لماذا خلق الله الغل إن كان لا يليق بأهل الجنة؟

قال تعالى "ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" (الآية 43 من سورة الأعراف).

معنى الآية إجمالا:

ذكر الله عز وجل في جملة ما أنعم به على أهل الجنة أنه ينزع الغل من صدورهم، والغل هو الحقد الكامن في الصدور، والعداوات، والإحن في القلوب.

فالله تعالى أذهب في الجنة ما كان في قلوبهم من الغل في الدنيا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين" (أخرجه أبو نعيم وابن جرير في التفسير).

"وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" أي الحمد لله الذي أعطانا هذا الثواب بأن يسر لنا أسبابه وأرشدنا وخلق فينا الهداية، ولولا توفيقه إيانا ما اهتدينا.

وهذا من كمال إيمان المؤمن أن ينسب كل خير لله تعالى القاهر فوق العباد والمحيط بكل شيء.

"ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون"، فدخولكم إياها بعملكم الصالح الذي وفقكم الله إليه رحمة منه وفضل، وفي صحيح مسلم "لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة" قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".

ثم بعد الدخول يكون الميراث بأن يرث المؤمنون المنازل التي كانت معدة للكافرين لو آمنوا، وفي الحديث "ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله، ثم يقال يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون، فتقسم بين أهل الجنة منازلهم".

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا خلق الله الغل في نفوس البشر إن كان لا يليق بأهل الجنة؟

والجواب والله تعالى أعلى وأعلم: أن الغل مدعاة إلى الأثرة والتباغض والتنافس فلا يليق بأهل الجنة.

أما في الدنيا فمطلوب منه القدر الذي يضمن التنافس لعمارة الحياة، والقدر الذي يضمن الغضب لدين الله تعالى، فهو كالملح قليله نافع وكثيره ضار، وهذا شأن الغرائز التي خلقها الله تعالى فينا لتتحقق الدوافع لنقوم بوظيفتنا في الحياة.

فالجنس مثلا من الغرائز التي يجب استعمالها بقدر وبحذر لعمارة الأرض على نهج شريعة الله تعالى، فإن خرجت عن هذا الطور صارت وحشا كاسرا يسوق صاحبه إلى الهلاك ويورده العذاب والعياذ بالله تعالى.

 

وكذلك الغل ينبغي للمسلم أن يلجمه تجاه إخوانه في الدين، وأن لا يستعمله للتنافس على توافه الدنيا.

 

إنما المطلوب من المسلم أن يأخذ من الغل معنى المنافسة الشريفة فينافس أهل الدين على العمل الصالح والفوز بالآخرة، قال تعالى بعد أن وصف حال أهل النعيم يوم القيامة "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".

كما أن المسلم مطلوب أن يغضب ويغل على الكافرين المعاندين دينَ الله تعالى، نصرة للدين وإعلاء لكلمة الحق لا عدوانا ولا ظلما.

مقالات متعلقة