في دورته الـ 70.. مهرجان «كان» يبدأ فعالياته الليلة وسط هيمنة سياسية

مهرجان كان

تحت إجراءات أمن لم يسبق لها مثيل تخوفا من عمليات إرهابية، يفتتح مهرجان كان السينمائي دورته الـ 70 اليوم بعرض فيلم خارج المسابقة الرسمية، وهو «أشباح اسماعيل» من إخراج الفرنسي أرنو دبلشان، ومن بطولة ماريون كوتيار وماثيو أمالريك وشارلوت جينزبيرج.

 

ويحكي الفيلم قصة مخرج تنقلب حياته رأسا على عقب عندما تعود حبيته إليه، بينما كان يحضر لصنع فيلم جديد.

ويعرض المهرجان 49 فيلما من 29 دولة خلال فعالياته التي تستمر 11 يوما في زواياه المختلفة: المسابقة الرسمية، ومسابقة نظرة ما، خارج المسابقة وعروض خاصة وعروض منتصف الليل.

 

المسابقة الرسمية

 

المسابقة الرسمية، التي يترأس لجنة تحكيمها المخرج الإسباني العريق بيدرو المودوفار، تضم ثمانية عشر فيلما تتنافس على السعفة الذهبية. وكالعادة حصة الأسد في قائمة المتنافسين ذهبت لأفلام زبائن المهرجان على غرار مايكل هانيكه المتوج بسعفتين ذهبيتين عن فيلميه الأخيرين «الشريط الأبيض» و «حب»، والذي يحضر بـ «نهاية سعيدة» من بطولة إيزابيل أوبير. المخرج اليوناني يورجوس لانتيموس، الذي بهر المهرجان قبل عامين بـ «سرطان البحر» غريب الأطوار، يقدم فيلما ليس أقل غرابة، وهو «مقتل غزال مقدس»، من بطولة كولين فاريل ونيكول كيدمان.

كيدمان وفاريل يقومان أيضا ببطولة فيلم المخرجة صوفيا كوبولا «المغشوش»، وهو إعادة تقديم لفيلم من انتاج 1971 من بطولة كلينت ايستوود. وكانت شاركت كابولا بالمسـابقة الرسـمية عام 2016 بـ»مـاري انطـوانيت».

ويعود المخرج الألماني من أصل تركي، فاتح أكين، بـ»في الذبول»، من بطولة النجمة الألمانية ديان كروغر، التي تمثل في فيلم محلي لأول مرة في سيرتها المهنية. أما المخرج الكوري الجنوبي «بونغ جون فيطرح «أوكجا» من بطولة جاك جيلينهول وتيلدا سوينتون. ويشارك في المنافسة أيضا ابن بلده هانغ سانغ سو بـ «اليوم التالي».

الروسي أندري زيجنتسيف فائز «الغولدن غلوب» قبل ثلاثة أعوام عن «حوت» يقدم «بلا حب»، بينما يشارك للمرة الثالثة في المنافسة الفرنسي فرانسوا أوزون بـ»الحب المزدوج». أما المخرجة اليابانية المألوفة لرواد المهرجان وهي ناعومي كاواسي فتعود بـ»إشعاع».

المخرج الأمريكي تود هينز، الذي شارك في المنافسة بـ»كارول» قبل عامين، يعود بـ»واندرستراك»، بينما يقدم الفرنسي ميشيل هازانافيكيوس، الحائز على الأوسكار عن «الفنان» والذي شارك بـ «البحث» قبل عامين، فيطرح «المروع»، الذي يدور حول فترة من سيرة المخرج العريق جان لوك جودار.

هناك أيضا أفلام من بريطانيا والمجر وأوكرانيا، ولكن غابت الأفلام الإيطالية والصينية والأفريقية والعربية من المنافسة الرسمية. ويذكر أن فيلما عربيا واحدا فقط وهو الجزائري «وقائع سنين الجمر» من المخرج محمد الأخضر حمينة فاز بالسعفة الذهبية عام 1975. كما فاز بالجائزة القيمة المخرج التونسي عبداللطيف كشيش عن فيلمه «حياة أديل» قبل 4 أعوام.

 

مسابقة نظرة ما

 

الأفلام العربية كانت أكثر حظا في مسابقة نظرة ما، إذ أن فيلمين وهما «على كف عفريت» للتونسية كوثر بن هنية و»طبيعة الوقت» للمخرج الجزائري كريم موساوي. وكانت بن هنية أخرجت فيلمين مثيرين للجدل وهما «زينب تكره الثلج» و»شلاط تونس»، بينما «طبيعة الوقت» هو فيلم موساوي الطويل الأول.

وينضم إليهما 14 فيلما من دول عدة، ومن ضمنها: «رواسب» للإيراني محمد رسولوف، و»محظوظ» للإيطالي سيرجيو كاستيليتو، و»الورشة» للفرنسي لوران كانتيه و»قبل الاختفاء» من الياباني كيوشي كوروساوا. أما فيلم الافتتاح فهو «باربارا» من المخرج والممثل الفرنسي ماثوي اوماليك.

رغم أن مسابقة نظرة ما تركز على أفلام فنية بحتة وابداعية مصنوعة بميزانيات ضئيلة وقلما يشارك فيها نجوم بارزون إلا أنها تستقطب اهتمام رواد المهرجان والنقاد السينمائيين. يذكر أن فيلم المخرج المصري محمد دياب «اشتباك» افتتح المسابقة العام الماضي وكان فاز بحائزة تحكيمها عام 2013 الفيلم الفلسطيني «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد.

 

أفلام هوليوود

 

ما يميز مهرجان كان هذا العام هو غياب أفلام استوديوهات هوليوود الضخمة، التي كانت تعرض خارج المسابقات، وهذا ربما يعكس انحراف هوليوود تجاه الأفلام التجارية البحتة الخالية من القيم السينمائية الفنية، التي يركز عليها هذا المهرجان العريق، الذي عبأ الفراغ الهوليووي في المسابقة الرسمية بأفلام شركات الانترنت «أمازون» و»نيتفلكس».

 

فيلم شركة أمازون «واندرستراك» لهينز وفيلما «نيتفليكس» وهما «روايات مايروفيتس» للمخرج نوه باومباخ من بطولة ادام ساندلار و «اوكجا» لبونج جون- هو سوف يشاركان في المنافسة على السعفة الذهبية.

خلافا لـ «أمازون»، التي تلتزم بعرض أفلامها في دور السينما لمدة 90 يوما قبل طرحها على منصتها الألكترونية، تصر «نيتفليكس» على طرح أفلامها على منصتها الألكترونية تزامنا مع عرضها في دور السينما، مما يثير عداء أصحاب دور السينما. وقدم اتحاد أصحاب دور السينما في فرنسا احتجاجا لمهرجان كان، وطالبوه بسحب أفلام شركة الانترنت من قائمة المسابقة الرسمية.

من المفارقات أن المهرجان رفض في الماضي قبول أفلام من انتاج شركة «نيتفلكس»، ولكنه وافق هذا العام على إدراج الفيلمين المذكورين أعلاه، لأن الشركة تعهدت بعرضهما في دور السينما.

وردا على الضغط، الذي تعرض له، صرح المهرجان قبل أيام بأنه لن يقبل في المستقبل أفلاما إلا بعد الحصول على تعهد من منتجيها بعرضها للجمهور الفرنسي في دور السينما الفرنسية. وهذا ما حث «نيتفليكس» على البحث عن حل يمكنها من عرض أفلامها في دور السينما وشبكتها الالكترونية من خلال إبرام اتفاق مع شبكة دور سينما فرنسية غير ملتزمة بنافذة الـ 90 يوما.

هذه ليست المرة الأولى، التي يحتج فيها أصحاب دور السينما على ادراج فيلم في المسابقة الرسمية. ففي عام 2013، رضخ المهرجان لمطلبهم بسحب الفيلم التلفزيوني «كارلوس» من المسابقة لأنه لم يعرض في دور السينما.

 

ولكن يبدو أن التغيرات في عالم صنع الأفلام تفرض واقعا جديدا لا يمكن للمهرجان أن يتجاهلها، وذلك لأن أهم مخرجي السينما صاروا يتجهون إلى شركات التلفزيون والانترنت، التي تمنحهم الحرية الكاملة في تحقيق رؤيتهم الفنية والمجازفة في الابداع.

 

فالسينما انتقلت من الشاشة الكبيرة إلى الشاشة الصغيرة. وهذا ينعكس في ادراج المهرجان في فعالياته عرض مسلسلات تلفزيونية في برامجه للمرة الأولى هذه العام وهما مسلسل المخرجة الأسترالية جين كامبيون «فتاة صينية» ومسلسل دافيد لينتش «توين بيكس».

 

أفلام الواقع الافتراضي

 

فضلا عن الأعمال التلفزيونية، يدرج المهرجان العريق فيلما قصيرا تم انتاجه بتقنية الواقع الافتراضي من إخراج المخرج المكسيكي الحائز على جائزة الأوسكار اليخاندرو انريتو غونزاليس وتصوير المصور السينمائي الحائز على الأوسكار ايمانويل ليبسكي.

غونزاليس معروف بالإبداع السينمائي وبدفع التكنولوجيا البصرية إلى الحد الأقصى وبتحديه للطبيعة، كما فعل في «الطائر»، حيث صور الفيلم بأكمله بلقطة واحدة وصور «العائد» باستخدام الضوء الطبيعي في ظروف صعبة، رغم توفر الضوء ليس أكثر من ساعة كل يوم. فليس غريبا أنه وشريكه ليبسكي قاما بهذه التجربة السينمائية، ولا بد أنها سوف تثير اهتمام رواد المهرجان.

غونزاليس يطرح في هذا الفيلم تجربة المهاجرين الجنوب الأمريكيين في طريقهم إلى الوصول إلى الولايات المتحدة والتحديات والمخاطر التي يمرون بها. واستخدم هذه التكنولوجيا الحديثة لكي يعزز من تعاطف وتماهي المشاهد مع شخصية الفيلم لأنها تنقله وعيا إلى الأماكن الحقيقية وتمكنه من مشاهدة كل ما يدور حوله هناك بـ 360 درجة.

أفلام الواقع الإفتراضي لا تعرض في دور سينما وإنما تتم مشاهدتها من خلال استخدام نظارات وسماعات خاصة تفصل المتلقي عن واقعه وتنقله إلى واقع افتراضي آخر لوحده.

 

ولكن لم يثر وجودها في المهرجان أي احتجاج، وذلك ربما لأنها ليست منتشرة بعد ولا تشكل خطرا على تجارة العرض السينمائي. مع ذلك، هذه التطورات تشير إلى أن صناعة وعرض الأفلام في حالة تطور، تطور ربما يسفر في النهاية عن انقراض دور عرض السينما.

 

«كانّ» والسياسة

 

موضوع اللاجئين كان أيضا محور فيلم النجمة والناشطة البريطانية فانيسا ريدغريف وهو «حزن بحر»، الذي يطرح خارج المسابقة الرسمية إلى جانب فيلم نائب الرئيس الأمريكي السابق آل غور، وهو «التتمة غير المريحة» وهو جزء جديد لفيلمه السابق «حقيقة غير مريحة» يعود فيه ليحذر من عواقب استخدام الوقود الاحفوري كمصدر طاقة على البيئة.

مهرجان كانّ يفتخر بادراج أفلام سياسية واجتماعية في برامجه وخاصة في المسابقة الرسمية. فيلم المخرج الهنغاري كورنيل موندروسو «قمر زحل» يخوض في أزمة اللاجئين في بلده، بينما يسلط روبين كامبيلو الضوء على آفة الايدز في فيلمه «120 نبضة في الدقيقة»، ويعرض جون-هو استغلالنا للحيوانات في «اوكجا» وتكشف الأسكتلندية لين رمزي عن عصابة مهربي جنس في «انت لم تكن فعلا هنا».

المهرجان نفسه يكون عادة عرضة للانتقادات والجدل ويحاول كل عام تعديل أخطائه. فعلى سبيل المثال، منذ أن واجه اتهامات بتجاهل أفلام النساء، دأب في الأعوام الأخيرة على إدراج أفلام من اخراج نساء – 3 منها تشارك هذا العام وهي أفلام المخرجات كوبولا، رمزي وكاواسي. كما أنه قلص عدد الأفلام الفرنسية المشاركة في المنافسة الرسمية هذا العام لاثنين بعد أن هيمنت عليها العام الماضي.

بلا شك إن عيد ميلاد مهرجان كانّ الـ 70 يأتي في زمن تشهد فيه صناعة الأفلام مرحلة تطور مهمة قد تغير مفهومنا عن السينما وسبل استهلاكها في المستقبل القريب. وبلا شك أن هذه التطورات سوف تكون محور النقاشات والتساؤلات في هذه الدورة، وربما تطغى على المواضيع التي تثيرها الأفلام المشاركة.

مقالات متعلقة