رغم مضي أكثر من عامين على إعلان اكتمال العمليات العسكرية في محافظة ديالى شرقي العراق بطرد تنظيم "داعش"، إلا أن القوات الأمنية تواجه منذ أشهر تحديا جديدا يتمثل في "خلايا داعش النائمة"، والتي تتصاعد وتيرة هجماتها على قوات الأمن والمدنيين.
وهذه الخلايا عبارة عن منتمين للتنظيم بشكل سري، ويعملون على شن هجمات خاطفة، سواء عمليات اغتيال أو هجمات بسيارات مفخخة أو عبوات ناسفة ضد أهداف عسكرية وأخرى مدنية.
وفي ديالي، وعاصمتها مدينة بعقوبة على بعد 60 كم شرق العاصمة بغداد، تكررت في الأسابيع القليلة الماضية هجمات لـ"خلايا نائمة"، خصوصا في شمال شرقي المحافظة، انطلاقا من مناطق زراعية شاسعة، التي يصعب على القوات العراقية مراقبتها على الدوام.
** استراتيجية التخفي
ووفق "رافد الطائي"، وهو نقيب في الجيش العراقي شمال شرقي ديالى، فإن "مناطق شمال شرق بعقوبة واسعة، وتضم عشرات القرى ومساحات زراعية شاسعة، ولا يمكن لقوات الجيش والشرطة السيطرة المطلقة على تحركات الخلايا النائمة فيها".
"الطائي" أوضح أن "تنظيم داعش الإرهابي خسر معركته المباشرة ضد الجيش في المحافظة، واعتمد سريعا على استراتيجية التخفي والعمل سرا لإرباك الوضع الأمني، وهذا ما حصل في بعض المناطق، حيث هاجم عناصر التنظيم مواقع للحشد الشعبي (قوات شيعية موالية للحكومة)، وأخرى للحشد العشائري (قوات سنية موالية للحكومة)، والقوات الأمنية".
وأردف قائلا إن "التنظيم الإرهابي لم يعد بمقدروه السيطرة على أي منطقة صغيرة في ديالي، لكنه في الوقت نفسه قادر على شن هجمات مباغتة تخلف قتلى وجرحى بين القوات الأمنية والمدنيين".
** قوات قليلة
وتحاول قوات الجيش والشرطة في ديالى منع تسلل عناصر "داعش" من المناطق المتاخمة لمحافظتي صلاح الدين وكركوك، خصوصا المنطقة الممتدة بموازاة سلسلة جبال حمرين وناحية العظيم.
وقال حبيب الشمري، وهو ضابط برتبة نقيب في الشرطة، للأناضول، إن "تصاعد وتيرة هجمات عناصر داعش خلال الأيام القليلة الماضية دفع القيادة العسكرية إلى تنفيذ عمليات عسكرية واسعة في مناطق شمال شرقي ديالي، للقضاء على خلايا داعش والمساندين لهم، لكن هناك مشكلة تواجه القوات الأمنية تتعلق بقلة تعاون المدنيين في الإبلاغ عن هذه العناصر".
الشمري أضاف أن "نقص عدد القوات، لاسيما قوات الجيش التي أرسل قسم منها خارج المحافظة للمشاركة في العمليات العسكرية سواء في (مدينة) الموصل (شمال) أو صلاح الدين، مكن الخلايا النائمة لداعش من التحرك بحرية أكبر وتنفيذ هجمات تستهدف القوات الأمنية دون التعرف على هوياتهم".
وأوضح الضابط العراقي أن "بعض هجمات الخلايا النائمة تستهدف تعطيل المشاريع المهمة في المحافظة، ومنها أبراج نقل الطاقة الكهربائية الواصلة من إيران، بغرض إرباك الوضع وإثبات أن داعش لا يزال موجودا في المحافظة"، الواقعة على الحدود مع إيران، ويقطنها خليط من العرب السنة والشيعة والكرد.
** تهديد كبير
وسيطر "داعش"، صيف 2014، على مناطق واسعة في ديالى، ونفذت قوات من الجيش العراقي، مدعومة بالتحالف الدولي، عمليات عسكرية تمكنت خلالها من تحرير جميع المناطق، قبل نهاية 2015.
وبحسب المقدم المتقاعد في الجيش العراقي، جاسم العبيدي، فإنه رغم أن "القادة العسكريين يؤكدون أن داعش لايمكنه إعادة الأوضاع الأمنية في المحافظة إلى ما كانت عليه قبل عامين، لكنه لا يزال يشكل تهديدا كبيرا على أمن المحافظة، ولم تتمكن الخطط التي وضعت على مدار الأشهر الماضية من إيقاف نشاط الخلايا النائمة".
وتابع العبيدي، في حديث مع الأناضول، قائلا إن "داعش لا يسيطر على مناطق في ديالى، لكنه متواجد في تلك المناطق ويخطط وينفذ هجماته، وهذا هو التحدي الأكبر أمام القوات الأمنية".
واعتبر أن "ما يزيد من التحديات هو أن محافظة ديالي تمثل ممرا بين العاصمة ومحافظات الشمال، التي لا تزال أجزاء منها تحت سيطرة داعش، كقضاء الحويجة (تابع لمحافظة كركوك) وأطراف مناطق شرق محافظة صلاح الدين".
وتقول الحكومة العراقية إنها ستتجه إلى تحرير قضاء الحويجة ومناطق أخرى في البلاد، بعد اكتمال عملية تحرير الموصل، مركز محافظة نينوى، التي استعادت القوات العراقية معظمها، ضمن حملة عسكرية بدأت في 17 أكتوبر الماضي.
لكن استعادة الأراضي من "داعش" سيفتح الباب، فيما يبدو، أمام تحد جديد، يتمثل في حرب "الخلايا النائمة"، على غرار ما يحدث في مناطق شمال شرقي ديالى، وهو الأسلوب نفسه، الذي كان يتبعه "داعش" قبل أن يجتاح شمال وغرب العراق، ويسيطر على مناطق واسعة قبل نحو ثلاثة أعوام.