كثفت بنوك مصرية اقتراضها من المؤسسات الدولية مؤخراً، لتعزيز السيولة الدولارية، رغم عودة تدفق العملة الصعبة إلى البلاد منذ تحرير سعر صرف الجنيه، أمام سلة العملات الأجنبية قبل أكثر من ست أشهر.
وتعاني مصر من نقص في مواردها من العملة الصعبة، وسط تراجع إيرادات السياحة وقناة السويس (المجرى الملاحي العالمي)، وتحويلات المصريين في الخارج، والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وقال محللون وخبراء مصرفيون، في أحاديث مع "الأناضول"، إن البنوك المحلية تلجأ عادة للأسواق الخارجية لتدبير العملة الصعبة لندرتها داخل البلاد، مشيرين إلى أن التمويلات الخارجية تعد أحد المصادر غير المكلفة للبنوك، بجانب طول مدتها التي قد تتخطى 15 عاماً.
ووقع بنك مصر، ثاني أكبر بنك حكومي في البلاد، في 15 مايو الجاري، اتفاقاً لاقتراض 500 مليون دولار مع بنك التنمية الصيني، لمدة ثماني سنوات.
وقال نائب رئيس بنك مصر، عاكف المغربي، في تصريحات صحفية، إن التمويل سيجري استخدامه لتمويل المشروعات التي يساهم فيها شركات صينية بمصر، منها الطاقة والمعدات والإنشاءات والبنية التحتية وغيرها.
ويسعى البنك - بحسب نائبه - لجمع مليار دولار أخرى خلال الفترة المقبلة من الأسواق الخارجية، ويفاضل بين 3 أدوات لتحقيق ذلك، وتضم هذه الأدوات، أما طرح سندات دولية، أو الحصول على قروض مشتركة من مؤسسات دولية، أو عبر التوريق.
في السياق ذاته، يدرس البنك الأهلي المصري، أكبر بنك حكومي في البلاد، طرح سندات دولية بقيمة 600 مليون دولار خلال العام الجاري، بعدما حصل على قرض بقيمة 300 مليون دولار من الأفريقي للتصدير والاستيراد لتمويل المشروعات التنموية.
وأكد يحيى أبو الفتوح، نائب رئيس البنك في مارس الماضي، أن مصرفه يتفاوض بشكل مستمر مع جهات، ومؤسسات التمويل الدولية، للحصول على قروض خارجية لتعزيز سيولته الدولارية.
عملة صعبة
وقال أحمد سليم، الخبير المصرفي، إن "البنوك المحلية تلجأ عادة للأسواق الخارجية لتدبير العملة الصعبة، لندرة العملات الحرة داخل البلاد لاسيما مع تأثر العديد من القطاعات".
وأضاف سليم: "ليس هناك ما يمنع البنوك من التوجه للخارج للحصول على الدولار، هذا التوجه جيد شريطة أن يتمكن البنك من تشغيل أمواله بشكل جيد وصحيح".
وشدد سليم على "ضرورة استخدام تلك القروض في الاستثمار، خاصة الذي يدر عائدا بالعملات الأجنبية حتى لا يقع البنك في مأزق تدبير العملة عند الاستحقاق، أي لا يستخدمها في تمويل استيراد سلع استهلاكية".
وارتفعت مديونية القطاع المصرفي المصري بنحو 55.6% خلال عام واحد فقط لتسجل نحو 4.2 مليار دولار في نهاية 2016، مقابل 2.7 مليار دولار بنهاية عام 2015.
ولم يقتصر اللجوء للمؤسسات الدولية لتعزيز السيولة الدولارية مقصورا على البنوك الحكومية فقط، حيث وقع بنك الإمارات دبي الوطني – مصر (أحد البنوك الخاصة الكبرى في مصر) في فبراير 2017، اتفاقا مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية للحصول على قرض بقيمة 125 مليون دولار لتعزيز رأس ماله ودعم استراتيجيته بالسوق.
وتوقع الخبير المصرفي، أن "تتجه بنوك أخرى في مصر للسوق الخارجية خلال الفترة المقبلة، لندرة العملات الحرة داخل البلاد وقد يكون أيضاً لتمويل استثمار أجنبي ذي عوائد دولارية".
تمويلات خارجية
من جانبه، قال حسام راجح، الخبير المصرفي (مصري)، إن " التمويلات الخارجية تعد أحد مصادر العملة غير المكلفة للبنوك، بجانب طول مدتها التي قد تتخطى الـ 15 عاما وهو ما يسمح للبنوك بمنح تمويلات دولارية بآجال طويلة".
وتوقع راجح أن تشهد الفترة المقبلة إطلاق العديد من المشروعات العملاقة وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة وتنمية محور قناة السويس، وهي تتطلب تمويلات دولارية بجانب التمويلات المحلية، ما يستلزم استعداد البنوك المحلية لها".
وأوضح أن "نسبة كبيرة من ودائع العملاء في مصر بالعملات الأجنبية قصيرة الأجل، وهو ما يعيق البنوك عن ضخ تمويلات طويلة الأجل".
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة توسعا من جانب البنوك المصرية في استخدام آلية السندات الدولية، للحصول على الدولار، لا سيما بعد نجاح مصر في طرح سندات بقيمة 4 مليارات دولار في مطلع العام الجاري.
ونجحت مصر في يناير 2017، في جمع 4 مليارات دولار من الأسواق الدولية، من خلال سندات دولارية طرحتها الحكومة في بورصة لوكسمبرج.
ويرى مراقبون أن توقف البنك المركزي المصري عن طرح العطاءات الدولارية، بالتزامن مع تعويم الجنيه، أحد الأسباب الدافعة للبنوك المصرية لمواصلة الاعتماد جزئيا على الخارج في تدبير العملة الصعبة.
ومطلع أبريل 2017، قالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني إن انخفاض الجنيه أمام الدولار سيكون له آثار محدودة على القطاع المصرفي.
وارتفع الدين الخارجي في مصر ليصل إلى 67.3 مليار دولار في نهاية 2016، مقابل 47.7 مليار دولار في 2015، وفقا للبنك المركزي المصري.