قال "تسفي برئيل" محلل الشئون العربية بصحيفة "هآرتس" إنه من المتوقع أن تضغط الرياض على واشنطن بورقة الاستثمارات التي تعهدت بها المملكة مؤخرا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للسير على خطاها، واتخاذ منحا عدائيا تجاه قطر.
ولفت في مقال نشرته الصحيفة الاثنين 5 يونيو بعنوان "الأزمة في الخليج تضع ترامب أمام معضلة غير معروفة"، إلى أنه في هذه الحالة، قد تؤتي المليارات السعودية بمثارها ويدرج ترامب قطر في قائمة الدول الداعمة للإرهاب، الأمر الذي سوف يضطره إلى إخلاء قاعدة العديد الجوية الأمريكية من قطر ونقلها لأية دولة، لاسيما للإمارات.
إلى نص المقال..
قطع العلاقات الفوري بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر والحكومة المعترف بها في اليمن، وبين قطر يضع على عتبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معضلة صعبة.
قبل ثلاثة أسابيع فقط، في قمة الدول الخليجية التي أقيمت بالعاصمة السعودية الرياض، والتي وصلها في زيارته الرسمية الأولى، كال ممثلوه المديح لقطر. في وقت سابق صرح وزير دفاعه جيمس ماتيس بأن العلاقات بين الدولتين جيدة "ويمكنها أن تتطور أكثر".
كان ترامب وإدارته راضين عن عرض الوحدة الذي نظمته السعودية، التي شكلت قبل نحو عام ونصف "التحالف السني" بهدف التصدي للنفوذ الإيراني بالشرق الأوسط والحرب على الإرهاب. كانت قطر حتى الأمس عضو في هذا التحالف، حيث طُردت منه في أعقاب قطع العلاقات.
السؤال الآن ما إن كانت السعودية سوف تستغل الاستثمارات الهائلة التي تعهدت بها لترامب- أكثر من 300 مليار دولار مشتريات عسكرية ونحو 400 مليار دولار استثمارات في البنى التحتية بالولايات المتحدة- في أن تطلب منه السير على نهجها وإدراج قطر في قائمة الدول الداعمة للإرهاب.
إذا ما اتخذت الولايات المتحدة هذا القرار، وحال استجاب ترامب للسعودية، فسوف يضطر لإخراج أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط من قطر ونقلها إلى دولة أخرى، ربما للإمارات. لكن من السابق لأوانه القول إن هذا هو المسار الذي سوف تسلكه السعودية طالما ظل هدفها الحفاظ على التحالف السني وإعادة قطر لصوابها.
بلا شك سيكون لقطع العلاقات تأثير مباشر على الاقتصاد القطري. تشمل القطيعة الدبلوماسية أيضا إغلاق المجال الجوي لمصر وبعض دول الخليج أمام الطائرات القطرية، الأمر الذي سيضر بحركة المسافرين على الشركات القطرية. كذلك سوف يقلص تقييد الحركة البرية إمكانيات استيرادها.
على خلاف معاقبة قطر عام 2014 على يد السعودية والإمارات والبحرين، وقتها فقط سحبوا سفراء بعض دول الخليج من الدوحة، لكنهم لم يفرضوا عقوبات اقتصادية، هذه المرة هي الخطوة الأولى من نوعها، التي لم تسبق دول الخليج أن اتخذتها ضد إحدى أخواتها الأعضاء بمجلس التعاون لدول الخليج.
فُرضت عقوبات وقُطعت علاقات من قبل دول عربية حتى الآن على العراق في عهد صدام حسين وعلى سوريا، التي جُمدت عضويتها بجامعة الدول العربية.
جاءت الخطوة غير المسبوقة بعد تصريحات نُسبت لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تفيد باعتراضه على النهج العدائي الذي تتعامل دول الخليج والولايات المتحدة مع إيران، التي وصفها بأنها "دولة كبيرة تساهم في الاستقرار الإقليمي"، وأن حماس وحزب الله والإخوان المسلمين ليسوا تنظيمات إرهابية بل حركات مقاومة.
أنكرت قطر أن يكون الأمير تفوه بتلك التصريحات، وتزعم أن قراصنة اقتحموا موقع وكالة الأنباء القطرية ووضعوا تلك العبارات. يقول متحدثون ومحللون قطريون إن الحديث يدور عن حرب إلكترونية من نوع جديد، هدفها تشويه سمعة قطر. ويزعمون أنها مؤامرة حاكتها الإمارات ولوبي موالي لإسرائيل يعمل في واشنطن بجانب مسئولين سابقين في الإدارة الأمريكية، أساسها الخلافات السياسية بين الإمارات والسعودية وبين قطر.
حرب التسريبات والاختراقات الإلكترونية أثمرت عن دراما مثيرة للاهتمام، عندما نُشرت أمس سلسلة رسائل إلكترونية متبادلة على ما يبدو بين السفير الإماراتي بواشنطن، يوسف العتيبة، وبين "معهد الدفاع عن الديمقراطيات"، وهو معهد أبحاث تأسس ومُول بما في ذلك على يد شلدون أدلسون وإد برنفمان إلى جانب أثرياء يهود آخرين. وهو معهد محسوب على المحافظين الجدد، أنشئ بعد هجمات 11 سبتمبر، ويحظى بعلاقات ممتازة مع نتنياهو و مسئولين في الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية.
وتظهر الإميلات التي تسربت، أن الإمارات ومسئولي المعهد قد تبادلوا الآراء والأفكار حول الشكل الذي يجب التعامل به مع قطر بسبب دعمها لحماس وإيران.
ويطور السفير العتيبة، الذي يعد إحدى الشخصيات المقبولة والمؤثرة في واشنطن، علاقات راسخة مع جارد كوشنير، صهر تراب ومستشاره الكبير، وهناك تقارير في الماضي عن علاقاته بالسفير الإسرائيلي بالولايات المتحدة رون دريمر.
يسعى هذا الكشف لتحويل الدراما السياسية في الخليج من قطر للإمارات، التي توصف كمن تنسق خطواتها مع إسرائيل، أو على الأقل مع اللوبي الموالي لإسرائيل والمدعوم من قبلها.
هذه التقارير تدفع الإدارة الأمريكية لجبهة غير معروفة كثيرا، يمكن فيها للعلاقات بين الدول الخليجية وبعضها أن تملي سياسات خاطئة.
في الإدارة الأمريكية يدركون أن الاعتماد المطلق على السعودية والإمارات لدفع السياسات الأمريكية بالمنطقة يمكن أن يضر بحقيقة وجود ائتلاف عربي موحد ضد إيران أو بالحرب على الإرهاب.
في هذا السياق لا غنى عن الإشارة إلى أن الكويت وعمان لم تشاركا في الجبهة ضد قطر، في وقت تتسم فيه العلاقات أيضا بين مصر والسعودية بالتوتر على خلفية ما يوصف في مصر بالاحتكار السعودي لإدارة السياسات الإقليمية.
السؤال الآن هو من بإمكانه التوسط بين قطر والسعودية والإمارات، وأي تنازلات ستوافق قطر على تقديمها من أجل العودة لـ"الحضن الخليجي". حاولت الكويت هذا الأسبوع التوسط بين الدول، دون أن تنجح في ذلك حتى الآن.
ربما لن تكتفي السعودية هذه المرة بطرد ناشطي حماس والإخوان المسلمين من الأراضي القطرية، بل سترغب في تعهدات حقيقية أيضا حيال نشاط قناة الجزيرة، الرافعة السياسية الأكثر أهمية لدى قطر، وكذلك الإدلاء بتصريحات واضحة تجاه إيران.
من الصعب في هذه المرحلة التكهن ما إن كانت قطر ستوافق على إغلاق فم الجزيرة أو التنكر لإيران، شريكتها في ملكية أكبر حقل غاز في العالم.
الخبر من المصدر..