمة بمصر.
وبعد الالتئام لهذه القمم الثلاثة سينتقل ترامب مباشرة إلى إسرائيل ليطلع قادتها على نتائجها باعتبار إسرائيل هي سيدة المنطقة وهي الصديقة الحميمة لأغلب الدول العربية وأصبحت كما جاء على لسان رئيس وزرائها أنها ليست عدوة العرب بل شريكًا لهم في مقاومة الإرهاب والتطرف.
وبهذا المشهد المذلّ يتم إسدال الستار على أكبر قضية استعمارية عرفها التاريخ شارك في نسجها خونة ومرتزقة من جنسيات عربية وميولات صهيونية.