"أغلقت الحدود وضاقت الأجواء وأُحكم الخنق.. فماذا بعد؟.. لم يخفَ تساؤل عن مستقبل مجلس التعاون الخليجي بعد العاصفة التي هبَّت ولا يُعرف مداها إلى أين عقب قطع السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر، وما يمكن أن يؤول إليه هذا القطع سواء التصعيد أكثر من القطع أو الرد القطري إزاء الحصار الذي قد يخنقها.
"تحقيق التعاون والتكامل في جميع المجالات، وتوثيق الروابط بين الشعوب، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك وغيرها، ودفع عملية التقدم العلمي والتقني في مجالات الاقتصاد المختلفة عن طريق إنشاء مراكز بحوث علمية، وإقامة مشروعات مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص".. هي أهداف أنشئ من أجلها مجلس التعاون بين دول السعودية وسلطنة عمان والإمارات والكويت وقطر والبحرين، لكنَّ المساعي هذه والطموحات تلك اصطدمت بزلزالٍ، لم تهدأ توابعه بعد.
بدأت الأزمة في آخر أسابيع مايو الماضي، حين نقلت وسائل إعلام سعودية وإماراتية بدايةً ما قالت إنَّها تصريحات لأمير قطر تميم بن حمد، أوردتها وكالة الأنباء القطرية، تحدث فيها عن ضرورة إقامة علاقات جيدة مع إيران ووصف حزب الله بـ"المقاومة" فضلًا عن علاقات جيدة مع إسرائيل، إلا أنَّ الدوحة سرعان ما نفت التصريحات وتحدثت عن اختراقٍ لوكالتها الرسمية، فيما واصلت الأبواق الإعلامية قبل الدبلوماسية حملاتها من الجانبين، حتى بلغت قطع العلاقات.
تخوض الكويت مهمة شاقة من أجل التوصل إلى وساطة تنهي الشقاق الذي ضرب البيت الخليجي، وهي فشلت في الجولة الأولى حين كانت الأزمة في بداية أيامها، وتعلق ذلك بالهجوم العنيف الذي شنَّته الإمارات والسعودية على الإدارة القطرية، سياسيًّا وإعلاميًّا، فوزير الخارجية الكويتي زار الدوحة، وعقب ذلك توجه أمير قطر إلى الكويت، ولكنَّ شيئًا لم يتغير، فالأزمة وصلت على حد قطع العلاقات.
وربما ما يصعِّب الجهود الكويتية أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تقف صراحةً مع موقف الحوار لحل الأزمة، بل تميل أكثر إلى الدفة السعودية الإماراتية ضد قطر، فالرئيس الأمريكي اعتبر أنَّ قرار قطع العلاقات قد يكون بداية نهاية فظائع الإرهاب، وهنا يعني أنَّه مؤيد لذلك.
ويرى أغلب المحللين أنَّه حتى ما إذا نجحت الكويت في التوصل إلى وساطة لإنهاء الأزمة إلا أنَّ الشرخ الكبير الذي أصاب البيت الخليجي يجعل عودته كما كان أمرًا صعبًا، بل يبرهن أيضًا على أنَّ الوحدة الخليجية ليست بالقوة التي أنشأت من أجلها.
مجلس الخليج.. تعاون نظري كبير
نظريًّا، يمثل مجلس التعاون تشكيلًا عسكريًّا مهمًا، فيضم قوات درع الجزيرة المشتركة، وهي قوات عسكرية مشتركة لدول المجلس تمَّ إنشاؤها عام 1982؛ بهدف حماية أمن الدول الأعضاء وردع أي عدوان عسكري، ويقع مقر هذه القوات في المملكة العربية السعودية وتحديدًا في محافظة حفر الباطن بمدينة الملك خالد العسكرية قرب الحدود بين الكويت و العراق.
قوات درع الجزيرة تتألف من فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها وهي "المشاة والمدرعات والمدفعية وعناصر الدعم القتالي"، وتضم القوة التأسيسية لواء مشاة يقدر بحوالي خمسة آلاف جندي من عناصر دول مجلس التعاون.
وبهذه القوة، فإنَّ القدرة القتالية لقوات درع الجزيرة تؤهلها فقط لخوض حرب دفاعية، واستراتيجيًّا تشكِّل قوات درع الجزيرة قيمة استراتيجية محدودة من الناحية الأمنية وهي غير قابلة للتصدي لأي عدوان واسع النطاق، كما يرى محللون.
اقتصاد الخليج.. في الوحدة قوة
اقتصاديًّا أيضًا، فإنَّه بالرغم من جهود التكامل، لم تفلح دول مجلس التعاون حتى الآن في اعتماد عملة موحدة او انشاء سوق مشتركة، في حين ان الاتحاد الجمركي يتقدم ببطء.
إلا أنَّ دول المجلس اتخذت في المقابل إجراءات وقرارات تسمح بحرية التنقل لمواطنيها ولرؤوس الأموال، منها إلغاء تأشيرات الدخول بينها والسماح بتملك مواطني كل منها في أراضي الدول الأخرى، لكن قيودًا لا تزال مفروضة على مئات الأنشطة الاقتصادية، كما أورد موقع " onlylebanon" اللبناني.
وتعتمد اقتصادات الدول الاعضاء الى حد كبير على النفط الذي يؤمن 90% من إيراداتها، وتضخ دول المجلس 17،5 مليون برميل من الخام يوميًّا، أي نحو خمس الإنتاج العالمي و55% من إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".
ولتعويض تراجع إيراداتها النفطية الناجم عن انهيار أسعار النفط التي انخفضت إلى النصف منذ منتصف عام 2014، تنوي دول مجلس التعاون اعتبارًا من 2018 فرض ضريبة القيمة المضافة بـ5%.
وإجمالي الناتج الداخلي لهذه الدول مجتمعة والذي بلغ 1600 مليار دولار في 2012 تراجع نهاية 2016 إلى 1370 مليارا بحسب صندوق النقد الدولي، ويقدر متوسط دخل الفرد في دول مجلس التعاون بـ27400 دولار، وتقدر أرصدة هذه الدول في الخارج حاليًّا بـ2400 مليار دولار.
تبلغ حصة الخليج في التبادل التجاري مع قطر عشرة مليارات دولار، وتقول وسائل إعلام قطرية إنَّها تبلغ 10% من حجم التجارة مع العالم، فالتبادل التجاري أي حجم الصادرات والواردات وإعادة التصدير مع السعودية بلغت نحو 1.9 مليار دولار، ومع الإمارات 7.1 مليار دولار وأغلبه إعادة تصدير، ومع البحرين 700 مليون دولار.
ولم ترد قطر على قطع بالمثل، وإذا فعلت فإنَّ آثارًا اقتصادية ستطال دول مجلس التعاون، فالدوحة مثلًا تزوِّد الإمارات بـ30% من احتياجاتها للغاز عبر أنبوب دولفين، ولمدة 25 عامًا.
ماذا بعد القطع؟
الخبير والمحلل نادر حداد يرى أنَّ آثارًا كبيرة ستطال دول مجلس التعاون الخليجي ذاتها جرَّاء الأزمة الراهنة، فأشار في حديثٍ لـ"فرانس 24"، إلى تبعات مباشرة لقطع دول الخليج لعلاقاتها مع قطر حيث سجَّلت أولى الخسائر على مستوى بورصة الدوحة بعد أن انخفضت قيمة الأسهم القطرية إلى أكثر من 5%، كما وصلت قيمة أسهم بعض الشركات القطرية إلى حدها الأدنى، ولفت أيضًا إلى تأثير وقف الرحلات التجارية بين هذه الدول وقطر ما سيؤثر بشكل واضح على 60% من رحلات شركة الطيران القطرية "قطر آروايز" وما سيتبع ذلك من خسائر ضخمة لهذه الشركة.
وأضاف حداد: "قرار طرد القطريين من هذه الدول سيكون كارثيًّا كذلك لأنَّ الجالية القطرية في دول الخليج ليست جالية اقتصادية من مهاجرين يعملون في قطاعات البناء والتجارة بل هم من المستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب المشروعات الضخمة وبالتالي سيتسبب ذلك في خسائر وتعطيلات هذه الاستثمارات حتى في الدول الخليجية نفسها التي تحتضن هذه المشروعات".
وتابع: "القطريون لديهم أسهم وشركاء حتى في شركات عقارية كبرى كشركة إعمار مثلًا وحتى طيران الخليج ولديهم عقارات في هذه الدول.. وقد يجبرون مثلًا على تصفية أعمالهم وممتلكاتهم في حيز زمني قصير للغاية لا يتجاوز 14 يومًا".
وأوضح أنَّ هذا القرار سيتسبب كذلك في تعطيلات في الموانئ التجارية لا سيَّما ميناء جبل علي الاستراتيجي الضخم في دبي الذي يلعب دورًا حيويًّا في عمليات الشحن في دول الخليج بأكملها وحتى الدول الآسيوية وشبه القارة الهندية.
إعادة ترتيب البيت
ترتيب البيت الخليجي ستتغير حتمًا عقب الأزمة الراهنة، وهو تغييرٌ وإن كان لا يمكن التنبؤ به على الأقل في القريب العاجل، غير أنَّه سيعيد رسم تطورات المشهد، لا سيَّما أنَّه قبل التصعيد الأخير (قطع العلاقات) تمَّ الحديث عن تحرك كويتي لرأب الصدع سريعًا إلا أنَّ الأبواق الإعلامية واصلت هجومها من الجانبين، ما اُعتبر دليلًا على أنَّ المحاولات الكويتية لم تنجح – على الأقل حتى الآن – في إزاحة الخلاف بين الأشقاء.
وبيَّنت الأزمة الراهنة حجم الخلافات بين المعسكر الإماراتي السعودي من جهة، وبين الجانب القطري، فأزمة 2014 لم تشهد قطع العلاقات وغلق الحدود ومنع مرور الطائرات عبر المجالات الجوية ولكن اقتصرت على سحب السفراء من قطر لوقف ما رأته دول الخليج تدخُّلًا من الدوحة في شؤونها الداخلية، وهو ما تمَّ التوافق بشأنه بـ"إعلان الرياض".
إلا أنَّ التصعيد الراهن يكشف بين سطور كواليسه أنَّ الخلافات كبيرة والتباين بين المعسكرين يتضح بشدة وأنَّ توافق الماضي بينهما لم تبنَ أواصره بما يدعم توافق الجانبين، وهو ما تحدَّث عنه مباشرةً مسؤول خليجي لـ"رويترز"، حين قال: "الصبر نفد، والمؤكد أنَّ دول الخليج بقيادة الرياض لن تتساهل على الأرجح في أي انحراف إذا كان متعمدًا، خاصة في المنعطف الحالي في علاقتنا مع إيران".
أعضاء المجلس الستة ليسوا على خطٍ واحد، فالسعودية وقطر والإمارات والبحرين صعَّدت ضد قطر، و"الأخيرة" أعلنت تمسكها بمبادئها وكأنها تعلن عدم تعديل في سياساتها، فيما لم تحذُ الكويت حذو الدول الأربع واختارت أن تلعب دور الوسيط لحل الأزمة، أمَّا عُمان فأبت أن تتدخل، فرغمَّ أنَّ تقارير إعلامية تحدَّثت عن أنَّ زيارة وزير خارجيتها يوسف بن علوي إلى الدوحة قبل يومين هدفت إلى بحث التوصل إلى وساطة إلا أنَّ الخارجية العمانية - كما نقلت "رويترز" - نفت أن يكون لها دور في أي وساطة لحل الأزمة الخليجية، وأشارت إلى أنَّ الوزير بن علوي لم يتحول إلى قطر بهدف التوسط بين الدوحة والعواصم الخليجية الأخرى.
وفي حراكٍ يبرهن ربما القلق على مستقبل مجلس التعاون، استقبل الملك سلمان بن عبد العزيز، الاثنين، في مكتبه بقصر السلام في جدة، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني.
وجرى خلال اللقاء استعراض عدد من الموضوعات المتعلقة بمسيرة العمل الخليجي المشترك، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء السعودية "واس".
كعادة الدبلوماسية، لم يتطرق البيان السعودي بشأن اللقاء عن تفاصيله، إلا أنَّه من المؤكِّد بحث الخلافات الخليجية وما يمكن أن تسفر عنه بشأن المجلس، على اعتبار أنَّه حتى وإذا تم تجميد عضوية قطر في المجلس فإنَّ تغييرات ستطرأ عليه فيما يتعلق بما تقدمه قطر للمجلس سواء ماديًّا أو عسكريًّا.
وتبدو دول مجلس التعاون الآن مصممة وموحدة حول موقف صارم هذه المرة بعد محاولة أولى للضغط على قطر في 2014، حين سحبت بعض دول الخليج سفراءها من الدوحة وقدمت قطر بعض التنازلات لتعود الأمور إلى نصابها بعد ذلك ولو نسبيًّا، وهذه المرة أيضًا ستُطالب قطر بتنازلات جديدة للعودة إلى "الحظيرة" الخليجية، والاقتراب بشكل أكبر من السعودية.
واستدعى الخوف على مستقبل التعاون الخليجي خطوةً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث شدَّد على ضرورة وحدة المنطقة ودور مجلس التعاون في مكافحة الإرهاب، وذلك في اتصال هاتفي مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزير.
وكالة "رويترز" نقلت عن مسؤول أمريكي قوله: "رسالة ترامب كانت أنَّنا بحاجة إلى الوحدة في المنطقة لمحاربة الفكر المتطرف وتمويل الإرهاب.. ومن المهم أن يكون الخليج متحدًا من أجل السلام والأمن في المنطقة".
البيت الأبيض أشار إلى أنَّ ترامب شدَّد خلال الاتصال، على أنَّ مجلس التعاون الخليجي يعد حاسمًا لهزيمة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
اللافت أنَّ التناقض ساد في الموقف الأمريكي في التعامل مع الأزمة الخليجية، فالرئيس ترامب امتدح الخطوة الخليجية بعزل قطر بناء على مزاعم تمويلها للمتطرفين، وكتب في تغريدة على "تويتر" واصفًا هذه الخطوة "بأنها قد تكون فاتحة لإنهاء رعب الإرهاب".
إلا أنَّ البيت الأبيض قال إنَّ الولايات المتحدة كانت على اتصال مع جميع الأطراف في محاولة لحل الخلاف بين حلفاء مهمين لها، كما أشادت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بدور قطر في مكافحة الإرهاب، وقدَّمت الشكر لقطر على استضافتها لأكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط.
وقال المتحدث باسم البنتاجون كشف أنَّ وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس تحدَّث هاتفيًّا أمس الثلاثاء مع نظيره القطري، بعد قطع عدد من الدول العربية لعلاقاتها مع الدوحة، من دون أن يكشف عن أي تفاصيل عما دار في الاتصال.
سيناريو قطري.. ماذا ستفعل؟
أمام قطر سيناريوهان، فهي إما تتراجع أمام الحصار المفروض عليه، وهنا ستكون دول الخليج في انتظار ضمانات من الدوحة لضمان عدم تكرار ذلك، خاصةً وأنَّ الأزمة الراهنة متشابهة بشكل أو بآخر بأزمة 2014، التي شكَّلت إحدى حلقاتها ما قيل إنَّه تدخل الدوحة في شؤون دول المنطقة، وكان الأمر يتعلق أكثر بمصر عقب "30 يونيو".
السيناريو الآخر أن تصعِّد قطر في التعامل مع الأزمة الراهنة، وهنا ستتجه البوصلة صوب إيران أو تركيا، وربما تكون "الأولى" الأكثر خطرًا، وهنا برز ما أوردته "رويترز"، حيث قالت إنَّ قطر تجري محادثات مع إيران وتركيا لتأمين إمدادات الأغذية والماء وسط مخاوف من احتمالات نقص بعد قطع العلاقات.
الوكالة نقلت عن مسؤول رفض نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع قوله: ""نجري محادثات مع تركيا وإيران ودول أخرى"، مضيفًا أنَّ طائرات شحن تابعة للخطوط الجوية القطرية ستنقل هذه الإمدادات.
وأوضح المسؤول أنَّ هناك إمدادات كافية من الحبوب في السوق في قطر تكفي لأربعة أسابيع، وأنَّ الحكومة لديها أيضًا احتياطي استراتيجي كبير من الأغذية.
ربما يمثل هذا السيناريو هو الطرح الأخطر في الأزمة الراهنة، فالتقارب القطري الإيراني أكثر في الفترة المقبلة ستراه دول مجلس التعاون وفي المقدمة السعودية خطرًا، وبالتالي قد يكون الأمر متعلقًا بتصعيد أخطر لا يُعرف إلى أين يصل مداه، لكنَّه سيهدِّد حتمًا بانهيار "التعاون الخليجي"، وذلك لأنَّ المصالح هنا ستتداخل، وبالتالي سيعاد رسم المنطقة من جديد.
ربما أيضًا التقارب القطري مع تركيا يقلق بعض دول مجلس التعاون وإن كانت هي الأصل مرتبطة بعلاقات جيدة في الأساس مع أنقرة، ومدعى ذلك أنَّ قطر متهمة بدعم جماعات مقاتلة في سوريا ومسلحين في اليمن ما يعني أنَّ أزمات المنطقة مهددة للتصعيد، كما ترى الإدارات الخليجية.
غير أنَّ الثابت من خلال التطورات الراهنة أنَّ تغييرات ستطرأ على الخليج في الفترة المقبلة، فاللهجة ضد قطر لم تتغير والضغط والحصار يقع من كل الجهات، ومن ذلك مثلًا قرر النائب العام الإماراتي المستشار حمد سيف الشامسي أنَّ "إبداء التعاطف أو الميل أو المحاباة تجاه تلك قطر أو الاعتراض على موقف دولة الإمارات وما اتخذته من إجراءات صارمة وحازمة مع حكومة قطر سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات أو مشاركات أو بأي وسيلة أخرى قولاً أو كتابة، يعد جريمة معاقبًا عليها بالسجن المؤقت من ثلاثة إلى خمس عشرة سنة وبالغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم طبقًا لقانون العقوبات الاتحادي والمرسوم بقانون اتحادي بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات".
هذه العقوبة تعكس كم الغضب الخليجي إزاء قطر، والتي ترد عليه "الأخيرة" بأنَّها تتعرض لحملة مخططة وغير مبررة، بدءًا من اختراق وكالة أنبائها الرسمية، كما تقول.
تحذير
الكاتب القطري جابر الحرمي حذَّر من أنَّ قرار كل من السعودية والإمارات والبحرين إغلاق حدودها ومجالها الجوي وقطع علاقاتها الدبلوماسية لن يؤدي إلى ضرب قطر ومحاصرتها، بل لتفكيك مجلس التعاون وضرب الوحدة الوطنية بين دوله سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
وقال - في تصريحاتٍ أوردتها وسائل إعلام قطرية: "للأسف هناك مندسون بين دول مجلس التعاون هدفهم ضرب الوحدة الخليجية، حتى من أولئك الذين يرتدون ثيابًا خليجية، لكن قلوبهم مرتبطة بالخارج تعمل ضمن أجندات خارجية، ولديهم وهم بأن تكون لهم السيادة على المنطقة العربية".
وأضاف: "هناك حملة مدبرة ضد قطر بهدف ابتزازها والضغط عليها، وفرض نوع من الوصاية عليها في هذه المرحلة، ومع ذلك فلن تقابل قطر هذه الخطوة بخطوة مماثلة، وقطر تراهن على الرأي العام الخليجي والعربي الداعم لمواقفها".
مستقبل تعاون الخليج
الخبير الاستراتيجي اللواء محمود منير اعتبر أنَّ أزمة قطع العلاقات مع قطر وضعت "الأخيرة" في مأزق كبير، ما يفرض عليها اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهائه.
وقال – لـ"مصر العربية" – إنَّ قطر أمامها مساران للتعامل مع الأزمة الراهنة، الأول الانصياع لما يمكن يعيد العلاقات وذلك بتعديل السياسات ومحاولة رأب الصدع، والثاني أن تعتمد قطر في سياساتها على إيران وتركيا وتسير في سياساتها التي قادت إلى قطع العلاقات.
وأضاف أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي اتخذت موقفًا واحدًا بشأن قطر ما يعني أنَّه قادر على حل نزاعاته الداخلية في منطقة الخليج، مشيرًا إلى أنَّ عمان اتخذت موقفًا محايدًا داخل المجلس ما يعطيها فرصة لتؤدي دور الوساطة لحل المنازعات بالوسائل السلمية، وبخاصةً أنَّها لم تعلن عداءها لقطر، ما يقوي مركزها كوسيط.
أمَّا الكويت، فأشار منير إلى أنَّها أعلنت تأديتها دور الوساطة بعد زيارة أمير قطر لها قبل أيام لجعلها تتخذ موقفًا محايدًا، وهو ما يصب في صالح سياسة محلس التعاون الخليجي باعتبار أنَّ الباب لا يزال مفتوحًا لحل هذه الأزمة، وذلك في حالة قبول الدوحة لتعديل سياساتها.
ورأى أنَّ مجلس التعاون الخليجي اتخذ موقفًا متشددًا، باعتبار أنَّ السياسات القطرية تقوِّض جهود المجلس وتخرج به عن الإطار الذي وُضع له، واصفًا سياسات قطر بـ"العدائية" تجاه دول المجلس وذلك بإيواء معارضي هذه الدول، وهو ما أدَّى إلى هذا الموقف المتشدد.
وأشار إلى أنَّ الإجراءات المتخذة مؤخرًا بإغلاق الحدود البرية وكذلك غلق الأجواء الجوية أمام الطائرات القطرية فضلًا عن استخدام الموانئ البحرية، يعني أنَّ قطر باتت في موقف لا تحسد عليه حسب تعبيره، لا سيَّما أنَّ أغلب المواد الغذائية ترد عن طريق السعودية، وبالتالي فإنَّها ستتعرض لمشكلات داخلية جرَّاء نقص المواد الغذائية بشكل ملحوظ.
وقال إنَّ إيران أعلنت أنَّها جاهزة لمد قطر بالمواد الغذائية، وحدَّدت ثلاثة موانئ بحرية لنقل الشحنات إلى داخل قطر، ما يعني أنَّ قطر قد تلجأ إلى إيران لحل أزماتها رغم العداء الخليجي الإيراني، معتبرًا أنَّ دعم إيران لقطر يجعل الأخيرة أكثر تصلبًا.
وعن تركيا، فأوضح أنَّها أبدت رغبتها في التدخل لحل الأزمة لكنَّه أكَّد أنَّ دورها غير مقبول من بعض الأطراف خاصةً بسبب تدخلها في شؤون بعض الدول، غير أنَّه شدَّد على أنَّ تركيا ستكون أكثر قبولًا من إيران.
قطر – كما يرى الخبير الاستراتيجي – عليها اتخاذ ما تراه مناسبًا لحل هذه الأزمة، حيث أنَّ البقاء داخل مجلس التعاون الخليجي ورأب الصدع داخله هو أفضل خيار بدلًا من الاعتماد على تركيا أو إيران.