الاحتجاز المفاجئ للأستاذ خالد على المحامى الذى قاد فريق الدفاع عن مصرية الجزيرتين فى قسم الشرطة أدى إلى إطلاق عاصفة من الشائعات التى اتهمت السلطة وتعاطفت مع الرجل، ذلك أن أحدا لم يصدق الادعاء بأن احتجازه بسبب بلاغ قدم ضده قبل أربعة أشهر اتهمه بارتكاب فعل فاضح فى الطريق العام. ثم إن احتجازه بذريعة العرض على مصلحة الأدلة الجنائية بدا ساذجا، لأن مبيته فى قسم الشرطة لا علاقة له بتحقيق الأدلة.
ناهيك عن أن التحقيق معه كان باطلا لأن القانون يشترط إبلاغ نقابة المحامين قبل التحقيق مع أى محام وهو ما لم يتم. كما أن المحقق رفض أن يطلعه على أوراق قضيته ومستندات اتهامه كى يعرف ما هو منسوب إليه. اللافت للنظر أن الشائعات التى انطلقت جمع بينها أنها اعتبرت احتجازه إجراءً سياسيا عقابيا استخدم فيه القانون.
أول ما خطر على البال أن الأجهزة استهدفته لدوره فى قضية بطلان اتفاقية تسليم الجزيرتين للسعودية، الذى قررته المحكمة الإدارية العليا. وهو ما أحرج السلطة وأزعجها. إذ فى غياب أى تبرير موضوعى استحضر كثيرون ما جرى فى تعديل قانون السلطة القضائية، الذى فهم أن المراد به حرمان المستشار يحيى الدكرورى من حقه فى رئاسة مجلس الدولة.. عقابا له على إصداره الحكم المذكور، واعتبروا أن معاقبة المحامى خطوة تالية على معاقبة القاضى.
آخرون قالوا إن احتجاز الأستاذ خالد أريد به إنذاره و«شد أذنه» بعدما نقلت عنه رغبته فى خوض الانتخابات الرئاسية ومن قرائن ذلك الإنذار أن أعدادا من مؤيديه وأعضاء حزبه «العيش والحرية» ألقى القبض عليهم خلال الأيام الأخيرة. وللشائعة رواية أخرى ذهبت إلى أن معاقبته توجه رسالة تحذير أخرى إلى الفريق أحمد شفيق المقيم فى الإمارات، الذى قيل إنه سيرشح نفسه أيضا للرئاسة، وحين سئل فى ذلك فإنه ترك الباب مفتوحا وقال إن كل الخيارات واردة.
فى رأى فريق آخر أن قضية «الفعل الفاضح» جرى استخراجها من الملفات وتحريكها للإيقاع بخالد على عقابا له على مشاركته فى ورشة عمل عقدت فى روما خلال الأسبوع الماضى حول حقوق الإنسان والشراكة الأورومتوسطية. وكان عدد من النشطاء المصريين المقيمين بالخارج بين حضورها (منهم الدكتور عمرو حمزاوى والأستاذ بهى الدين حسن).
أيد هذا الظن أن مصر اهتمت بالاجتماع، نظرا لحساسية الموضوع وضعف موقفها إزاءه، فتم تصوير المشاركين فيه وتولت الأبواق الأمنية تصويره باعتباره «اجتماعا سريا» (!) ونشر فى مصر أن الهدف منه إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار فى أجواء الانتخابات الرئاسية المقبلة.
الخلاصة أن الدولة المصرية كانت الخاسرة فيما جرى، وأن خالد على كان رابحا. إذ خسرت مصر حين بدت مهتزة وضعيفة وغير واثقة فى مواجهة محام وطنى يحظى بالاحترام. وكان ذلك على حساب سمعتها، ورصيد احترامها للقانون الذى صار يتآكل حينا بعد حين.
ومن المفارقات أن ذلك حدث فى حين يوهم الرأى العام بأن الدولة استعادت قوتها وهيبتها. فى الوقت ذاته فإن ما أقدمت عليه السلطة رفع من رصيد شعبيته وقدمه باعتباره الرجل الذى يخشى بأسه، لأنه يؤرق النظام وينازل قيادته وينافسها. حتى أزعم أن هذه السياسة التى تتبع مع خالد على تشكل أكبر دعاية له إذا ما قرر خوض الانتخابات الرئاسية.
ولا أستبعد فى هذه الحالة أن يعترف بالفضل للذين يكيدون له ويستحضرونه بين الحين والآخر فى وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، فيوجه إليهم رسالة يقول فيها: أشكركم على حسن تعاونكم!