«في معظم برلمانات العالم تأخذ مثل هذه القضايا المصيرية جهودا شاقة، ومناقشات حامية وحقيقية، وتصويتا صادقا قد ينتهي بالقبول أو الرفض» هكذا كتب المفكر القومي محمد عصمت سيف الدولة في مقال نشره عام 2010 عن كيفية تصويت البرلمان في أبريل من عام 1979 على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد).
وروى سيف الدولة في مقاله، الذي حمل عنوان "كيف نظر البرلمان المعاهدة بالغة الخطورة"، فقال: إن مصر وقعت مع إسرائيل الاتفاقية في واشنطن في 26/3/1979 وفي الرابع من أبريل من نفس العام وافق عليها مجلس الوزراء بالإجماع في جلسة واحدة، ثم أحيلت بعد يوم واحد إلى لجان العلاقات الخارجية والشئون العربية بمجلس الشعب لإعداد تقرير عنها.
وفي السابع من أبريل اجتمعت اللجنة ودرست واطلعت على 31 وثيقة تتضمن مئات الأوراق والمستندات والخرائط، وفيها ما ينص على نزع سلاح ثلثى سيناء، ثم أصدرت بعد الاجتماع بيوم واحد تقريرها بالموافقة.
وفي التاسع من أبريل 1979 انعقد مجلس الشعب برئاسة صوفي أبو طالب لمناقشة الاتفاقية، ومنح كل عضو مدة عشر دقائق فقط، وفي اليوم التالي أغلق باب المناقشة بعد أخذ التصويت على ذلك بعد حديث 30 نائبا فقط.
وجاءت نتيجة التصويت:
329 عضو موافق
15 عضو معترض
واحد امتنع
13 تغيبوا
في الحادي عشر من أبريل أصدر السادات قرارا بحل المجلس، وبإجراء استفتاء على الاتفاقية وعلى حل المجلس وعلى عشرة موضوعات مختلفة، وفي التاسع عشر من نفس الشهر، تم استفتاء الشعب على المعاهدة دون نشر وثائقها، وبعد الاستفتاء بيوم واحد أعلنت وزارة الداخلية موافقة الشعب على المعاهدة وحل المجلس بنسبة موافقة بلغت 99.5%.
وضمت قائمة من رفضوا المعاهدة من النواب 15 نائبا أبرزهم: محمد حلمي مراد وكمال أحمد وعادل عيد ومحمود القاضي وممتاز نصار وخالد محيي الدين، وقباري عبد الله، وأحمد طه، وأحمد ناصر، وصلاح أبو إسماعيل، ومحمود علي زينهم، وطلعت رسلان، وعبد المنعم حسين إبراهيم، وأحمد محمد إبراهيم يونس، ومحمد كمال عبد المجيد سعد
وبحسب الكاتب الصحفي سعيد الشحات، صمم السادات على إسقاط كل النواب الذين رفضوا المعاهدة، وهو ما جرى بالفعل باستثناء نائب البداري في أسيوط ممتاز نصار «حيث كان إسقاطه في دائرته يعني تحويلها إلى بركة دم».
وقالت الكاتبة الصحفية هبة، كريمة النائب الراحل عادل عيد لـ«مصر العربية»:«والدي رفض مبادرة السلام مع إسرائيل وزيارة السادات للقدس ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية رفضا قاطعا، نواب كثيرون لم يرفضوا الثلاثة أمور، ووالدي كان أول من أكد على الملاحق السرية للمعاهدة ولذلك لم يسمح له السادات بدخول مجلس الشعب مرة أخرى».
وتابعت هبة، وهي تتذكر وقائع ما جرى، :«والدي، الذي يحين عيد ميلاده الخميس المقبل، تم اعتقاله في اعتقالات سبتمبر الشهيرة (اعتقالات سبتمبر 1981 التي طالت كثيرين من معارضي السادات) لأنه كان معارضا شرسا للمعاهدة وتنبأ بكل التداعيات التي شهدتها المنطقة بسببها، كما حذر من خروج مصر من معادلة القوى نتيجة لها، وقال إن المعاهدة كانت حلم إسرائيل الذي منحناه لها بشكل مجاني ودون مقابل».