ثم نكسوا على رؤوسهم.. لماذا يصر المفسدون على العناد؟

تمثال من العصر البابلي

تفكر الفتى في ملكوت السماوات والأرض فاهتدى إلى الله تعالى بفطرته وبعقله، فالخلق أعظم شاهد على وجوب الوجود لله الواحد الأحد.

وعجب الفتى من ضلال قومه الذين يعبدون الأوثان والنجوم والكواكب، ثم يذهلون عن الله الواحد القادر سبحانه، فراح يجادلهم في آلهتهم ليثنيهم عنها إلى الحق، فأبوا ورفضوا وعاندوا.

قرر الفتى الصغير أن يثبت لقومه عمليا عدم جدوى هذه الآلهة المزعومة، فتخلف عنهم في يوم عيد كانوا يخرجون فيه، وتعلل بأنه سقيم، والسقم قد يطلق على المرض البدني حقيقة وقد يطلق على علة النفس مجازا.

وكان الفتى قد توعد آلهتهم من قبل وبلغ وعيده مسامع بعضهم، لكنهم ربما تجاهلوه لاستبعادهم أن يقدم فتى صغير ويتجرأ على آلهتهم بالأذى.

وتخلف الفتى، وأنجز ما توعد به، فآتي الآلهة المزعومة "فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم"، ليجد القوم من يخاطبونه إذا عادوا، ولعل هذه كانت مكيدة محكمة من الفتى.

عاد القوم ووجدوا آلهتهم محطمة، فغضبوا.

والسؤال هنا: ألم يلتفتوا إلى عجز آلهتهم عن حماية نفسها، ناهيك عن أن تحميهم أو تنفعهم أو تضرهم؟

بلى، بالتأكيد راودهم شعور كهذا لكنهم تجاهلوه كبرا أن يعترفوا بالخطأ أمام فتى صغير، أو حرصا على مصالح دنيوية تتوفر لهم باسم هذه الآلهة المزعومة.

فقال القوم: من الظالم الذي فعل هذا بآلهتنا؟

فقال بعضهم: "سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم".

ولأنهم لم يتخيلوا أن يقع هذا من الفتى الصغير إبراهيم، فسألوه: "أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم"؟

"قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون".

"فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون".

وهذا المشهد يجعلنا نجزم بأن سادة المستكبرين الذين يتولون قيادة نسف الخير والتمكين للفساد والشر ليسوا سذجا ولا مغلوبا عليهم، بل هم متعمدون الإفساد لأن في فساد المجتمع مصالحهم ومنافعهم التي لا تستقيم لهم في جو مملوء بالعدل والمساواة ولا عزاء لحقوق البشر.

ومن هنا نعلم لماذا يسعى المفسد في الأرض إلى تقنين إفساده وجعله هو الأصل في المجتمع، حتى ليحاكم من يخرج على قواعد الظلم بتهمة مخالفة القانون.

وهنا يقول إبراهيم: "قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون".

فيكون القرار: "قالوا حرقوه" ليكون عبرة للجميع "وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين".

ويتدارك الله عبده وخليله إبراهيم "قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم".  

مقالات متعلقة