"ساعة من ليل آخر تكشف تصعيدًا آخرًا".. اعتادت الأزمة الخليجية الراهنة أن تكون جولاتها التصعيدية في ساعات الليل، بدءًا من نشر التصريحات المنسوبة إلى أمير تميم بن حمد، حتى تصعيد فجر الجمعة، بضم 59 فردًا و12 كيانًا على قائمة الإرهاب.
بيانٌ مشتركٌ من دول السعودية ومصر والبحرين والإمارات، التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، تضمَّن قائمةً بالشخصيات والكيانات القطرية أو التي تؤويها وتدعمها قطر والتي قالت الدول الأربع إنَّها "تشكِّل خطرًا على الأمن والسلم في الدول الأربع وفي المنطقة بنشاطاتها الإرهابية".
قائمة إرهاب
البيان الذي أوردته وسائل إعلام مصرية وسعودية وإماراتية جاء فيه: "القائمة كيانات ومؤسسات قطرية تتستر بالعمل الخيري كشعار بينما هي تحول الملايين دعمًا لجماعات إرهابية وتنظيمات تهدد الأمن القومي للدول المجاورة ودول المنطقة".
وأكَّد البيان "اتفاق الدول التي أصدرته على تصنيف الأفراد إرهابيين والمؤسسات والهيئات إرهابية في قوائم الإرهاب المحظورة لديهم على أن تحدث تلك القوائم تباعًا وتضم 59 فردًا و12 مؤسسة".
وأشار البيان لما أسماه "رفض قطر المتكرر تسليم المحكومين أو التوقف عن دعم وإيواء المطلوبين، رغم تعهدات واتفاقات في 2013 و2014 والطلبات المتكررة".
السيسي والملك سلمان
وذكر البيان: "هذه القائمة المدرجة مرتبطة بقطر، وتخدم أجندات مشبوهة في مؤشر على ازدواجية السياسة القطرية التي تعلن محاربة الإرهاب من جهة، وتمويل ودعم وإيواء مختلف التنظيمات الإرهابية من جهة أخرى".
وتابع: "تجدد الدول الأربع التزامها بدورها في تعزيز الجهود كافة لمكافحة الإرهاب وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، وتؤكد أنها لن تتهاون في ملاحقة الأفراد والجماعات، وستدعم السبل كافة في هذا الإطار على الصعيد الإقليمي والدولي، وستواصل مكافحة الأنشطة الإرهابية واستهداف تمويل الإرهاب أيًّا كان مصدره، كما ستستمر في العمل مع الشركاء في جميع أنحاء العالم بشكل فعّال للحد من أنشطة المنظمات والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي لا ينبغي السكوت من أي دولة عن أنشطتها".
تفاصيل بيان قائمة الإرهاب.. أسماء الأشخاص والكيانات | اضغط هنا
لعل قاسمًا مشتركًا في إجراءات الحصار الخليجي المصري المفروض على الدوحة سياسيًّا على الأقل، هو أنَّ التطورات لا تحدث إلى فجرًا، فالحملة الإعلامية التي تلت التصريحات المنسوبة إلى أمير قطر بدءًا منذ منتصف الليل حتى مطلع الفجر، كما أنَّ إعلان المقاطعة صدر فجرًا، وكذلك إعلان ما تُعرف بـ"قائمة الإرهاب" صدر قبل سويعات الفجر.
أمير الكويت تصعيد جديد.. هل ماتت وساطة الكويت؟
تمثل الخطوة الجديدة (قائمة الإرهاب) جولة تصعيد جديدة، تمثل خنقًا جديدًا على النظام القطري في المرحلة الراهنة، وهي أيضًا تدل على فشل الجهود الكويتية للوساطة لحل الأزمة، فالكويت حاولت منذ الأيام الأولى للأزمة أن تحتوي الموقف في 25 مايو الماضي وهو يوم نشر تصريحات منسوبة إلى أمير قطر، يشيد فيها بالدور الإيراني، ويصف حزب الله بـ"المقاومة"، فضلًا عن أنَّ قاعدة العديد العسكرية الأمريكية جنوبي الدوحة تحمي قطر مما وُصفت بـ"المطامع الخليجية".
عقب نشر التصريحات على وكالة الأنباء القطرية، تحدثت السلطات القطرية عن اختراق تعرضت له وكالتها الرسمية، واعتبرت الهجمة الإعلامية التي طالتها طوال فجر ذلك اليوم هو عمل دُبِّر في ليل.
زار وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد الحمد الصباح الدوحة في بداية الأزمة التي كانت تقتصر فقط على التراشق الإعلامي بين الإمارات والسعودية ومصر من جانب ضد قطر في الجانب الآخر، ثمَّ أجرى أمير قطر زيارةً إلى الكويت، وهناك التقى الأمير صباح الأحمد الصباح.
إلا أنَّ الجهود الكويتية لم تحتوِ الأزمة، فالأمر تصاعد إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وهو قرارٌ اتخذته مصر والسعودية والبحرين والإمارات ثمَّ اليمن وموريتانيا وجزر القمر، واتهمت قطر بـ"دعم الإرهاب"، وهو ما اعتبر أسوأ صدع تشهده المنطقة منذ سنوات.
ضاعفت الكويت ومن ورائها عمان من الجهود والتحركات لرأب الصدع سريعًا، وإعادة الهدوء والاستقرار للبيت الخليجي، فأجرى أمير الكويت زيارات إلى السعودية وقطر والإمارات، وهي تحركات حاول من خلالها لم الشمل سريعًا، وربما تعاملت الدوحة في صف الوساطة، فأمير قطر كان من المفترض أن يلقي كلمةً إلى الأمة بعد ساعات من قرار القطيعة إلا أنَّه أجَّلها استجابةً لطلب من أمير الكويت دعمًا لجهود الوساطة.
إلا أنَّ التصعيد الأخير الصادر قبل ساعات بإدراج الشخصيات والكيانات على قائمة الإرهاب ربما يحمل أكثر من رسالة، منها مثلًا أنَّ الدول التي فرضت القطيعة قد تتحرك بما هو أكثر إذا لم تستجب الدوحة لمطالبها وتحديدًا التراجع عن سياساتها التي تراها الدول الـ4 مهدِّدة لأمنها القومي.
كما يشير هذا التصعيد أيضًا إلى أنَّ جهود الوساطة التي تخوضها الكويت فشلت للمرة الثانية، فإذا كانت تحركات أمير الكويت قد نجحت فكان من الأولى تأجيل أي خطوة تصعيدية ولو مؤقتًا، إلا أنَّ القرار الصادر قبل ساعات، أعقبه حملات إعلامية مكثفة ضد النظام القطري، شبيهة بفجر يوم تلك التصريحات التي نفتها الدوحة.
تركيا على الخط
يرتبط كل ذلك أيضًا بالموقف التركي، ففي البداية تعامل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع كل الأطراف، فأجرى اتصالات مع أمير قطر تميم بن حمد، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي يومٍ لاحقً، أجرى أردوغان أيضًا محادثات هاتفية بشأن الأزمة مع نظيريه الفرنسي إيمانويل ماكرون، والإندونيسي جاكو ويدودو، والملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، والملك الأردني عبد الله الثاني، ورئيسي الوزراء اللبناني سعد الحريري والماليزي نجيب تون عبد الرازق.
فُهم من ذلك أنَّ تركيا قد تلعب دورًا وسيطًا، شبيهًا بالدور الكويتي لتقريب وجهات النظر، إلا أنَّه سرعان ما تبدل المشهد حين صادق أردوغان على قرار البرلمان التركي الذي يجيز تطبيق اتفاقية نشر قوات تركية على الأراضي القطرية.
المركز الإعلامي في الرئاسة التركية أصدر بيانًا ذكر فيه أنَّ الرئيس صادق على قراري البرلمان اللذين يجيز أحدهما نشر قوات مسلحة تركية في الأراضي القطرية، والثاني الذي ينص على تطبيق التعاون بين أنقرة والدوحة حول تعليم وتدريب القوات الأمنية بين البلدين.
لم يخلُ هذا التحرك من تأويل أنَّ شيئًا ما يعد في المكاتب المغلقة، بلغ حدًا قيل فيه إنَّ انقلابًا يمهد له للإطاحة بالأمير تميم أو حتى التدخل العسكري في قطر لإجبارها على التراجع عن سياساتها، وهو طرحٌ كانت دلالته هو الوجود العسكري التركي في قطر.
تركيا تحت القصف
واستدعى هذا الموقف من أنقرة الداعم للنظام القطري أنَّ تتعرض تركيا لحملة هجوم إعلامية، شبيهةً بما تعرضت له قطر منذ بداية أيام الأزمة، فصحيفة "عكاظ" السعودية قالت إنَّ "هناك مخططًا إخوانيًّا مشبوهًا برعاية تركية لدعم قطر"، وتحدَّثت عن أنَّ قيادات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان اجتمعت في تركيا واتفقت على استمرار دعم التنظيم والعمل على مساندة النظام القطري.
صحيفة "الرياض" هاجمت تركيا أيضًا، حيث ذكرت أنَّ "قيادات التنظيم الدولي للإخوان اجتمعوا في تركيا، واتفقوا على استمرار دعم التنظيم الإرهابي ودعم الحكومة القطرية"، حسب تعبير الصحيفة.
تقول دول القطيعة إنَّ أيديها ممدودة لحل الأزمة وتطالب قطر بالتجاوب وتعديل سياساتها، بينما ترى الأخيرة نفسها أمام ما تصفه بـ"هجوم غير مبرر"، وتنفي الاتهامات التي وجهتها لها الدول الخليجية بدعم الإرهاب، وترى نفسها تواجه حملة افتراءات وأكاذيب وصلت حد الفبركة الكاملة بهدف فرض الوصاية عليها، والضغط عليها لتتنازل عن قرارها الوطني، كما تقول وتدافع.
أمير قطر السيناريو الأسوأ
وتكشف تصاعد وتيرة الأزمة الراهنة أنَّ السيناريو الأسوأ لم يظهر بعد لكنَّه غير مستبعد بحالٍ من الأحوال، فيرى محللون أنَّه إذا ما أصرَّت الدوحة على سياساتها الراهنة والتي ترفضها دول الخليج فإنَّ العزلة ستطول أكثر، كما أنَّ التدخل العسكري قد يكون وشيكًا بشكل أو بآخر، وقد يكون تحت عباءة مكافحة الإرهاب حسب محللين، ودلالة ذلك أنَّ الإجراءات الموجهة ضد قطر في المرحلة الراهنة هي في الأساس عقابٌ لها على اتهامها بـ"دعم وتمويل الإرهاب"، وهو الاتهام الذي كثيرًا ما نفته عن نفسها.
ما يدعم هذا الطرح أيضًا يقول محللون إنَّ أي تقارب بين قطر وإيران سيقابل برد من الخليجيين، الذين يعتبرون إيران عدوًا لهم، ويقولون إنَّها تهدِّد أمنهم والمنطقة كافة، وهي أهداف عقدت من أجلها القمة الإسلامية الأمريكية بالرياض، وحضرها الرئيس دونالد ترامب، وقادة وزعماء 55 دولة إسلامية، وهي للمفارقة سبقت الأزمة الخليجية بثلاثة أيام فقط.
المحلل السعودي حمدان الشهري تحدَّث في هذا السياق، فقال إنَّ "قطر دولة صغيرة لن تصمد أمام ضربة واحدة".
الشهري – في حديث تلفزيوني – فسَّر هذا الموقف من قطر بأنَّها تخدم الأجندة الإيرانية، وتدعم ما أسماها "التنظيمات الإرهابية التي تهدِّد المنطقة".
قطر قطر تحت الإقامة الجبرية
الكاتب السعودي خالد المجرشي قال إنَّ البيان المشترك الصادر عن مصر والإمارات والبحرية والسعودية بشأن قطر يضعها تحت الإقامة الجبرية، مشيرًا إلى أنَّ الدوحة الآن أصبحت تعيش في عزلة.
وأضاف في تصريحاتٍ تلفزيونية، أنَّ "الفترة المقبلة ستكشف العديد من عمليات غسيل الأموال التي قامت بها دولة قطر تحت غطاء تنظيم قطر لكأس العالم في 2022".
وأشار إلى أنَّ السعودية تغاضت عن الكثير من التجاوزات التي كانت تمارسها الحكومة القطرية، لافتًا إلى أنَّ البيان المشترك يؤكد فشل الوساطة الكويتية في حل الأزمة مع قطر.
ارتباك
السياسي البحريني سلمان الدوسري يرى أنَّ كافة الإجراءات التي يتم اتخاذها ضد النظام القطري تجعله يمر بحالة ارتباك، لافتًا إلى أنَّه أصبحت هناك حالة من عدم القدرة على الخروج من التعقيدات الراهنة التي اتهم ما أسماها "العقيدة القطرية" بخلقها.
وأضاف - في حديث تلفزيوني: "خروج قطر من هذه العقيدة ليس بالأمر الهين ولن يتم بين ليلة وأخرى، ونلحظ أنَّ قطر اعتمدت على المكابرة والعناد، والدول الخليجية كانت دائمًا ما تحاول كسب شقيتها الصغرى قطر لعدم خروجها من المنظومة الخليجية لكنَّ قطر استغلت هذا الصبر في تعقيد الأمور والمشهد".
القرار الصادر قبل ساعات (قائمة الإرهاب) اعتبره حلقةً من سيناريو هو الأصعب على قطر في المرحلة المقبلة، مدلِّلًا على ذلك بما قال إنَّه تنسيق دولي بين الدول الـ4 (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) والأطراف الأخرى الداعمة لها من أجل اتخاذ خطوات أخرى، وبالتالي تزيد العزلة ضد نظام تميم.
وتابع: "عندما تحالفت قطر مع جماعة الإخوان المسلمين ودول الخليج حذرت وأنذرت لفك هذا التحالف لم تستجب قطر، وجماعة الإخوان هي الأرضية لظهور الجماعات المتطرفة مثل القاعدة وداعش".
ويرى الدوسري أنَّ الأمور لن تعود لما كانت عليه قبل قطع العلاقات، وقال: "كلما تأخرت قطر كلما زادت التكلفة وأصبح الثمن غاليًّا على نظام الدوحة".