- حين نتأمل آيات الصيام (من الآية 183 إلى 187 من سورة البقرة) نجدها مترابطة الموضوع، باستثناء آية واحدة (الآية 186) وهي قول الله تعالى "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون".
- لكنك عند التدقيق والتأمل تدرك مدى الارتباط بين هذه الآية وبين الصيام، وذلك من ثلاث وجهات:
** الوجهة الأولى: أنها تلفت نظر الصائم إلى منة عظيمة من الله تعالى عليه، وهي منحه دعوة مضمونة الاستجابة في أثناء صومه، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاث دعوات لا ترد دعوة الصائم ودعوة المسافر ودعوة المظلوم" (رواه البيهقي عن أبي هريرة وصححه الألباني).
** الوجهة الثانية: استجابة العبد لربه على مشقة التكليف بالصيام والعبادة هي من شروط استجابة الرب سبحانه مع القدرة المطلقة، لذلك قال الله تعالى "فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون".
** الوجهة الثالثة: لفت نظر المسلم إلى بيان أهمية الدعاء والتذلل إلى الله تعالى ليقبل منه صالح العمل، خاصة الصوم لما فيه من مشقة.
- فقد يعتمد المسلم على بذله وتضحيته ويطمئن للقبول، ويظن أن مثل هذا البذل وهذا التحمل منه لا يمكن أن يرده الله ولا يقبله، لكن العاقل هو من يخاف مقام الله تعالى ويخشى من عدم القبول، كمن يتكلف هدية لعظيم من أهل الدنيا ثم يتوسل إليه في قبولها منه، ولله المثل الأعلى.
- والمسلم الحق يعيش شعور الخوف والخشية من الله تعالى ألا يقبله عبدا له، أما إن انتشى بطاعته فقد أساء الأدب.
** والدعاء عبادة من أحب العبادات إلى الله تعالى، ويكفي في الإشارة إلى منزلته:قول الله تعالى "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" وعبادتي هنا أي عن دعائي والتذلل إلي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدعاء هو العبادة" (أخرجه أصحاب السنن عن النعمان بن بشير).
** أما استجابة الدعاء من الله تعالى فالعباد فيها منازل ودرجات وأحوال: - الحال الأولى وهي أعلاها منزلة: ادخار الأجر المترتب على الدعاء إلى يوم القيامة.
- الحال الثانية وهي تشارك الأولى في المنزلة: الاستجابة بمعنى الالتفات والسماع، وقد يكون من تبعات هذا أن يؤجلك المولى إلى حين؛ لحبه مناجاتك.
ولتقف على حقيقة هذا المعنى في الحال الثانية أدعوك أخي الكريم أن تتأمل حال مراهق خاض تجربة حب جديد، تأمل كيف يتذرع بالحجج الواهية ليطيل أمد الحوار مع من يحب.
وتأمل أيضا حال معجب بشخص مشهور ناداه المعجب في زحام فالتفت إليه وألقى إليه نظرة أو إشارة باليد، تأمل كم تكون فرحته.
- الحال الثالثة وهي أدنى في المنزلة: صرف الشر عن العبد بمقدار دعوته وتذلله إلى مولاه.
- الحال الرابعة: قضاء الطلب، والاستجابة بفعل المطلوب رحمة وشفقة من الله تعالى على عبده، وهذه المنزلة أقل المنازل لأن الرب سبحانه وتعالى ينزل فيها على اختيار عبده حين يرى أنه ربما لا يحتمل العبد صبرا على اختيار ربه له.
** فتأمل أخي الكريم وأنت تدعو الله الكريم كيف استجاب لك، وإياك أن تكفر باستجابته لك فيحرمك القبول، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي" (متفق عليه عن أبي هريرة).