بحثًا عن حلول جذرية لأزمة جنوب اليمن المشتعلة، نظمت "مصر العربية" حلقة نقاشية تحت عنوان "جنوب اليمن انفصال يلوح في الأفق"، استضافت خلالها عضوين بارزين من سياسي عدن؛ الخبير العسكري العميد عمر مجري، والدكتور أحمد قاسم.
الندوة التي أدارها الزميلان أيمن الأمين ووائل مجدي، تناولت ما آلت إليه الأوضاع السياسية والعسكرية في اليمن بعد إعلان الجنوب تأسيس مجلس سياسي انتقالي يتولى إدارة شئون الجنوب، وتمثيلهم أمام الرأي العام الدولي، كخطوة استباقية للانفصال عن الشمال.
السياسيان اليمنيان قالا إنهم يعانون من الظلم والتهميش منذ ارتباط الوحدة "غير الشرعي"، مع الشمال في 1994، على حد قولهم.
نضال مرير
العميد عمر مجري الخبير العسكري اليمني، قال إن الأحداث الأخيرة التي شهدها جنوب اليمن وتأسيس المجلس السياسي الانتقالي ستدعمه الدول العربية، وهو نتاج لنضال مرير خاضه شعب الجنوب منذ 2007.
وأكد أن شعب الجنوب قام خلال هذه الفترة بأكثر من 15 مليونية للمطالبة بحقوقه ولكن لم يسمع له أحد.
وذكر أن الوحدة بين الشمال والجنوب والتي يطالب بها الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وآخرون باطلة، مؤكدًا أنها تمت بين أفراد وليس بين شعبي الشمال والجنوب.
وأوضح أنه قبل عام 1990 كان هناك دولتان إحداهما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب والثانية دولة الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، وكان هناك دعوات للوحدة بينهما على أساس من المنفعة للشعبين وليس لطرفٍ دون آخر.
وأردف العميد عمر مجري الخبير العسكري اليمني إن الوحدة بين الجنوب والشمال حدثت بدمج قسري في الغرف المغلقة دون استفتاء الشعبين أو التطرق لحقوق الجنوب ما وصفه بـ"وحدة الورقة الواحدة التي تمت في السرداب".
وتابع أنَّ الجنوب كان دولة معترفا بها في الأمم المتحدة والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي وممثلة بسفارات في كافة دول العالم ولا أحد يستطيع إنكار ذلك.
ونوه مجري إلى الفوارق الطبقية التي كانت موجودة عند الوحدة ما بين الجنوب والشمال، فالجنوب كانت نسبة المتعلمين به 94 في المائة، بينما النسبة في الشمال ضعيفة جدًا، وكانت الفوارق الاجتماعية متفاوتة للغاية لصالح الجنوب.
وأشار الخبير العسكري اليمني إلى أن الجنوب كان متحضرًا ويحكمه قانون ونظام وأمن وسلم مجتمعي، بجانب تحسن أوضاع التعليم والصحة، اللذين كانا بالمجان على خلاف الشمال الذي كان متخلفا.
وأرجع المجري، اختفاء مظاهر التقدم والتحضر في الجنوب بعد الوحدة؛ إلى أن نظام الحكم في الشمال يختلف جذريًا عن الجنوب، ففي الشمال تحكم القبيلة، واصفا الرئيس على عبد الله صالح حينها برئيس عصابة نظراً لعدم وجود دولة في الجنوب، مضيفًا أن عملية قتل ممنهجة للجنوبيين في صنعاء حدثت بعد الوحدة مباشرةًـ وقُتل أكثر من 250 من القيادات والكوادر الجنوبية وحدث غزو للجنوب في عام 2007.
إقصاء وتهميش
الدكتور أحمد قاسم المحلل السياسي اليمنى أكّد أن عملية تهميش وإقصاء طالت أبناء الجنوب منذ الوحدة في عام 1990 والتي وصفها بالشكلية، مشيراً إلى أن عدم الانسجام بين الجنوب والشمال أدى إلى الصراع منذ الأيام الأولى للوحدة وكللت بحرب اجتياح الجنوب بعد أربع سنوات في أبريل 1994.
وقال إن بعد هذه الحرب تم إقصاء أبناء الجنوب سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، وتهميش أبناء الجنوب في الوظائف والمنح والتعليم وفى الكليات العسكرية والمدنية، لذلك شعر شعب الجنوب أن ما يقوم به النظام في صنعاء ليس حبًّا في الوحدة ولكن حبًّا في نهب ثروات الجنوب.
وذكر أنه لو كان نظام صنعاء حريصًا على الوحدة لعامل شعب الجنوب أسوة بالشمال في الحقوق والواجبات، ولكن الذي حدث خلاف ذلك، فشعر أبناء الجنوب بالتهميش والظلم والإقصاء والحرمان، وعلى ذلك بدء أبناء الجنوب بمقارعة نظام الشمال منذ 1994 مباشرةً.
وتابع أن النظام تعامل بالقوة والبطش لكل من وقف في وجهه من أهل الجنوب ووصفهم بالانفصاليين وأودعهم السجون، ولم يكتف النظام بذلك بل اغتال كوادر وقيادات الجنوب، ومنذ عام 2007 خرج الحراك الجنوبي إلى العلن بعد النضال السري لسنوات وأقام 15 مليونية كانت آخرها يوم 4 مايو 2017.
وأشار إلى أن آخر مليونية كانت فرصة تاريخية تعبر عن مطلب شعب الجنوب بإيجاد قيادة موحدة؛ تمثل شعب الجنوب وتتحدث وتفاوض باسمه في المحافل الداخلية والخارجية، والذي فقده لسنوات، لافتاً إلى أنه كلما كان يطالب شعب الجنوب بحقوقه ويدعو للتفاوض، كانت تقابل مثل هذه الدعوات بالرفض؛ بدعوى عدم وجود قيادة موحدة تمثل شعب الجنوب.
واستطرد أن شعب الجنوب وقف مع مصر في حرب 1973 ومنع ناقلات البترول من المرور إلى الكيان الصهيوني؛ حتى تم النصر.
وبسؤال الدكتور أحمد قاسم حول ما إذا كان المجلس الانتقالي يتنافى مع الشرعية، أجاب بالنفي، مدللًا على ذلك بوجود مجموعة من العناصر والقيادات في المجلس الانتقالي تابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي وعلى رأسهم المحافظون، مؤكداً أن عضويتهم في المجلس الانتقالي لا تتعارض مع وجودهم في الحكومة الشرعية التابعة للرئيس هادي.
وكما أن الحكومة الشرعية شريك أساسي في عاصفة الحزم، فالمجلس الانتقالي أيضاً شريك في عاصفة الحزم، وفى شرعية الرئيس هادي في قتال قوات الحوثي وصالح منذ اليوم الأول لإعلان الحرب وأثبت ذلك جدارته في الميدان وقدمت كثيرا من التضحيات في تحرير باب المندب وتأمين المجرى الملاحي الدولي وتحرير منطقة المخا والقتال في المخا والمواصلة نحو الحديدة وصعدة وتعز.
وبشأن وصف البعض للمجلس بالباطل، وإنه سيجر اليمن إلى صدام سياسي وعسكري، استبعد قاسم الأمر، مؤكدًا أن شعب الجنوب لديه وعي على الرغم من وجود جماعات مسلحة مدعومة من شرعية الرئيس هادي مثل علي محسن صالح الأحمر وميليشياته والذين لم يحركوا ساكنًا منذ سنتين من الحرب ولم يحرروا منطقة واحدة.
وأكّد أن هذه الميليشيات منضمة شكليًّا لشرعية الرئيس هادي وفى الحقيقة هي ضمن قوات الحوثي وصالح، وإن كانت معظم القوة العسكرية في الجنوب ولاؤها للنظام السياسي وقضية الشعب الجنوبي الذي عانى الويلات على مدار سنوات ويتطلع إلى الحصول على حقوقه وتقرير مصيره.
وأردف أن وجود خصوم للمجلس الانتقالي شيء طبيعي، و95 في اليمن من شعب الجنوب يؤيدون هذا المجلس، وهو في شراكة مع دول التحالف حتى إنجازه مهمته وعلى طريق تحقيق مصير شعب الجنوب.
وأشار إلى أن هذه الهجمة على شعب الجنوب ليست وليدة اللحظة وإنما كانت منذ اليوم الأول للوحدة، وتكاتفت هذه القوى ضد الجنوب في حرب 1994.
وعن ثروات الجنوب قال السياسي اليمني إنها تقدر ب 90 % من ثروات اليمن، وكانت مطمعًا للشمال منذ الوحدة، مؤكدًا أنّ القوات المسلحة للجنوب لن تسمح باجتياح جديد للجنوب كما حدث في عام 1994 وفى مارس 2015.
وبسؤال العميد مجري عن توقيت إعلان المجلس الانتقالي، أجاب العميد بأن هناك التفافا شعبيا حول المجلس والغالبية العظمي من الجنوبيين يعرفون قضيتهم، وماذا يريدون، ولن ينشغلوا بقضايا فرعية ولن يتقاتلوا فيما بينهم، وإن كان متوقعا أن يحدث تخريب وبعض العنف لشغل الجنوبيين عن قضيتهم.
وأوضح أن رئيس المجلس الانتقالي اللواء عيدروس الزبيدي صرح قبل تقديم استقالته بأنه سيناضل من أجل قضية الجنوب سواء كان في السلطة أم لا. منوهًا أن شعب الجنوب يعتبر الزبيدي قائداً "جاء من رحم المقاومة وفوهة المدفعية ولا يملك شيئا إلا رصيده النضالي وعلى ذلك فشعب الجنوب ملتف حوله من المهرة إلى باب المندب " على حد تعبيره.
دور إيران
وحول دور إيران في قضية الجنوب، قال العميد عمر مجري إن هذا ما يردده الإعلام المغرض، ونحن لم نرتبط بإيران في الماضي ولن نرتبط بها في الحاضر ولا المستقبل، وأنا أتكلم باسم الحراك الجنوبي والجنوبيين في هذا المكان وأؤكد لك أن هذا محض هراء وكذب وتزوير، ونحن متعشمون في الإمارات أرض زايد الخير وقيادتها، ومصر أرض الكنانة وقيادتها، والخليجيين عامةً، ولا نضع أيدينا في يد إيران أو إرهاب".
وتابع أن إيران تبنىي حزب الله في صنعاء ومرتبطة بالحوثيين وعلى عبد الله صالح، وهو حارب الحوثيين ستة حروب من أجل استنزاف السعودية والولايات المتحدة وكان يرسل شحنات الأسلحة للحوثيين؛ لمد أمد الصراع من أجل مصلحته فهو بيزنس في المقام الأول.
وعن حقيقة الوضع العسكري في الجنوب ووجود التنظيمات الإرهابية فيها، قال الخبير العسكري إن جميع المناطق الجنوبية لا يمكن لقوات الحوثي وصالح أن تدخلها، فهناك تأمين قوي وممتاز من قوات الجنوبيين برغم أن الإمكانيات صعبة وشحيحة خاصة في حضرموت ولحج وشبوة وأبين وعدن والضالع، لكن الإرهاب يمكن زرعه في أي مكان ونحن لا نستبعد أي شيء، فهو سلاح يستخدم لزعزعة الاستقرار والأمن ونشر الفوضى.
ورغم مرور عامين على المعارك في اليمن إلا أنه لا يوجد حسم عسكري حتى الآن، وقال مجري إن الحسم العسكري في الجنوب يرجع لإيمان الجنوبيين بالهدف من القتال وهو الأرض. فكان الانتصار سريعاً رغم قلة الموارد ووجود دعم جوي من التحالف العربي.
أما في الشمال فالأمر يختلف فالقتال بدون عقيدة، ومشتت بين قوات صالح والحوثيين وعلى محسن الأحمر. وليس هناك هدف للقتال، فلو توحد الشماليون من أجل القضاء على الحوثيين وقوات صالح لنجحوا في ستة أشهر؛ لأن الدعم المقدم إليهم من التحالف العربي هائل من أسلحة حديثة وأموال طائلة.
وعن جدوى هذا الدعم، أشار إلى أن الأسلحة وصلت ليد الحوثيين والأموال أهدرت، فالوضع مخلخل رغم أن هناك مجاميع شمالية تقاتل بإخلاص بسبب الفظائع التي حدثت لهم في تعز من قتل للأطفال والنساء والعجزة واقتحام البيوت. وحيث وجدت الدولة والنظام وجد العدل.
وذكر أن الجنوبيين لا يستطيعون الوحدة مع الشمال؛ لأن الجنوبيين اعتادوا على النظام وقانون الدولة وعلى العكس من هذا فالفوضى يتسم بها الشمال.
ورداً على سؤال حول إحكام إيران سيطرتها على صنعاء، لفت مجرى إلى أن الحوثيين لديهم خبراء عسكريون وتدربوا في إيران ولبنان ولديهم الإمكانيات التي تمكنهم من السيطرة على مفاصل السلطة. فعلي عبد الله صالح سمح لهم بالدخول إلى صنعاء ولم يكن يعتقد أنهم سيصلون إلى هذا الحد.
وذكر أن على عبد الله صالح مازال يملك جيش قوي؛ لأنه أسسه على أساس عائلي. منوهاً أنه مازال يملك سلاح قوي وإمكانيات.
وبشأن ما تردد حول وجود خلافات في الأيام الأخيرة بين صالح والحوثيين قال الخبير العسكري إنه لا يتوقع أن يكون عبد الله صالح لقمة سائغة للحوثيين لأنه لديه خبرة كبيرة، كما أنه لا يتوقع أن يترك الحوثيون صالح ينفرد بالسلطة.
فالأمر الآن بيد التحالف العربي أن يحاصر صنعاء ويدخل الحديدة وينهي الأمر ثم يتم الحديث حول الأمور الآخرى، أما القتال من بعيد وعدم المغامرة فسيطيل أمر الصراع وسيكون الحسم صعباً.
وبالإجابة عن سؤال لماذا لم يأخذ التحالف هذه الخطوة، قال إن التحالف يخشى من أن يكون الحسم العسكري على حساب أرواح المدنيين، فالاستراتيجية التي يتبعها التحالف تعتمد على النفس الطويل أو الحصار وتوجيه ضربات جوية والتقدم ببطيء.
وتابع أنه بالاستيلاء على ميناء الحديدة يعتقد أن الحل السياسي سيكون قريبا؛ لأنه سيقضي على الإمدادات والتهريب.
وبشأن تفشي الأمراض والجوع في اليمن صنعاء، ذكر مجري أن الحروب بين الجيوش النظامية تنتهي بإعلان الهزيمة، لكن التحالف يقاتل ميليشيات ليس لها ذمة ولا دين، فميلشيا الحوثي تقتل المدنيين وتخفي أعداد قتلاها عن أسرهم معللين ذلك بأنهم في الجبهة، فهذه الميليشيا لا تهتم بالإنسانية ولا الشرف.
ومذى قائلا: "لو كان للإنسان قيمة عند الحوثيين لفتحوا مدينة صنعاء للأمم المتحدة؛ لكي توقف وباء الكوليرا الذي بدأ يتفشي".
وتابع أن الحوثيين يجندون الأطفال والطلبة قسراً، فهذه الميلشيا ليس لها هدف سوى المال ونهب الثروات.
وأكد أنه ليس هناك تواجد للدولة في الشمال فحزب المؤتمر الشعبي العام هو حزب مصالح ومال، وحزب الإصلاح يعمل لمشروعه الخاص. ولو فكروا في وضع شعبهم؛ لحققوا انتصارات وبنوا الدولة.
دعم إقليمي
وردًا على مزاعم البعض بشأن وجود قوى إقليمية تقف وراء المجلس الانتقالي، قال الدكتور أحمد قاسم إنه في حقيقة الأمر لا توجد قوى إقليمية تقف وراء المجلس، وفى نفس الوقت إعلان المجلس الانتقالي لم يأت من فراغ أو بشكل عفوي أو في ظرف غير مناسب.
وأوضح أنه حدث تشاور وتنسيق مسبق مع بعض القوى الداخلية والدول الخارجية، والزبيدي دعا إلى تشكيل مجلس سياسي يمثل الجنوب منذ ستة أشهر وجرت المفاوضات قبل هذا إلى أن جاء الوقت المناسب لإعلان هذا المجلس بتأييد من شعب الجنوب.
وأكد أن هناك دعما إماراتيا وقبولا سعوديا لهذا المجلس بدليل أنه بعد تشكيل هذا المجلس بعدة أيام تم زيارة رئيس المجلس السياسي ونائبه وبعض أعضاء المجلس الانتقالي إلى السعودية ثم إلى الإمارات. وهذا يدل على أن بعض القوى الإقليمية بدأت تتعاطي مع المجلس الانتقالي.
ودعا قاسم بقية الدول إلى التعاون مع هذا المجلس من منطلق أنه يمثل شعب الجنوب في أي تسوية سياسية تخصه.
ونوه إلى التعتيم الإعلامي الذي يلف قضية شعب الجنوب، قائلا: "قمنا بـ 15 مليونية ولم تغطها أي قناة أو وكالة إعلام وندعو مختلف وسائل الإعلام لتغطية هذا الحدث المهم في تاريخ شعب الجنوب الذي ناضل لمدة 23 سنة ".
تنظيم القاعدة
وأشار "قاسم" إلى أن الأمر يصور على أن الحراك الجنوبي هو تحرك لتنظيم القاعدة، رغم أن نظام صنعاء هو من دعم القاعدة.
وقال العميد عمر المجري إن مقومات الدولة موجودة في جنوب اليمن، وخلال سنة ستكون الدولة قد شيدت، مشيراً إلى أن الجنوب يمتلك القوانين والأسس وكل ما تحتاجه الدولة.