"هل قال؟ أم حدث اختراق؟.. إذا كان قد قال فماذا بعد؟ وإن كان اختراقًا فمن المستفيد؟".. سريعًا لاحت بوادر أزمة خليجية، مصدرها تصريحات "مزعومة" نسبت إلى أمير قطر تميم بن حمد، أثارت ضجة عند منتصف الليل بين السعودية والإمارات تجاه قطر.
قرابة العاشرة من مساء أمس، بدأت "العربية نت" القصة، حيث نقلت عن وكالة الأنباء القطرية "رسمية" أنَّ أمير قطر قال إنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يواجه مشكلات قانونية في بلاده، كاشفًا عن توتر في العلاقة مع إدارة ترامب.
وذكر تميم - في التصريحات المنسوبة إليه: "إننا نستنكر اتهامنا بدعم الإرهاب رغم جهودنا المتواصلة مع أشقائنا ومشاركتنا في التحالف الدولي ضد داعش.. إنَّ الخطر الحقيقي هو سلوك بعض الحكومات التي سببت الإرهاب بتبنيها لنسخة متطرفة من الإسلام لا تمثل حقيقته السمحة، ولم تستطع مواجهته سوى بإصدار تصنيفات تجرم كل نشاط عادل".
وأضاف - حسب "العربية": "لا يحق لأحد أن يتهمنا بالإرهاب لمجرد تصنيفه الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، أو رفض دور المقاومة عند حماس وحزب الله.. وعلى مصر والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين مراجعة موقفهم المناهض لقطر، ووقف سيل الحملات والاتهامات المتكررة التي لا تخدم العلاقات والمصالح المشتركة، ونؤكِّد أنَّ قطر لا تتدخل بشؤون أي دولة، مهما حرمت شعبها من حريته وحقوقه".
أمير قطر تميم بن حمد
الكلمة "المزعومة" جاءت في حفل تخريج الدفعة الثامنة من مجندي الخدمة الوطنية في ميدان معسكر الشمال، ونسب إليه القول فيه إنَّ بلاده لديها تواصل مستمر مع إسرائيل.
إيران كانت محورًا لتصريحات تميم "غير المتأكّد من مدى صدقيتها"، فقال: "نجحنا في بناء علاقات قوية مع أمريكا وإيران في وقت واحد نظرًا لما تمثله إيران من ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، خاصةً أنَّها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها، وهو ما تحرص عليه قطر من أجل استقرار الدول المجاورة".
الفضائية السعودية نسبت إلى تميم قوله عن قاعدة العديد: "هي تمثِّل حصانة لقطر من أطماع بعض الدول المجاورة، إلا أنَّها هي الفرصة الوحيدة لأمريكا لامتلاك النفوذ العسكري بالمنطقة، في تشابك للمصالح يفوق قدرة أي إدارة على تغييره".
أيضًا القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي شاركت فيها قطر بالرياض كانت إحدى حلقات التصريحات المنسوبة إلى أمير قطر، فقال: "ندعو إلى العمل الجاد المتوازن بعيدًا عن العواطف، وسوء تقدير الأمور، ما ينذر بمخاطر قد تعصف بالمنطقة مجددًا نتيجة ذلك.. قطر لا تعرف الإرهاب والتطرف، وتود المساهمة في تحقيق السلام العادل بين حماس الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وإسرائيل، بحكم التواصل المستمر مع الطرفين، فليس لقطر أعداء بحكم سياستها المرنة".
وسائل إعلام.. منصات هجوم
سريعًا، فتحت فضائيات سعودية وإماراتية نوافذ أطلقت منصات هجوم على السياسة القطرية، وذلك رغم أنَّ نفيًّا قطريًّا صدر على لسان مصدر دبلوماسي، تحدَّث لـ"الأناضول"، دون أن تكشف هويته، حيث نفى صحة التصريحات المنسوبة لتميم، مؤكِّدًا أنَّ موقع وكالة الأنباء القطرية التي نُقل عنها الخبر تمَّ اختراقه.
الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي في قطر أصدر بيانًا أكَّد فيه أنَّ موقع وكالة الأنباء القطرية تمَّ اختراقه من قبل جهة غير معروفة إلى الآن، لافتًا إلى أنَّ الجهات المختصة بدولة قطر ستباشر التحقيق في هذا الأمر لبيان ومحاسبة كل من قام بهذا الفعل الذي وصفه بـ"المشين".
ونقلت "الجزيرة" عن مدير وكالة الأنباء القطرية تأكيده: "الأمير تميم لم يُلقِ كلمة اليوم (أمس) ونستغرب استمرار وسائل إعلام بعينها بتناقل التصريحات رغم البيان الواضح بأنها مفبركة".
إلا أنَّ النفي القطري لم يوقف وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية، فواصلت نافذتها المهاجِمة للتصريحات، دون أن تشير في بادئ الأمر إلى النفي، فقالت صحيفة "عكاظ" إنَّ "قطر تشق الصف وتنحاز لأعداء الأمة"، بينما صحيفة "الرياض" أشارت إلى أنَّ "تصريحات أمير قطر تخالف توجهات الإجماع العربي والإسلامي"، فيما ذكرت صحيفة "الاقتصادية": "مواقف قطر معروفة ضد مصالح الدول الخليجية والعربية تؤكد أنها تبحث عن دور أكبر مهما كان الثمن".
الرواية القطرية بأنَّ اختراقًا ضرب الوكالة والرسمية ردَّت عليه صحف سعودية أيضًا، فقالت صحيفة "الاقتصادية": "قطر تعتقد أنها تتذاكى بينما هي تورط نفسها في أمور لا قدرة لها عليها وعلى ما ينجم عنها من مخاطر"، فيما جاء في صحيفة "الوطن": "ردود الأفعال الجماعية تدفع الاتصال الحكومي بقطر إلى التحجج بالاختراق وأن التصريحات مغلوطة".
أمير قطر تميم بن حمد
تضارب سحب السفراء
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبعد ذلك بساعات نُشرت على حساب وكالة الأنباء القطرية تغريدة تقول إنَّ وزارة الخارجية طلبت سحب سفراء قطر في كل من السعودية ومصر والكويت والإمارات والبحرين، كما نشرت تغريدة أخرى تعلن أنَّ الشيخ تميم سيلقي كلمة صباح الأربعاء ليتحدث عن "المؤامرة" التي تتعرض لها البلاد.
ولكن مرة جديدة، عادت الوكالة لتنفي صحة هاتين التغريدتين، معلنةً أنَّ حسابها على "تويتر" أيضًا تعرَّض للاختراق.
بعد ذلك، نفى حساب وكالة الأنباء القطرية على "تويتر" ما نقلته قبل أقل من نصف ساعة حول تصريح لوزير الخارجية محمد بن عبد الرحمان آل ثاني قال فيه إن بلاده ستسحب سفراءها من مصر ودول خليجية، فيما صرَّح الوزير بأنَّ تصريحه أخرج من سياقه.
هدأت وتيرة الأحداث حتى مرور ساعات الفجر، وصباح اليوم نشرت "سكاي نيوز عربية" مقطع فيديو، تداوله أيضًا نشطاء عبر "تويتر"، قالت عنه: "أورد الشريط الإخباري على شاشة التلفزيون القطري مقتطفات من كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، التي كانت وكالة الأنباء القطرية قد سحبتها لاحقًا من على موقعها الإلكتروني".
فيديو سكاي نيوز
حظر الإعلام
جاء الدور في التطورات على "الحظر الإعلامي"، فتحدثت وسائل إعلام سعودية "رسمية" عن أنَّ سلطات المملكة بدأت بحجب كل الصحف القطرية وموقع قناة "الجزيرة"، حيث سيتم الحجب الكلي على جميع المستخدمين خلال الساعات المقبلة.
حسب وكالة "سبق"، شملت قائمة المواقع القطرية الإلكترونية التي يجري حجبها "الجزيرة نت"، و"الجزيرة الوثائقية"، و"الإنجليزية"، ووكالة الأنباء القطرية، وصحف "الوطن"، و"الراية"، و"العرب"، و"الشرق".
أيضًا، تداول ناشطون على "تويتر" خبرًا مفاده حظر موقع وقناة "الجزيرة" في الإمارات، كردٍ على التصريحات المنسوبة لأمير قطر.
انتقاد دولي
تعامل الإعلام السعودي والإماراتي مع الأمر قوبل بانتقادٍ من وكالة الأنباء الفرنسية، التي قالت: "كان ملفتًا أنَّ بعض وسائل الإعلام استمرت في نشر التصريحات المنسوبة لأمير قطر وكذلك التغريدات المنشورة على حساب قنا (وكالة الأنباء القطرية الرسمية) حتى بعد صدور تأكيد قطري رسمي بأن هذه التصريحات والتغريدات مفبركة".
بدورها ذكرت وكالة "رويترز" أنَّ وسائل إعلام في بعض دول الخليج العربية واصلت نشر التعليقات المنسوبة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني برغم إعلان قطر أن التقرير لا أساس له من الصحة.
مقر وكالة رويترز قطريون يردون
قطريون كثيرون – سواء سياسيين أو على منصة "تويتر" – أكَّدوا زيف هذه التصريحات وفبركتها، وكان أول ما استندوا إليه هو أنَّ الفضائيات التي تعاملت مع الأمر "تحديدًا سكاي نيوز والعربية" كان ضيوفها على أهبة الاستعداد للظهور ومهاجمة "التصريحات"، ما يعني أنَّ هناك شيئًا معدًا خطَّط له من قبل، وصُنع على عجل.
الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام عبد الرحمن بن حمد اعتبر أنَّ هذا التداول دليلٌ على سوء النية.
وكتب بن حمد، في تغريدة على "تويتر": "ما بثته بعض الجهات يدل على سوء النية كما قال تعالى: فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة".
الكاتب القطري جابر الحرمي تساءل عن الكيفية التي وصلت بها تلك التصريحات إلى فضائيتي "سكاي نيوز" و"العربية" وقت اختراق الموقع الرسمي لوكالة الأنباء القطرية.
كتب الحرمي على "تويتر": "الأمر الذي يضع مليون استفهام، كيف وصلت التصريحات المفبركة إلى سكاي نيوز والعربية في لحظة سقوط موقع القطرية؟".
لم يتوقف الأمر عن ذلك، بل هاجم سعوديون قناة بلدهم "العربية" إزاء تعاملها مع الأمر، فاعترض الإعلامي السعودي خالد المهاوش، تناول القناة لهذه التصريحات، معتبرًا أنَّ محاولتها تشويه العلاقة بين السعودية وقطر "مؤشر خطير".
وغرَّد قائلًا: "محاولة قناة العربية تشويش العلاقات بين دولتين شقيقتين مؤشر خطير الأمور أصبحت واضحة.. هل هذه نتاج فشل تقسيم اليمن؟".
الإعلامي السعودي على الظفيري تناول الأزمة بطلبٍ من الجهات الإعلامية بنشر نفي التصريحات من المصادر الرسمية القطرية.
الظفيري كتب على "تويتر" يقول: "يفترض بالقنوات والمؤسسات الإعلامية المحترفة أن تراجع أخبارها وتنشر النفي القطعي من المصادر الرسمية القطرية للتصريحات المنسوبة للأمير".
أزمة 2014
أعادت بوادر الأزمة الحالية الأذهان لما قبل ثلاث سنوات، حينما سحب ثلاثة من قبل أعضاء مجلس التعاون الخليجي وتحديدًا في الخامس من مارس 2014 إلى سحب سفرائهم من قطر، وهو حدثٌ وصفته صحف سعودية بـ"زلزال في الأعراف الدبلوماسية الخليجية وسابقة في تاريخ قطر منذ استقلالها".
وكان سبب قرار سحب السفراء هو ما أسمته دول المجلس في حينه أنَّ قطر نكصت بـ"اتفاق الرياض" الذي تمَّ توقيعه من قبل قادة السعودية وقطر والكويت في 23 نوفمبر 2013 والقاضي بكف يد الدوحة عن التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، ووقف الأنشطة العدائية بما في ذلك الحملات الإعلامية الموجهة ضد أشقائها وفي مقدمتها مصر، وكان ذلك في إشارة إلى موقفها الرافض للاعتراف بشرعية عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وتوصيفها لما حدث في "الثالث من يوليو" بأنَّه انقلاب، وهو ما رفضته دول مجلس التعاون وتحديدًا السعودية باعتبار كانت تمثل الطرف الأكثر دعمًا لمصر بعد "3 يوليو" سواء سياسيًّا أو اقتصاديًّا.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
هل لترامب علاقة؟
تساؤلات كثيرة وتكهنات أكثر بشأن ما حدث في الساعات القليلة الماضية، وما قد يحدث في الفترة المقبلة، غير أنَّ السؤال الأبرز هنا ينصب على المستفيد من كل هذا التصعيد وما يمكن أن يسفر عنه.
هنا ربط محللون بين جولة الرئيس الأمريكي ترامب في المنطقة وبين كل ما يحدث، ومدعى هذا الربط هو وصفه حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بأنَّها إرهابية، وبالتالي فإنَّ إشعال فتنة خليجية بين السعودية والإمارات تحديدًا من جانب ودولة قطر باعتبارها من أكبر الأطراف الداعمة لحماس من جانب آخر قد يكون وسيلةً مجديةً للضغط على الحركة وذلك بتخفيض الدعم القطري لها، باعتبار أنَّ إضعاف "حماس" مكسب للاحتلال.
ولعل ما يدعم هذا التفسير – حسب محللين – هو أنَّ الهجوم على قطر جاء وكأنه حملة منظمة معدة مسبقًا، تزامنت مع زيارة ترامب التي قيل بشأنها إنَّها ستغير أوضاع المنطقة، فضلًا عن هجومه على حماس مرتين في ثلاثة أيام في السعودية وإسرائيل.
الدور الأمريكي في هذا السياق أيضًا، يرتبط أيضًا بمقالات أمريكية نُشرت في الأسابيع الأخيرة، اتهمت قطر بتمويل الإرهاب، كما واجهت انتقادات لإيوائها مسؤول حركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل.
هذه الاتهامات الأمريكية ردَّت عليها قطر، حيث اعتبرت نفسها ضحية حملة إعلامية منظمة تتهمها بـ"التعاطف" مع الإرهاب، مؤكِّدةً أنَّ أسباب هذه الحملة "معروفة".
الشيخ سيف بن أحمد بن سيف آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي قال - في بيانٍ له - إنَّ البلاد استهدفت عمدًا قبل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي بدأت "السبت" إلى المنطقة.
وأضاف: "قطر تعرب عن استنكارها واستغرابها الشديدين بشأن ما يتم بثه من مقالات إعلامية من قبل عدد من المنظمات التي تعمل ضد دولة قطر، فيما يتعلق بالإرهاب والادعاء بتعاطفها أو تجاهلها لأفعال الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط".
وتابع: "ما تضمنته هذه المقالات من مزاعم مجرد آراء ومغالطات وافتراءات عارية عن الصحة وخاطئة كليًّا.. يتعين على الكتّاب أصحاب مثل هذه المقالات أن يدركوا أنَّ الإرهاب ظاهرة عالمية وأنَّ قطر مستهدَفة كباقي دول منطقة الشرق الأوسط من قِبل الجماعات الإرهابية التي تهدد أمن المنطقة والعالم بأسره".
المسؤول القطري لم يكشف عن التقارير أو المنظمات التي تعمل ضد دولة قطر، لكنَّه أشار إلى أنَّه عندما ينكشف من يقف وراء هذه الحملات ضد قطر في المستقبل ستتضح جليًّا الدوافع الحقيقية وراء مثل هذه الأفعال والجهود للمساس بسمعة بلاده.
حركة حماس
إيران وتقارير الجزيرة
"هل حاولت إيران شق الصف الخليجي بعد قمة الرياض؟".. هذا التساؤل تداوله محللون ونشطاء كثيرون، فالأزمة الراهنة وقعت بعد يومين فقط من القمة الإسلامية الأمريكية في السعودية، والتي ركَّزت حتى قبل أن تبدأ على التدخلات الإيرانية.
زيارة ترامب للسعودية شهدت توقيع اتفاقيات بلغت قيمتها نحو 400 مليار دولار، بينها نحو 110 مليارات كصفقات عسكرية، وهذه الصفقات قال عسكريون إنَّها ستكون مخصصة في أغلبها لقلب الموازين في الحرب باليمن والتصدي لـ"الحوثيين" المدعومين من طهران، لا سيَّما أنَّ التحالف العربي الذي تقوده السعودية لم يحسم الحرب في اليمن بعد مرور عامين وعدة أسابيع على بدء التدخُّل "مارس 2015".
هذا الطرح اتفق معه الناشط الأحوازي ناهض أحمد الأحوازي، الذي غرَّد بالقول: "الخليج قوي بوحدته واصطفافه ضد التوسع الإيراني، والاختراق الذي تم لوسائل إعلامية لدولة قطر ما هو إلا خطة دبرت من قبل إيران لشق الصف".
أيضًا حديث أمير قطر "المزعوم" أشاد فيه بإيران واعتبرها ضمانة حقيقية للاستقرار في الشرق الأوسط، وأنّه لا يجب معاداتها باعتبارها دولة إسلامية ذات ثقل في المنطقة.
هذا الحديث لعب عليه المشكِّكون في التصريحات لاعتبارها "مفبركة"، ومدعى ذلك أنَّ قطر تعارض وبشدة التدخلات الإيرانية في دول المنطقة، لا سيَّما في سوريا واليمن.
حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله
في سوريا، تمثل إيران داعمًا كبيرًا لنظام الرئيس بشار الأسد، وتعد هذه القضية أحد القواسم المشتركة بين الرياض والدوحة، فالبلدان يدعمان المعارضة المسلحة ويرفضان بشدة حكم الأسد، فضلًا عن انتقادهما الشديد لدور حزب الله اللبناني في الحرب هناك، وما يحكى عن مجازر بحق المدنيين، لا سيَّما السنة.
أيضًا في اليمن، تٌتهم إيران بأنَّها أحد أكبر الأسباب في تفاقم الأزمة هناك، والحديث هنا عن دعمها لجماعة أنصار الله "الحوثي" في انقلابها وأنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على حكم الرئيس عبد ربه منصور هادي "المعترف به دوليًّا" والمدعوم عسكريًّا من السعودية وقطر.
وبينما تعتبر شبكة "الجزيرة" أحد الأذرع الإعلامية القطرية كما يصنِّفها المحللون، فإنَّها نشرت عشرات التقارير التي تدين إيران ومن ورائها حزب الله سواء في الأزمة اليمنية أو السورية، وهو ما جعل السياسة القطرية تصنَّف على أنَّها معارضة وبشدة لمواقف إيران، وهو ما دعا المشكِّكون في التصريحات أن يتساءلون: "كيف لدولةٍ تنتقد إيران وتدخلاتها ومواقفها، يخرج أميرها يمجِّد فيها؟".. سؤال أصاب الشك في صدق الرواية.
الجزيرة
تصريحات مشكوك فيها
المحلل السوري ميسرة بكور شكَّك في صحة هذه التصريحات، مرجعًا ذلك إلى تناقضها مع السياسة الخارجية لقطر، وكذا "الحلف القوي" بين قطر والسعودية.
وقال لـ"مصر العربية": "السعودية وقطر أكبر حليفين في مواجهة الإرهاب، وحتى إذا كانت بعض الأفكار التي قيلت ربما يراها البعض حقيقية لكني لا أعتقد أنَّ شخصًا مثل أمير قطر يتورط ويدلي بمثل هذه التصريحات أمام حشد جماهيري".
ورأى أنَّ الأيام الأخيرة كانت تشهد أعلى درجة من التقارب في العلاقات بين الرياض والدوحة، مستشهدًا بحفاوة الاستقبال التي لاقاها تميم في زيارة للسعودية مؤخرًا للمشاركة في القمة الإسلامية الأمريكية.
وأضاف: "بعد كل ما جرى من حزب الله يأتي أمير قطر ويصفه بالمقاوِم، وتلفزيون الجزيرة مثلًا نشر عشرات التقارير التي فضحت جرائم حزب الله وكذا السياسة الإيرانية وشاهدنا تقارير عديدة عن التهجير القسري والمذهبي التي تصب في خانة النقد التام والشام لما تقوم به إيران وحزب الله".
وتابع: "أمير قطر يمر بمشكلتين، أولًا حركة حماس وهنا نجد أنَّ كثيرًا من الشعوب العربية تؤيده في رفض اعتبار الحركة إرهابية، وثانيًّا تصنيف بعض الأحزاب والجماعات على أنَّها إرهابية".
أمير قطر والعاهل السعودي
المستفيدون
يرى ميسور أنَّ أطرافًا عربية تستفيد من إشعال الأزمة بين السعودية وقطر في الوقت الحالي، وربط الوضع بالأزمة في جنوب عدن باليمن "إعلان تشكيل مجلس انفصالي يدير الجنوب"، فضلًا عن أنَّ التقارب الكبير بين تركيا وقطر في الآونة الأخيرة يزعج "هذه الأطراف المستفيدة"، حسب قوله.
التعامل الإعلامي سعوديًّا وإماراتيًّا مع الحدث رغم "النفي القطري" اكتفى بالقول عنه: "هذه القنوات وجدت نفسها أمام مادة إعلامية منشورة على وكالة الأنباء القطرية وتعاملت ومعها وناقشتها".
إذا صحَّت.. ماذا بعد؟
الكاتب الصحفي عبد الله السناوي شدَّد ضرورة التحقُّق من مدى صدق التصريحات التي نسبت إلى أمير قطر، لا سيَّما ما يتعلق بحديثه عن السعودية وإيران.
وقال - لـ"مصر العربية": "إذا ما صحَّت هذه التصريحات فإنَّنا أمام مشاحنات محتملة بين السعودية وقطر داخل البيت الخليجي بعد سنوات من التهدئة بين قطر والرياض، وبالتالي يمكننا اعتبار أنَّه بدأت تطل الخلافات من جديد".
وأضاف: "صحة هذه التصريحات تعني أنَّنا أمام أزمات قد تتزايد، على اعتبار أنَّ قطر تخشى من الانجراف في صراعات مذهبية مفتوحة مع إيران وهي دولة كبيرة على الخليج ومؤثرة في أوضاعه الداخلية".
السناوي توقع أنَّ قطر تسعى إلى لعب دور مؤثرًا دون أن تلتحق كاملًا بالموقف السعودي، وهذا من السياسات التي دأبت عليها قطر بأن تبحث عن أدوار كبيرة، وهذا لا يمكن أن يتم حاليًّا في ظل العباءة السعودية".
وعن الطرف المستفيد من إشعال الأزمة، أوضح: "لا يمكن تحديد ذلك.. نحن أمام حسابات قطرية وإسرائيل على علاقة جيدة بالطرفين سواء السعودية أو قطر، لكن يمكن القول إنَّ إسرائيل قد توظِّف هذه الأزمة لمزيد من الاهتزاز في العلاقات بين الطرفين".
السناوي اعتبر أنَّه لا يمكن التنبؤ بما هو قادم فيما يتعلق بالعلاقات بين السعودية وقطر والوضع في مجلس التعاون الخليجي، مرجعًا ذلك إلى أنَّه لم يتم التأكُّد من صحة هذه التصريحات إلى الآن.