كان مجتمع المال والأعمال على موعد مع مفاجأة جديدة من البنك المركزي، مساء أمس الأحد، إذ لم يكن أحد يتوقع أن تكون زيادة رفع تكاليف الاقتراض بمقدار 200 نقطة أساس دفعة واحدة في خطوة ألقى رجال الأعمال واقتصاديون باللوم فيها على صندوق النقد الدولي.
وقال اقتصاديون لـ"مصر العربية" إن قرار البنك المركزى برفع أسعار الفائدة 2% على الإيداع والاقتراض سيكون له آثار سلبية عديدة على الاقتصاد المصري فى الفترة المقبلة ولن يساهم فى خفض معدلات التضخم كما تحاول الحكومة.
وأوضح الخبراء أن على رأس هذه السلبيات ارتفاع تكلفة الدين وزيادة عجز الموازنة، ارتفاع العائد علي أذون الخزانة، خروج المستثمرين وعدم دخول استثمارات جديدة وتأثر أداء البورصة بشكل سيئ.
ورفع البنك سعر الفائدة على الودائع لأجل ليلة واحدة إلى 16.75 بالمئة من 14.75 بالمئة ورفع سعر فائدة الإقراض لليلة واحدة إلى 17.75 بالمئة من 15.75 بالمئة في أول زيادة منذ رفع الفائدة 300 نقطة أساس دفعة واحدة في نوفمبر الماضى إثر تعويم الجنيه.
فيما اعتبر خبراء اقتصاديون أن هناك حلولا بديلة لمواجهة معدلات التضخم العالية دون اللجوء إلى رفع أسعار الفائدة تتمثل أبرزها فى زيادة اﻹنتاج والسيطرة على اﻷسواق وارتفاع اﻷسعار والاهتمام بالصناعة المحلية والحد من طباعة البنكنوت والحد أيضا من الاقتراض الحكومي محليا وخاصة الموجه للانفاق الجاري.
وكان 13 من بين 14 خبيرا اقتصاديا استطلعت وكالة رويترز آراءهم الأسبوع الماضي توقعوا أن يُبقي البنك على أسعار الفائدة دون تغيير وتوقع اقتصادي واحد رفع السعر 50 نقطة أساس.
ومن شأن قرار رفع نسبة الفائدة على الإيداع والإقراض، أن يخفض من حجم السيولة المالية في الأسواق، وبالتالي تراجع القوة الشرائية، وارتفاع تكلفة القروض المقدمة من جانب البنوك.
خروج المستثمرين
وفى هذا الصدد يقول إسماعيل حسن محافظ البنك المركزى الأسبق ورئيس بنك مصر إيران، إن رفع البنك المركزى أسعار الفائدة سيؤدى إلى خروج المستثمرين الأجانب وعدم قيامهم بالتوسع فى السوق.
وأشار حسن فى تصريحات لـ"مصر العربية"، إلى أن رفع أسعار الفائدة إحدى الآليات التى يستخدمها البنك المركزي للسيطرة على معدلات التضخم ولكنها كانت غير ملحة فى الوقت الحالي.
وكان آخر تعديل أجراه البنك المركزي على معدلات الفائدة تم بالتزامن مع تحرير سعر الصرف يوم الثالث من نوفمبر الماضي؛ إذ رفعها 3% دفعة واحدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة، لتصل إلى 14.75% و15.75% على التوالي، ورفع سعر العملة الرئيسية للبنك المركزي، والائتمان والخصم بواقع 3% أيضاً إلى 15.25%.
وخلال الاجتماعات الأربعة السابقة للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في أعقاب تحرير سعر الصرف في 17 نوفمبر، 29 ديسمبر، و16 فبراير، و30 مارس الماضيين، كان القرار بتثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض.
3 حلول بديلة الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادى، قال إن هناك 3 حلول بديلة لخفض معدلات التضخم بعيدا عن رفع أسعار الفائدة ويمكن استخدامها بسهولة إذا أرادت الحكومة ذلك بالفعل.
وأوضح عبده فى تصريحات لـ"مصر العربية"، أن هذه الحلول تتمثل فى السيطرة على انفلات الأسعار من جانب التجار الجشعين الذين استغلوا ارتفاع سعر الدولار ورفعوا اﻷسعار 300% رغم أن ارتفاع الدولار كان 120%، وتعاقد وزارة التموين مع الفلاحين مباشرة على الخضار والفاكهة وطرحها فى اﻷسواق بالمناطق الشعبية للقضاء على دور الوسيط الجشع وبالتالى تنخفض اﻷسعار.
وأشار إلى أن ثالث هذه الحلول هو العمل على خفض سعر الدولار الذى نستورد به 70% من احتياجاتنا من الغذاء لأن اعتمادنا على الخارج فى غذائنا مصيبة كبرى ويستنزف الموارد المالية اﻷجنبية للدولة.
وأضاف الخبير الاقتصادى، أن إجراء رفع سعر الفائدة على الودائع فى البنوك لامتصاص السيولة آثاره سلبية على الاقتصاد المصري لأن المستثمرين سيفضلون وضع أموالهم فى البنوك بفائدة أعلى بدلا من تحمل مخاطر استثمارها فى المشروعات واحتمالية الربح أو الخسارة.
وأوضح أن رفع سعر الفائدة يجعل المستثمرين يبتعدون عن الاقتراض من البنوك بسبب الفائدة المرتفعة ما يؤدى إلى توقف الاستثمارات التى تؤثر بالسلب على نمو الاقتصاد.
مفاجأة غير سارة
ووصف هاني برزي رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية قرار المركزي بأنه "مفاجأة غير سارة وضربة موجعة للاستثمار ويزيد من عبء الاقتراض ويضغط علي الموازنة العامة للدولة.
وأضاف لـ"رويترز": "كل الدول في حالة الركود تتجه إلى خفض سعر الإقراض لتشجيع الاستثمار بدلا من الإدخار."
سلاح ذو حدين
محمد عباس فايد، رئيس بنك عوده، قال إن رفع أسعار الفائدة سلاح ذو حدين أولهما أنه يرتبط بمحاربة التضخم وجذب السيولة لتقليل الطلب علي السلع.
وأضاف فريد لـ"مصر العربية"، أن رفع الفائدة أيضا غير مفضل بالنسبة للمستثمرين، موضحا أن البنك المركزى راعى هذه المعادلة خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية واتخذ القرار الأفضل فى النهاية.
زيادة تكلفة الدين
علاء سماحة، رئيس البنك الزراعي المصري الأسبق، قال إن زيادة أسعار الفائدة سيزيد الضغوط النقدية والمالية على الموازنة العامة وسيرفع من تكلفة الدين الحكومي، دون أن يخفف أثر تضخم الأسعار على المواطن.
وأوضح "سماحة"، في تصريحات لـ"مصر العربية"، أن رفع الفائدة يدفع لارتفاع تكلفة الدين بالموازنة لحوالي 400 مليار جنيه، ما يقلل فرص الحفاظ على نقص الموازنة في إطار النسب المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي بأقل من 10%.
وألمح رئيس البنك الزراعي المصري الأسبق، إلى أن رفع أسعار الفائدة 2% يكلف الخزانة العامة للدولة نحو 32 مليار جنيه.
وتابع سماحة "قرار رفع الفائدة لن يحقق السيطرة المطلوبة على ارتفاع الأسعار، نظرا لأن الارتفاع ليس بسبب زيادة المعروض النقدي بحوزة المواطنين، إنما نتيجة خفض قيمة العملة أمام العملات الأجنبية".
صدمة
وفي لغة سيطرت عليها حالة الصدمة من القرار، قال علاء سبع من غرفة السيارات باتحاد الغرف التجارية لرويترز "القرار يعالج التضخم بالتضخم... ما يحدث تهريج. الأسعار ستتضخم مرة أخرى.
"لا أعلم كيف يقبلون على مثل هذه الخطوة؟ كيف يمتثلون لكل طلبات الصندوق؟ الاقتصاد قد يتوقف. إذا أردت الاقتراض حاليا سيكون بأكثر من 18 بالمئة. هذا رقم خيالي سيضاف على أسعار المنتجات والسلع."
تهديد للاستثمار
الخبيرة المصرفية سلوى العنتري، قالت إن زيادة الفائدة تزيد من أعباء تكلفة الدين وسترفع القيمة الإجمالية للدين المحلي، وهو ما سيدفع الحكومة لمزيد من إصدارات أذون وسندات الخزانة لتغطية النفقات الإضافية وسط تباطؤ معدلات النمو.
وتجاوزت إصدارات أذون وسندات الخزانة الحكومية نحو تريليون جنيه في عام 2016، ويوجه 90% من حصيلة الإصدارات لسداد المستحقات السابقة، بينما يوجه 10% لتمويل عجز الموازنة.
وذكرت العنتري أن الحلول المتاحة أمام الحكومة للسيطرة على ارتفاع الأسعار تتمثل فى التوسع في البرامج النقدية بشكل صحيح، وإعطاء قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة دور أكبر في العملية الاقتصادية نظرا للقوة التشغيلية التي يمتلكها القطاع، لترتفع نسب دخول الأفراد وتقل معدلات البطالة.
وأوضحت العنتري أن إصدار قرار رفع الفائدة يعطل التوسعات الاستثمارية للشركات، ويزيد من تكلفة الإنتاج لترتفع الأسعار مرة أخرى، كما أنها تقلل جاذبية السوق المصري أمام المستثمرين الأجانب لأنه في الغالب تقوم الشركات بضخ استثماراتها في مصر وتخطط للاستفادة من القروض المصرفية للتوسع في أنشطتها داخل السوق، ما سيؤثر على الأرباح.
وقال أشرف الجزايرلي رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية لرويترز: "الأكيد أن القرار سيرفع تكلفة الصناع مما سيكون له أثر في زيادة الأسعار. حركة السوق ستتباطأ أكثر... المستثمر سيفكر كثيرا قبل الإقدام على أي استثمار في الفترة المقبلة."
ويعاني الاقتصاد المصري من ارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد، بسبب أسعار الدولار المرتفعة ورفع الدعم عن الطاقة، والضرائب الجديدة مثل ضريبة القيمة المضافة.
تعوق البورصة
محمد الدشناوي، محلل أسواق المال، قال إن القرار ضربة موجعة للاستثمار في البورصة المصرية، وسيزيد من المعوقات التى تهدد استمرار تحقيق معدلات جيدة داخل سوق الأوراق المالية، خاصة مع تطبيق ضريبة الدمغة على تعاملات البورصة.
وأوضح الدشناوي لـ"مصر العربية"، أن المستثمر سيفضل ضخ مدخراته في شهادات الإدخار التى تطلقها البنوك في ظل العائد المرتفع، فضلا عن تأثر نتائج الشركات جراء رفع الفائدة على الاقتراض.
وأشار إلى أن رفع أسعار الفائدة يزيد الضغوط على القطاعات الاستثمارية، وسيحد من فرص التوسع للشركات.
ويفضل المصريون في الفترة الأخيرة توجيه مدخراتهم للاستثمار في شهادات الادخار التى وصل العائد عليها 20% في أعلى مستوى للفائدة عالميًا، ووفقا للبيانات المنشورة جذبت البنوك أكثر من 400 مليار جنيه ودائع جديدة.
مزيد من الركود
وقال هاني توفيق الخبير الاقتصادي، إنه ليس كل تضخم نحاربه برفع سعر الفائدة، فهناك تضخم بسبب انتعاش وتشغيل كامل أو شبه كامل لعناصر الإنتاج، وهناك تضخم آخر بسبب زيادة التكلفة، مشيرا إلى أن رفع الفائدة معناها رفع التكلفة أكثر ومزيد من الركود.
وأضاف توفيق لـ"مصر العربية"، أن هناك حالة من الركود الكامل في ظل أسعار الفائدة المرتفعة، والبنوك تشبعت من أثار القرار، فضلا عن تأثر المصانع وحركة التجارة والسوق العقاري والمقاولات والمولات.
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه من الصعب أن تحقق نسبة 20% بالاستثمار في مشروعات حقيقية تلاحقها العديد من المخاطر، في حين تستطيع الحصول على العائد بسهولة دون مخاطر تذكر.
وكتبت الدكتورة عالية المهدى عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة، عبر صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك، تعليقا على القرار قائلة "رفع سعر الفائدة ٢٪ وسوف يليه رفع آخر في تصوري اتساقًا مع مطالب الصندوق.. وسلم لي علي الاستثمار".
وأضافت المهدى "هو مفيش تنسيق مع الدكتورة سحر نصر مثلا؟.. يعني الست تعبانة وبتحاول تضبط ما أفسده مناخ الاستثمار.. يقوموا رافعين سعر الفائدة بالشكل ده؟ ولسه".
أسباب رفع الفائدة
وقال البنك المركزي إن سبب قراره يكمن فى تحقيق معدل التضخم المستهدف فى الربع الأخير من 2018 والذى يبلغ 13 % ، مشيرا إلى أن الانخفاض فى معدل التضخم مازال غير كافي لتحقيق المعدل المستهدف للتضخم على المدى المتوسط.
وأضاف البنك أن مستويات التضخم السنوية تعكس نتيجة الإجراءات الهيكلية التي تم اتخاذها منذ نوفمبر 2016، حيث ارتفع التضخم مدفوعًا بارتفاعات سعر الصرف وتطبيق ضربية القيمة المضافة والتخفيض الذي تم في دعم الوقود والكهرباء والزيادات الجمركية علي بعض السلع.
وسجلت المعدلات السنوية للتضخم العام في أبريل 2017 نحو 32.9% في حين انعكس انحسار اثار الإجراءات الهيكلية على المستوي الشهري حيث انخفض المعدل الشهري للتضخم من أعلي نقطة له في نوفمبر 2016، والتي سجلت 4.85% وحتى وصل إلى 1.69% في شهر أبريل 2017.
وقد ساهم قرار البنك المركزي بزيادة أسعار الفائدة في نوفمبر 2016 بنحو 3% واستمرار عمليات امتصاص فائض السيولة قصيرة الأجل في تحسين معدل التضخم الشهري وعلى الرغم من تراجع المعدلات الشهرية بشكل ملحوظ.
يأتى ذلك فى ظل ضغط صندوق النقد الدولى على مصر برفع سعر الفائدة فى محاولة للسيطرة على معدلات التضخم القياسية التى وصلت إلى 33% فى أبريل الماضى.
وفيما يلى أبرز تصريحات صندوق النقد الدولى لحث الحكومة المصرية على رفع سعر الفائدة.
لاجارد
وقالت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي، أثناء اجتماعات الربيع في أبريل الماضي، إنه يتوجب على مصر العمل على مزيد من الإجراءات لمعالجة مشكلة التضخم، ويجب التنسيق الكامل بين السياسات المالية والنقدية للوصول أفضل الآليات.
وأوضحت لاجارد أن الإصلاحات الأخرى يجب أن تستمر، ولكن يجب أن يكون هناك تركيز خاص على التضخم، وأعتقد أن محافظ البنك المركزي ووزير المالية في مصر على حد سواء يدركان ضرورة معالجة مخاطر التضخم التي تؤثر على السكان.
جهاد أزور
وفي تصريحات لجهاد أزور مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط، فى أبريل الماضى، ذكر أن مصر تملك أدوات نقدية ومالية، تشمل تحريك أسعار الفائدة للمساعدة في احتواء التضخم.
وقال "أزور" إن الصندوق يري أن أسعار الفائدة هي الأداة الصحيحة للسيطرة على التضخم في مصر، وهو ما يتم مناقشته مع مصر.
رئيس بعثة الصندوق
ولفت كريس جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد فى مصر، إلى أن هناك الكثير من الآليات التى يمكن للبنك المركزي أن يستخدمها للسيطرة على التضخم ومنها سعر الفائدة والقروض، مؤكدًا أن للتضخم آثار سيئة فى صور مختلفة والفئات الأقل حماية والأكثر فقرا هم أول المتضررين، مشددا على ضرورة احتواء التضخم