خمسون عامًا مرت على ذكرى هزيمة الجيوش العربية في حرب الخامس من يونيو 1967، ولا زالت وثائق وأسرار تلك الحرب طي الكِتمان، إلا من بعض ما يُفْرِج عنه الاحتلال الإسرائيلي من وثائق، تروي قصة الحرب من وجهة نظر تل أبيب، فيما يبقى المواطن العربي حائرًا، لا يعرف كيف مُنِيت جيوشه بالهزيمة الأقسى في العصر الحديث.
ومن حسن الظنّ أن بعض قادة الجيش المصري، ممن شاركوا في تلك الحرب قد نشروا مذكراتهم، وفيما اقتصر بعضهم على سرد تجربته الشخصية، فإنَّ آخرين قدموا صورة أوسع لمجريات الحرب، بحكم مناصبهم القيادية، التي أتاحت لهم الاطلاع على المشهد بشكل أكثر تعمقًا وشمولًا.
ومن أبرز تلك الوثائق، مذكرات الفريق أول محمد فوزي، رئيس أركان الجيش المصري في حرب يونيو، والتي حملت عنوان "حرب الثلاث سنوات 1967/1970"، وفيها يروي قصة إعادة بناء القوات المسلحة المصرية عقب النكسة، مخصصًا النصف الأول من الكتاب لسرد الأسباب والعوامل التي قادت الجيش المصري لتجرع الهزيمة الأقسى في تاريخه التليد، راصدًا يوميات الحرب وما سبقها من قرارات وإجراءات.
الفريق محمد فوزي مع جمال عبدالناصر
وفي السطور الآتية، نقدّم يوميات النكسة كما رواها الفريق أول محمد فوزي، بدءًا من يوم 14 مايو 1967، باعتباره اليوم الذي شهد أول تحرك عسكري مصري استعدادًا للحرب.
14/5
- المشير عبد الحكيم عامر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة يصدر توجيهات برفع درجة الاستعداد من "دائم" إلى "كامل"، كما صدرت توجيهات بتعبئة القوات المسلحة المقرر حشدها في جبهة سيناء، على أن يتم ذلك خلال من 48 إلى 72 ساعة.
- لم يتم تنفيذ الأمرين في الوقت المحدد بسبب عدم تدريب القوات عليهما بالجدية المطلوب، فيما تساءل القادة والجنود عن سبب هذا الحشد، فقد قيل مرة إنها مظاهرة عسكرية تجاوبًا مع التهديدات الإسرائيلية لسوريا، وقيل مرة أخرى إنها بهدف الضغط النفسي والعسكري على إسرائيل.
15/5
- صدور أمر تحرك لتشكيلات ووحدات ميدانية كثيرة، منها (الفرقة السادسة)، من المنطقة المركزية إلى مناطق تجميع حول منطقة الحسنة، بوسط سيناء، خروجًا عن الخطة الدفاعية "قاهر"، الخطة الوحيدة المعتمدة لدى الجيش للدفاع عن سيناء، حيث كانت هذه الفرقة مخصصة للنطاق الدفاعي الثاني.
16/5
- صدر قرار نائب القائد الأعلى بتعيين الفريق أول عبد المحسن مرتجى قائدًا للجبهة المصرية مع إسرائيل، وهو منصب غير موجود داخل هيكل القوات المسلحة، ما أحدث ازدواجية بين قائد الجبهة وقائد الجيش الميداني في سيناء.
18/5
- أعلنت مصر إنهاء وجود قوات الطوارئ الدولية على أرضها، وصدر قرار بغلق خليج العقبة، فيما لم تمارس مصر قرار الإغلاق بشكل عملي إلا اعتبارًا من يوم 23/5.
- في مساء اليوم صدرت تعليمات العمليات الجوية لإتمام الضربات الجوية والمظلة اللازمة لوقاية القوات البرية المهاجمة لمنطقة إيلات، وأطلق على تلك العملية اسم كودي هو (أسد 1). كما أعدت قوات الجيش الميداني نفس الخطة لنفس الغرض وأطلقت عليها اسم "فجر" وهي خطة هجومية.
- بهذا التوجيه تم تغيير مهمة الفرقة السادسة مشاة وتم نقلها إلى المحور الجنوبي.
20/5
- المشير عبد الحكيم عامر يزور القوات في سيناء.
- المشير عامر يأمر بتكوين القوة الخفيفة رقم 1، التي ضمت عناصر مختلطة من الصاعقة والمشاة والمدرعات، وأسندت قيادتها إلى اللواء سعد الشاذلي.
22/5
- المشير يأمر بدفع الفرقة 7 مشاة والقوة الخفيفة رقم 1 واللواء مدرع 14 إلى منطقة رفح، كما صدرت تعليمات بدفع قوات أساسية لمنطقة الكونتلا.
- بتلك التوجيهات باتت الخطة قاهر جزءًا من الماضي، وتمت خلخلة الدفاع عن سيناء كليا نتيجة دفع جزء من القوات إلى رفح وجزء آخر إلى الكونتلا، وبذلك تغير الحد الأمامي لخطة الدفاع فأصبح (الكونتلا القسيمة رفح) بدلاً من خط (التمد أم قطف العريش) الذي تحول ليصبح النطاق الدفاعي الثاني.
- نتيجة دفع القوات للأمام، تم استخدام احتياطي الجيش والاحتياطي الاستراتيجي للدخول في صلب النطاق الدفاعي، مما حرم القوات المسلحة من الاحتياطي الاستراتيجي القوي.
- نتيجة تلك التغيرات خلا المحور الشمالي والمحور الأوسط من القوات، وهما المحوران اللذان يتوقع هجوم العدم عليهما، كما جاء في تقدير الخطة قاهر، وهو ما حدث فعلًا.
26/5
- سفير الولايات المتحدة يطلب مقابلة عاجلة مع الرئيس عبد الناصر ناقلا رسالة من الرئيس الأمريكي يطلب فيها عدم البدء بالعدوان على إسرائيل لأن هذا يضر بموقف مصر دوليًا.
27/5
- السفير الروسي يطلب مقابلة عاجلة مع عبد الناصر ناقلا نفس الرسالة من القيادة الروسية، مبررا ذلك بالخوف من انقلاب الرأي العام العالمي ضد مصر.
28/5
- الرئيس عبد الناصر يعلن في خطاب عام أن "الاتحاد السوفيتي يقف معنا في هذه المعركة ولن يسمح لأي دولة بأن تتدخل"، وذلك اعتمادًا على ما نقله إليه وزير الحربية شمس بدران عن المسئولين الروس، وهو ما تبين عدم دقته.
- المشير عبد الحكيم عامر يصدر توجيهًا للقوات بأن الموقف بلغ أقصى درجات التوتر وعلى الجميع توقع اندلاع الحرب ابتداء من 29/5.
- اجتماع منفرد بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، أصدر الأخير عقبه توجيهات جديدة تعدل الخطط السابقة بحيث يكون الدفاع عن سيناء دفاعًا وقائيًا، وإلغاء جميع الخطط الهجومية، بما فيها خطة الهجوم الجوي التي سبق الإشارة إليها.
29/5
- سحب القوة الخفيفة رقم 1 من موقعها في رفح إلى المحور الجنوبي، منطقة بئر المالح، وتم هذا التحرك الغريب نتيجة معلومات خاطئة من المخابرات الحربية عن حشد العدو قوات كبيرة في اتجاه المحور الجنوبي.
- سحب كتبية مدرعة من اللواء 16 وضمها إلى القوة الخفيفة، وبذلك تحولت مهمة اللواء من هجومية إلى دفاعية وهي مهمة لم يكن مدربًا عليها مما أدى لانهياره أمام قوات العدو في يوم 5/6
31/5
- العاهل الأردني الملك حسين يصل القاهرة رغم الخلاف السياسي العنيف مع عبد الناصر، مرتديا زيه العسكري، حيث أبرم اتفاقية دفاع مشترك مع عبد الناصر.
1/6
- إسرائيل تعلن تشكيل "حكومة حرب". وهو ما دفع الرئيس عبد الناصر لتوقع حدوث الحرب خلال أيام مثلما حدث في عام 1956.
- تقرير للمخابرات الحربية يشير إلى أن "مكتب مخابرات العريش أكد عزم العدو الوشيك على القيام بعملية هجومية ضد الاتجاه الجنوبي واحتمال إسقاط جوي جنوب الكونتلا"، وكانت هذه المعلومات خاطئة ومضللة.
2/6
- تقرير للمخابرات الحربية يؤكد أن "إسرائيل لن تقدم على أي عمل عسكري هجومي وأن الصلابة العربية الراهنة ستجبر العدو بلا شك على أن يقدر العواقب المختلفة المترتبة على اندلاع شرارة الحرب في المنطقة".
- الرئيس عبد الناصر يعقد اجتماعًا مع قادة الجيش حيث توقع اندلاع المعارك في 5/6، وحتمية قيام إسرائيل بالضربة الأولى.
- الفريق أول صدقي محمود قائد القوات الجوية يتوقع أن تمنى قواته في تلك الضربة بخسائر ما بين 15 إلى 25 في المائة، ما قد يؤدي إلى "تكسيح" قواتنا الجوية.
3/6
- المشير عبد الحكيم عامر يكلف الفرقة الرابعة مدرعة بالتعاون مع احتياطي المنطقة العسكرية الشرقية بتدمير قوات العدو التي تحاول اختراق النطاق الدفاعي الثاني والعمل في الاتجاهات المقررة في الخطة قاهر.
- تقرير للمخابرات الحربية، نتيجة أول استطلاع جوي ناجح لقواتنا الجوية ظهر يوم 2/6، يفيد أن قوات العدو في المحور الجنوبي لا تتجاوز كتبية نحال وكتيبة أقليات وخلفها لواء ميكانيكي. لكن تلك المعلومات، لم تدفع المشير لتغيير أوضاع القوات التي تمركزت في المحور الجنوبي.
4/6
- المشير عامر يصدر توجيها باحتمال قيام العدو أثناء تقدمه باحتلال منطقة المضايق، ويعطي تكليفًا، هو الرابع في 20 يومًا، للفرقة السادسة مشاة بمواجهته، وكانت هذه آخر تعليمات المشير للقوات البرية، إلا أنها لم تصل إلى القوات بسبب اندلاع الحرب.
- قائد الجيش الميداني يعلن عن زيارة المشير إلى الجبهة في اليوم التالي، على أن يكون في استقباله 28 قائدًا، من رتبة فريق أول حتى عميد، بعضهم يحضر بهليكوبتر للاستقبال.
- قائد الجيش يعطي تعليمات بإجراء ضرب نار فردي للمقاتلين الذين لم يسبق لهم الضرب، كما أعطى تعليمات للقوات بإجراء تدريبات على الهجوم من العمق ومن الحركة حتى مستوى الكتيبة، وهو تدريب لم يتم من قبل.
- وصول اللواء توفيق عبد النبي، الملحق العسكري المصري في باكستان، إلى سيناء لقيادة الستارة المضادة للدبابات، حيث تبين له أن كتبية دبابات ثقيلة وسرية مدفعية ذاتية الحركة وكتبية هاون ثقيل لم تصل، وأن جميع أفراد الستارة من الاحتياطي غير المدرب.
- وصول قائد الفرقة 9 المدرعة المشكلة حديثا، فيما لم تكن وحدات الفرقة قد وصلت بعد.
5/6
- وصول إنذارين قبل بدء الحرب بساعة ونصف، حيث أرسل مكتب مخابرات العريش إشارة في الساعة السابعة صباحًا بتجمع دبابات العدو، وتم عرض الإشارة على المشير عامر، الذي لم يعلق. فيما وصلت الإشارة إلى هيئة العمليات في الساعة 9:40، أي بعد وقوع الهجوم الفعلي.
- الإنذار الثاني وصل من محطة عجلون للإنذار المبكر في الأردن، في الساعة الثامنة صباحًا، وأفاد بوجود موجات متتابعة من مقاتلات إسرائيل تتجه نحو الجنوب الغربي. ولم تستقبل الإشارة في غرفة عمليات القوات الجوية بسبب خطأ شخصي لتغيير شفرة الإشارة.
- الطائرات الإسرائيلية تقصف المطارات المصرية، بينما طائرة المشير عامر تقلع من مطار ألماظة، متوجهة إلى سيناء، فيما صدرت تعليمات إلى جميع المطارات وعناصر الدفاع الجوي بين القاهرة وسيناء بالتوقف عن إطلاق النار في المدة من الساعة 8 إلى الساعة 9 لعبور طائرة المشير.
- الموجة الأولى من الهجوم تستهدف محطات الرادار والمطارات وأجهزة الدفاع الجوي، في سيناء (4 مطارات) وفي منطقة القناة (3 مطارات) وكذلك مطار المنصورة.
- الموجة الثانية تضرب بقية مطارات مصر، وصولا إلى الأقصر ورأس بناس، وهكذا تم تدمير 85% من طائرات القوات الجوية خلال الساعات الأربع الأولى من الحرب.
- 30 طيارًا من قواتنا الجوية يتمكنون من الإقلاع والاشتباك مع المقاتلات الإسرائيلية حيث استشهد منهم 12 طيارا.
- في المساء، قوات إسرائيلية تتسلل إلى وسط سيناء، في منطقة الخاتمية، حيث يمر كابل الاتصالات الرئيسي للجيش، ما فيها محطات الرادار، وقامت بتدميره.
- المشير عامر يأمر قائد القوات الجوية بتنفيذ الخطة الجوية فهد، لكن لم يتم التنفيذ لعدم وجود أداة للتنفيذ.
- الفريق أول محمد فوزي رئيس الأركان يتصل بالقيادة السورية، طالبا تنفيذ خطة قصف مطارات إسرائيل الشمالية، لكن رئيس الأركان السوري أحمد سويدان لم يصدر أي أمر بذلك. كذلك لم تستجب سوريا لطلب مماثل من الفريق عبد المنعم رياض، قائد الجبهة الأردنية.
- قوات العدو البرية تحرك بعد تمهيد من المدفعية والطيران، متجهة صوب مواقع الماسورة، كرم ابن مصلح، ابو عجيلة، القسيمة والكونتلا، مما أدى لارتداد قوات الأمن الى النطاق الدفاعي الأول.
- العدو يهاجم الفرقة 7 مشاة بمعاونة الطيران، حيث استطاع اختراق الجانب الأيسر، وصولا إلى الشيخ زويد في اتجاه العريش، ووصلت 20 دبابة للعدو إلى مدخل العريش في المساء، وبذلك تم حصار وعزل قوات الفرقة السابعة في رفح.
- العدو يهاجم "أم قطف" حيث تم اختراق الخندق 1 و2، لكن القوات نجحت في استرداد مواقعها، فيما عاود العدو الهجوم صباح اليوم التالي حيث تم الاستيلاء على أم قطف.
6/6
- العدو يهاجم القسيمة ، لكنه يفشل، فيما يظهر تشكيل جوي لمساعدة قواتنا، وعاود العدو هجومه في المساء، وفشل مجددًا، ونجحت القوات المصرية في الحفاظ على مواقعها حتى انسحبت منها، متجهة غربا.
- مع سقوط العريش وأم قطف، قائد الجيش الميداني يأمر بالانسحاب إلى النطاق الدفاعي الثاني، الذي يمتد من جبل لبني حتى التمد.
- المشير يطلب من رئيس الأركان إعداد خطة خلال 20 دقيقة للانسحاب إلى غرب القناة، حيث تم وضع خطة للانسحاب خلال 4 أيام و3 ليال. لكن المشير كان قد أعطى بالفعل أمر الانسحاب، وبالأسلحة الشخصية فقط وفي ليلة واحدة.
7/6
- هرولة القوات بالانسحاب إلى غرب القناة.
- قواتنا تدفع كتيبة صاعقة وكتبية دبابات وسرية استطلاع إلى "رمانة" لصد هجوم العدو ودارت معركة يوم 8/6، بمشاركة طائرات العدو ومقاتلاتنا، لكن قواتنا ارتدت إلى القنطرة شرق.
- هيئة العمليات تأمر الفرقة 4 المدرعة بالبقاء في أماكنها بمنطقة المضايق. لكن تبين أن قائد الفرقة كان أول من انسحب وعبر القناة يوم 6/6، ثم عاد صباح يوم 7/6 وتمركز وحده ومجموعة قيادته في جنوب البحيرات.
- اندلع القتال بين قوات الفرقة 4 وقوات العدو.
- في الساعة الثامنة مساء صدرت تعليمات المشير عامر إلى قائد الجيش بارتداد القوات إلى غرب القناة في ليلة واحدة.
- اتصال تليفوني بين المشير عمار والرئيس عبد الناصر، حيث طلب الأول رأي الرئيس في إمكانية الصمود في المضايق بدلا من الانسحاب لغرب القناة، وكان رد عبد الناصر في جملة واحدة: "يعني كنت أخذت رأيي في الانسحاب الأول، وجاي دلوقت تسألني عن المضايق؟"
- المشير يكلف رئيس الأركان بالتوجه إلى الإسماعيلية لوقف انسحاب الفرقة الرابعة المدرعة، وإبقائها في المضايق.
- رئيس الأركان يجتمع مع قادة الجبهة العائدين من سيناء، حيث أجمعوا على عدم جدوى ذلك، وأنه طالما لا يوجد طيران للتغطية فلا مفر من ترك سيناء كلها، وقد انحاز المشير عامر لذلك الرأي.
- القوات الإسرائيلية تصل إلى الضفة الشرقية للقناة، حيث كانت تأسر فقط الضباط بينما تسمح للجنود بالمرور، لعدم إمكانية نقلهم إلى الخلف لكثرة عددهم.
- اكتمال تدمير الكباري المقامة على القناة، قبل عبور الجنود وعودة المعدات الثقيلة، وكانت أكبر قوة دبابات عبرت قبل تدمير المعابر هي 47 دبابة، أما بقية الوحدات فقد وصلت كلها فرادي.
- مشاعر اليأس والهزيمة تسيطر مع مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، والدبلوماسية تبدأ طريقها من أجل طلب وقف إطلاق النار.