مثل كرة لهب تكبر كلما اندفعت في طريقها، ككتلة تنحدر من أعلى إلى أسفل مسرعة دون أن يوقفها أحد، تبدو أزمة قطع العلاقات من جانب السعودية ومصر والإمارات والبحرين مع قطر، مرشحة لمزيد من التصعيد، بحسب خبراء معنيين بملف الأزمة، خاصة مع تأزم مساعي الوساطة من أجل الحل، وموافقة البرلمان التركي على مشروع قانون يتيح نشر قوات في قاعدة عسكرية تركية في قطر، وتحذير الدوحة جيرانها السعودية والإمارات والبحرين من استهداف أية سفن تدخل مياهها الإقليمية بالنار، بحسب ما أورده موقع سي إن إن نقلا عن مصدر عسكري أمريكي.
الباحث في الشؤون الأمريكية والكاتب الصحفي محمد المنشاوي تحدث إلى "مصر العربية" من واشنطن عن مسارات الأزمة وآفاق تطورها في ضوء المستجدات الأخيرة، قائلا:"الصوره غير مستقرة، والتصعيد الكبير والمفاجئ والمخطط له بعناية من المعسكر السعودي لا يترك الكثير للتفاوض عليه".
وأوضح المنشاوي:"عقوبات غير مسبوقة على المستوى العالمي لم تطبق على إيران أو كوريا الشمالية خاصة في التعامل مع الطيران والمسافرين وإمدادات الطعام".
وعن خيارات الدوحة في الأزمة، أضاف :"ليس أمام قطر إلا الصمود من خلال الدفع لوساطة أمريكية، لأن البديل الوحيد هو الاستجابة لبعض أو كل طلبات الطرف الآخر".
وطرح المنشاوي سؤالا:"هل يقبل السعوديون والإماراتيون الجلوس في البيت الأبيض مع تميم وترامب بحثا عن حد وسط؟" وأجاب:"أشك كثيرا، لكن هذا سيتوقف على حجم الضغط الأمريكي عليهم".
وردا على سؤال حول تفاصيل ما جرى في مهاتفة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأمير قطر وللعاهل السعودي، قال المنشاوي: "لا أعرف ولا أحد يعرف تفاصيل ما جرى في المكالمتين، الصحافة الأمريكية تعتمد على بيانات البيت الأبيض".
وعن تبعات القرار التركي بالتدخل العسكري في قطر، رأى الباحث في الشؤون الأمريكية أن الموضوع :"ذو دلالات رمزية أكثر من كونه رادع عسكري"، وعن طبيعة تلك الدلالات، قال:"دولة تركيا دولة إقليمية ذات وزن كبير، إلا أن هناك حدود لتحركها العسكري".
وعما إذا كانت الأزمة تهدد حكم أمير قطر، أجاب:" لا أظن"، وفيما يخص تقييمه للموقف المصري، واصل المنشاوي حديثه بالقول :"مصر ليست لاعبا ذو أهميه في هذا النزاع؛ لها دور تابع فقط".
وعن الرابحين والخاسرين في الأزمة قال المنشاوي:"إسرائيل وإيران.. الباقون خاسرون حتى لو حقق بعضهم بعض المكاسب السريعة لكنها لن تكون مكاسب إستراتيجية".
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية أحمد يوسف أحمد لـ"مصر العربية" :"واضح أن الأزمة لها دوائر متعددة تتسع شيئا فشيئا بحكم أهمية المنطقة وأهمية ظاهرة الإرهاب فيها؛ دائرة خليجية تشير إلى هذا الخلاف الشديد بين السعودية والإمارات والبحرين وقطر، ودائرة عربية، ومصر شريك أصيل في الأزمة بحكم ما تعرضت له من ضرر بسبب السياسة القطرية، ولقطر سياساتها المعقدة التي تحاول نسج شبكة متكاملة للعلاقات الإقليمية مع تركيا وإيران وإسرائيل".
ووصف يوسف قرار البرلمان التركي بالتدخل العسكري، بالهزيل، قائلا:"لا يمكن أن يكون له دور اللهم إلا في حماية النظام القطري من أية احتمالات تهدده، وإيران أيضا تتحرك على الصعيد التجاري والاقتصادي كداعمة لقطر، أما الموقف الأمريكي فمشوش كالعادة، بدءا من تغريدات لترامب تعكس أنه مدرك لطبيعة الأزمة، ثم يتحدث كأنه يدعو أمير قطر للتفاوض".
وتابع يوسف:"الأزمة قد لا تتجه لمزيد من التصعيد ﻷن الإجراءات الأولى كانت تصعيدية واضحة، كإغلاق الحدود، وهو أول عمل من نوعه في العلاقات الخليجية، وربما حتى العربية، فعندما قوطع نظام جنوب اليمن عندما اتهم باغتيال رئيس اليمن الشمالي في السبعينات، لم يجر التصعيد بهذا الشكل، وأنا أتفهم هذه الأزمة في إطار أزمة 2014 حين جرت محاولة ناجحة في تسويتها، ولكن قطر لم تلتزم بها، ﻷن أي تسوية ستتطلب مواقف صريحة من قطر، وأعتقد أن هذا صعب، أن تتخلى عن سياساتها بالكامل، أمر ليس بالهين، وأرى أن احتمالات التسوية ليست قريبة، فالمطالب واضحة وصريحة، والدوحة تعهدت المرة الماضية ولم تنفذ، لذا فالأزمة لن تحل إلا بعد حدوث تنازلات واضحة من النظام القطري ما يعني حدوث انكسار في شرعيته".
وقال أستاذ العلوم السياسية إن ثمة احتمال بحدوث تفاعلات داخل الأسرة الحاكمة في قطر تؤدي إلى تغيير المسار، مشيرا إلى انقلاب والد أمير قطر الحالي على أبيه، وتولي الأمير الحالي للحكم في ظروف غامضة، بحسب تعبيره.
وعن قراءته للموقف المصري، قال يوسف:"مصر اتخذت موقفا مبادرا بكشف الدور القطري، نحن أول من تضرر من سياسات النظام القطري خاصة بعد يونيو 2013، لذا لابد أن تكون مصر في صف المعارضين لهذا النظام، حتى إذا تصورنا جدلا أن هناك تسوية يمكن أن تتم أعتقد أنه لكي تنسحب على مصر لابد أن تتحقق المطالب المصرية بالكامل وأقلها أن هناك محكومين بأحكام قضائية هاربين في قطر لابد من تسليمهم لمصر، وهناك الرعاية المالية والإعلامية للإخوان المسلمين".
وكان مدير مركز الشرق للدراسات الإستراتيجية والسياسية، والباحث في الشؤون التركية مصطفى اللباد قد كتب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك :"تركيا تتخذ موقفا أخيراً وتنحاز لقطر وبرلمانها يرخص لقوات تركية بالبقاء في قطر، وصحافتها تهاجم الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة باعتبارهم دمى أمريك". الموضوع يكبر لننتظر فسنرى".
وعن الخاسرين والرابحين في الأزمة، قال اللباد :"الخاسر الأكبر مما يجري جماعة الإخوان المسلمين بفروعها وتركيا بالإضافة إلى قطر طبعا. التحالف الاوبامي في الشرق الأوسط، الذي ركب الموجة الأولى من "الربيع العربي"، و المكون من الأطراف الثلاثة يأفل وظيفيا وعمليا والرابحون الأساسيون: القاهرة-أبو ظبي-طهران".
وتابع اللباد :"يميل ميزان القوى الشامل لغير مصلحة قطر في هذا الخلاف، لكنها تمتاز عن السعودية والإمارات بانسيابية عملية صنع القرار. في الإمارات هناك توازن بين الإمارات المختلفة وخصوصا بين أبو ظبي ودبي، ولابد من مراعاته في القرارات الكبرى مع التسليم بأرجحية أبو ظبي. في السعودية تتكون الأسرة الحاكمة من آلاف الأمراء وهناك توازنات داخلها وبين فروعها المختلفة، أما في قطر يمكن اتخاذ القرار بقضايا كبرى بسلاسة وسرعة ملحوظة بعقد اجتماع واحد يحضره الأمير الوالد والأميرة الوالدة ورئيس المخابرات والأمير الحالي وانتهى الأمر. المطالب الخليجية من قطر سيبت في أمرها هؤلاء الأشخاص".