آية في الجزء الخامس، من سورة النساء، موضوعها الأصلي هو بيان الحكم الشرعي فيمن قتل مؤمنا خطأ من المؤمنين.
والآية أثبتت على القاتل خطأ حقين، الأول حق الله تعالى وهو تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، والثاني حق الأولياء وهو الدية المسلمة إلى أهله.
قال تعالى "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما".
وعند التأمل نجد الآية فرضت أحولا ثلاثة للمؤمن المقتول خطأ:
الأولى أن يكون مؤمنا من قوم مؤمنين.
الثانية أن يكون مؤمنا من قوم كافرين معادين.
الثالثة أن يكون مؤمنا من قوم كافرين بيننا وبينهم ميثاق وعهد.
وهنا تتجلى حكمة الله تعالى في توجيه الشخصية الإسلامية:
ففي الحالة الأولى تقدم الآية حق الله تعالى على حق الأولياء، ذلك لأنهم مؤمنون يعظمون حق الله سبحانه ويحترمونه فيناسبهم أن يتقدم حقه سبحانه على حقهم.
ثم يأتي حق الأولياء في الدية المسلّمة إلى أهله، ونلحظ في وصف مسلّمة إلى أهله تأكيد تسليم الدية وعدم الاكتفاء بفرضها حقا وهميا أو مجرد إثباتها بورق وإيصالات، يعني يكون إعطاء الدية حقيقيا وليس فض مجالس، وفي هذا تأكيد للوجوب وعدم التهاون فيه.
وفي المقابل يأتي الاستثناء بقوله تعالى "إلا أن يصدقوا" فيندب سبحانه أهل القتيل إلى العفو، وفي استخدام لفظ "يصدقوا" بيان أن العفو هنا أولى بالمسلم الذي يؤثر ما عند الله تعالى، فيصبر على مصابه ويخفف عن أخيه المسلم ابتغاء رضا الله تعالى، وليدخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "من نفس عن مؤمن كربة من الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة".
وهذه حالة من أرفع حالات التواصل الإنساني التي ينبغي أن يكون عليها الأمة الإسلامية، يسعى من عليه الحق بما عليه لأخيه المسلم، ويعفو صاحب الحق تخفيفا عن أخيه المسلم.
أما في الحالة الثانية، وهي التي يكون المقتول فيها مؤمنا من قوم كافرين معادين، فلم تثبت الآية إلا حق الله تعالى لكون المقتول مؤمنا، "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة".
وليس هنا للأولياء حق لأنهم كفار محاربون، ولا يصح أن يكون لهم على المسلمين سبيل يكون فيه المسلمون في موضع الأضعف، وهذا إظهار لعزة الإسلام مع الكافر المحارب.
وأما في الحالة الثالثة: التي يكون المقتول فيها مؤمنا من قوم كافرين بيننا وبينهم ميثاق وعهد، فقد راعى الإسلام هذا الميثاق واحترمه بصورة راقية أجزم أنك لا تجد مثلها في تاريخ الدنيا، حتى قدمت الآية حق الأولياء الكافرين على حق الله تعالى، ثم لم تستثن بالندب إلى الصدقة.
قال تعالى "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة"، وقدم سبحانه الدية على حقه هنا لسببين، والله أعلم:
الأول إظهار لعدالة الإسلام، وحرص الإسلام على حقوق الآخرين، بل والتعجيل بالحق إن تعلق بغير المسلم لانقطاع أسباب العشم بين الفريقين، بخلاف المؤمنين.
الثاني أنهم قوم كفار لا يدركون أهمية حق الله تعالى، فينبغي مراعاة مبادئهم وأحكامهم فيما لا يتعارض مع صحيح ديننا.
ويأتي الإمساك عن الندب إلى العفو لأنهم أيضا قوم كفار لا يصح أن يستجدوا لحساب مؤمن، فهذا خلاف مقتضى عزة الإسلام.