اعتبر خبراء اقتصاديون أن تصريحات طارق عامر محافظ البنك المركزى حول انتهاء مشكلة النقد اﻷجنبى فى مصر بعد تعويم الجنيه وأن عام 2018 سيكون عام الطفرة الاقتصادية الذى سيشهد تراجع اﻷسعار على ما كانت عليه وهمية وتزييف للواقع.
وأكد الخبراء أن عامر يحاول بتلك التصريحات إقناع المواطن بأن التدهور الذي يعيشه الاقتصاد - منذ نوفمبر الماضي- لا يعكس فشلًا في إدارة الاقتصاد، وإنما سببه راجعا إلى إصلاح سياسات خاطئة يمحيها البرنامج اﻹصلاحي الذي تنتهجه الحكومة حاليا.
الظهور اﻷخير لـ"صاحب خزينة مصر" جاء محملا باﻷرقام التي توحي باستهلال النهضة الجديدة للاقتصاد في القطاعات المختلفة، حيث أكد انتهاء أزمة النقد الأجنبى بعد تعويم الجنيه ونجاح البنك المركزي في جذب 8 مليارات دولار، وجذب 45 مليار دولار خلال 6 أشهر، قائلا :"أزمة النقد الأجنبي انتهت بلا عودة، والأسعار ستعود كما كانت عليه في السابق مع حلول 2018".
وحول نسب الواردات، أكد "عامر" أنها انخفضت من 4.3 مليار دولار إلى 3.8 مليار دولار، مشيرا إلى أن الإنتاج المحلى أخذ فى الزيادة وأصبح جاذب للتصدير، مشيرا إلى أن إجراءات الإصلاح الاقتصادى الأخير إيجابية.
وأضاف محافظ البنك المركزى، أن نمو الناتج القومى فى مصر زاد عن العام الماضى بشكل ملحوظ، لافتا إلى أن هذا النمو كان على عكس توقعاتهم، وأنه لا يوجد أي قيود على تدفقات النقد الأجنبى.
ولفت طارق عامر، إلى أن البنك المركزى وفر 10 مليارات جنيه فى العام الماضى لدعم الفائدة والقروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأن إجمالى القروض التى حصلت عليها المشروعات الصغيرة والمتوسطة بلغت 100 مليار جنيه العام الماضى.
ولم تتفق نظرة الخبراء حول تصريحات طارق عامر عن النقد الأجنبي والعملة الأجنبية، والتي تضمنت أرقام، اعتبروها غير مطابقة للواقع.
استبعاد المواطن
ماهر هاشم، الخبير اﻻقتصادي، قال إن التصريحات التي أعلن عنها محافظ البنك المركزي طارق عامر، تمس المستثمرين بشكل أكبر، مستبعدا أن يكون المواطن محل استهداف منها، موضحا أن المواطن كل ما يعنيه هو اﻷسعار اليومية للسلع والمنتجات والخدمات، في حين أن الحكومة تضع في اﻻعتبار شعور المواطن بها في المستقبل. وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن حديث طارق عامر عن حل مشكلة النقد الأجنبى فى مصر يأتي وفقا لحسابات وأرقام تستند على استقرار سعر الدوﻻر في السوق، موضحا ان استقرار سعر الدوﻻر خاصة بعد التعويم يعد نجاحا لخطة تحرير سعر الصرف. ولفت إلى أن اﻹعلان عن خفض نسب الواردات يعد استدلاﻻً واضحا على انتهاج الصناعة المحلية الطريق الصحيح لرفع معدل الإنتاج وانتعاش السوق المحلي في مقابل اﻻستغناء عن الاستيراد الخارجي، والتي يشابهها حدوث انتعاش جديد لقطاع السياحة التي تم اﻹعلان عن ارتفاع نسبها 50% خلال شهري مارس وأبريل. وقال محافظ البنك المركزي، إن الاستثمار الأجنبى المباشر حقق أعلى معدلات له خلال العام الماضى وارتفعت معدﻻت السياحة 50٪ فى فبراير ومارس مقارنة بالأشهر الماضية.
وأوضح عامر أن مصر تلقت خلال الـ6 أشهر الماضية 8 مليارات دولار من 150 صندوقا استثماريا من أكبر الصناديق فى العالم، وأن تحويلات المصريين فى الخارج ارتفعت.
وبدوره، أكد الدكتور محمد فؤاد، عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، أن حديث طارق عامر عن تراجع الأسعار لا يمت للواقع بصلة ولا توجد أي مؤشرات تدل على انخفاض الأسعار، حيث إن معدلات التضخم خلال الستة أشهر الأخيرة في تزايد مستمر، حيث كانت نسبة التضخم في نوفمبر الماضي 20,2%، وتستمر في الارتفاع إلى أن وصلت في إبريل الماضي 32,9% وهو ما لا يبشر بجود انفراجه قريبا في الأسعار. وأكد "فؤاد"، في تصريحات له، أن الأزمة النقدية مازالت مستمرة، حيث إنه يتوجب علينا في 2018 سداد مدفوعات ودائع بقيمة 14 مليار دولار، وهو ما سيضغط علي الاحتياطي النقدي خلال العام القادم، كما أغفل عامر تابعيات الأثر التضخمي للبرنامج الاقتصادي، وما سوف يترتب علي زيادة سعر الطاقة من تضخم وزيادة أسعار، لذا ينبغي علي عامر توخي الحذر من تصدير صورة وهمية عن حقيقة الوضع الراهن للمواطن من أجل صناعة مجد زائف.
ومن جانبه، أكد خبير اﻻستثمار، الدكتور محمد الشوادفي، أن تعويم الجنيه كان ضرورة حتمية ﻻبد من تطبيقها، قائلا: ﻻيعقل أن يكون هناك سعرين في السوق للدوﻻر، في الوقت الذي تستهدف الدولة جذب استثمارات جديدة من الخارج، موضحا أن المستثمر دائما ما يسعى لوضع خطته اﻻستثمارية بناءً على السعر الحقيقي للعملة في السوق.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن نتائج اﻹجراءات الإصلاحية للاقتصاد من المتوقع أن تؤتي نتائجها المرجو على مدى عامين وذلك استنادا للأرقام الحالية، موضحا أن نسب التضخم مستهدف انخفاضها بصورة نسبية خلال الفترة المقبلة من 33% وحتى 15% عام 2019.
ولفت "الشوادفي" إلى أن الأرقام التي تم اﻹعلان عنها، الجميع يرى أنها غير واقعية في الوقت الراهن، مشيرا إلى أنها تستهدف المستقبل بشكل أكبر.
وأوضح خبير اﻻستثمار، أن هناك عدة عوامل تعرقل عملية دفع اﻻستثمار ويأتي في مقدمتها أجور العاملين في الدولة، والتي يتجاهلها الكثيرين، مشيرا إلى أن أعداد الموظفين في الدولة غير منطقي مقابل اﻻنتاج الموجود وحجم المشروعات القائمة، مما يعطي صورة سيئة للمستثمر عن وضع اﻻقتصادي المحلي. وأشار محافظ البنك المركزي، إلى أن تقرير صندوق النقد الدولى عن السياسة المالية فى الدولة والاستقرار المالى فى الدولة شهادة كبيرة، موضحا أن الإنفاق المالى بسبب عجز الموازنة تسبب فى زيادة الأسعار، مؤكدا أن الموازنة المصرية أصبحت تحت السيطرة، بشهادة صندوق النقد الدولى. تصريحات سليمة بسنت فهمي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، قالت إن تصريحات طارق عامر محافظ البنك المركزي، بشأن تجاوز أزمة النقد الأجنبي "سليمة" إﻻ أنه كان يجب توضيحها أكثر وتدعيمها بأسس وبراهين. وأضافت في تصريحات لها، أن هناك نوعان من الاستثمارات تنقسم إلى مباشرة، وغير مباشر متمثلة في البورصة، موضحة أن المبالغ الموجودة داخل هذه الاستثمارات لا يشعر بها المواطن العادي. وأعربت "فهمي" عن رفضها لقرار رفع سعر الفائد الآن، نظرًا لأن إصداره في هذا الوقت سيعقد الأمور بشكل أكبر ويرفع معدل الأسعار ونسبة العجز.
رؤية "عشم" وفي المقابل، انتقد الخبير المصرفي، كمال محجوب، توصيف إعلان محافظ البنك المركزي عن تلقي مصر 8 مليارات دولار من 150 صندوقا استثماريا من أكبر الصناديق فى العالم، واحتسابه إنجازا يذكر، موضحا أن تلك القيمة ليست رقما.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن إضافة تلك المبالغ ﻻ تحتسب ضمن عناصر تحسن اﻻقتصاد المصري، وخاصة أنها ﻻتساهم في إنشاء مشروعات استثمارية من شأنها المساهمة في زيادة اﻹحتياطي الأجنبي.
وأرجع "محجوب" زيادة الإحتياطي اﻷجنبي حاليا إلى اتجاه البنك المركزي المصري لشراء العملة الصعبة من اﻷسواق وتوفيرها في البنوك، مشيرا إلى أن الحديث عن حدوث طفرة في سوق العملة وتوفير العملة الصعبة التي من شأنها تدعم انخفاض قيمة الدوﻻر مجرد "عشم" نرجو تحقيقه، على حد قوله.
وتعليقا على القضاء على السوق السوداء، لفت الخبير المصرفي إلى أن العامل الوحيد الذي ساهم في القضاء على السوق السوداء هو عدم الإقبال على شراء العملة بسبب توقف اﻻستيراد من الخارج وندرة التعامل بها بعد ارتفاع اﻷسعار.
وأشار إلى أن استقرار العملة في الوقت الحالي ﻻيعد مؤشرا على النجاح والتقدم المصرفي، مرجعا ذلك إلى أن سعر الدوﻻر مستقرًا على ارتفاع لقيمته، في حين أن الحكم اﻷول واﻷخير هو القيمة اﻻنتاجية وعدم اﻻعتماد على اﻻستيراد.
استحواز الدولة
وعلى نفس المنوال، رأى الخبير اﻻقتصادي، شريف الدمرداش، حصول الدولة على النقد اﻷجنبي ليست مكاسب بحجم أنها استحواز من الدولة على العملة، موضحا أن توقف شركات الصرافة عن أعمالها بشكل كامل ساعد البنوك على اﻻستحواز على السوق المصرفي.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن نسب انخفاض الواردات التي أعلن عنها طارق عامر دليلا واضحا على انخفاض القيمة الشرائية بسبب ارتفاع اﻷسعار وارتفاع نسب التضخم، مشيرا إلى أن الناتج المحلي الحالي يعد دليلا على ضعف القدرات الإنتاجية الحالية.
وأعلن طارق عامر، أنه تم سداد مبلغ 750 مليون دولار مستحقات لشركات البترول وسيتم سداد 750 مليون دولار أخرى لشركات البترول أول يونيو.
وحول إعلان "عامر" عن نجاح الدولة في تسديد مبلغ 750 مليون دولار مستحقات لشركات البترول، قال "الدمرداش" كيف يقوم محافظ البنك المركزي باحتساب تسديد تلك اﻷموال ضمن اﻹنجازات المعلن عنها في حين أنها تصنف ضمن المديونات المحسوبة على الحكومة؟، مشيرا إلى أن تسديد تلك الموال يعد شرطا من شروط صندوق النفد الدولي.
وشكك "الدمرداش" في إعلان طارق عامر عن انتعاش السياحة بنسبة 50%، موضحا أن خبراء السياحة أعلنوا عن بلوغ نسب إشغالات الفنادق خلال شهر أبريل الماضي 40%، مما يدلل على عدم بلوغ السياحة بشكل عام تلك النسبة، وتعارض تصريحات الحكومة.
لمتابعة أخبار الاقتصاد اضغط هنا