غزوة بدر| بعد النصر.. الغنائم فيها سم قاتل

كانت غزوة بدر نصرا وفتحا للإسلام والمسلمين، ظهر فيها جليا كيف يكون نصر الله تعالى لعباده المؤمنين إن اعتمدوا عليه وأحسنوا التوكل وتجردوا لنصرة الحق والعدل، مهما كانوا قلة، فـ"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين".

 

كما أن فيها درسا للمسلمين لا ينسى، فبعد أن نصر الله المسلمين في ذلك اليوم المشهود يوم الفرقان، وبدأ المشركون في الفرار، وتركوا خلفهم ما يملكون للنجاة بأنفسهم، وكان المسلمون قد انقسموا إلى ثلاثة أقسام: قسم يحمي رسول الله، وقسم يتبع الفارين من المشركين، وقسم يجمع الغنائم.

 

فتنة تلوح في الأفق

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها اختلف المسلمون في توزيع الغنائم، وكان حكم الله لم ينزل بعد في أمرها.

 

ولاحت فتنة بين جموع المسلمين في أيهم أحق بالغنيمة كلها أو الأحق بالنصيب الأوفر على الأقل، فقال الذين جمعوا الغنائم "نحن حويناها وليس لأحد فيها نصيب"، وقال الذين خرجوا في طلب العدو " نحن نحينا عنها العدو"، وقال الذين أحاطوا رسول الله "خفنا أن يصيب العدو منه غرة؛ فاشتغلنا به"، وبدأ الشقاق والخلاف يدب بين المؤمنين.

 

وعذر المسلمين في هذا أنهم لم يختبروا من قبل ولم يمتحنوا بغنيمة الدنيا، فقد كانوا ثلاث عشرة سنة في مكة يذوقون ألوان القهر والتعذيب، وأهل المدينة أيضا حديثو عهد برسول الله.

 

ومع اعتذارنا لهم فإنهم رضي الله عنهم لم يعذروا أنفسهم، فهذا عبادة بن الصامت حال يصف المسلمين حين اختلفوا في أمر الغنائم بعد أن نصرهم الله قائلا: "حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وجعل أمره لرسول الله فقسمه على السواء" (الحديث في مسند أحمد وأسنده الطبري في تفسيره جامع البيان وأورده ابن هشام وغيره من أصحاب السير).

 

القرآن الكريم يعالج الفتنة بالحسم

 

معالجة القرآن الكريم للفتنة كانت في منتهى القوة، وقد تجلت في حسم الأمر ورده إلى حكم الله تعالى ورسوله، ونزعها من أيديهم.

 

** فبدأ القرآن أول ما بدأ بقطع أمل المؤمنين في هذه الغنائم، ليكون جهادهم خالصا للدين وللمبدأ.

 

وهذا والله أول طريق النصر للمبادئ، فإن الناس إن جاهدوا في سبيل غنيمة من منصب أو مال أو غير هذا من متاع الدنيا تشاحنوا حتما وتحاسدوا، وما من شيء يُذهب ريح الجمع مثل التشاحن وفساد ذات البين، والاختلاف على الأموال والمناصب.

فقال تعالى "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" [الأنفال: 1]

 

** ثم بعد أن وعى المسلمون الدرس وثابوا إلى رشدهم وسلموا أمرهم إلى الله وآمنوا به ورضوا بحكمه سبحانه، منّ الله عليهم بحل الغنيمة وبين كيفية تقسيمها، فرضي الجميع.

فقال تعالى "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان" [الأنفال: 41]

 

ولا عيب أبدا فيما فعله المسلمون في هذه الغزوة بحكم كونهم بشرا، يخطئون كما يخطئ البشر، إنما يحسب لهم أنهم حين ذكروا بالله تذكروا، وهذا فارق بينهم وبين غيرهم من أهل الدنيا.

 

درس مستفاد

وهذا درس لأصحاب المبادئ إن كانوا يسعون لهدف نبيل وغاية سامية فيجب أن يتجردوا أولا وقبل أي شيء من مطامع نفوسهم الأنانية، فما من شيء يقتل الغايات كالأنانية، كما أن عليهم أن تكون لهم مرجعية مَرضية من جميعهم تفصل بينهم عند النزاع.

 

وما يصيب المجتمع الذي ينشد تغيير واقعه الأليم شيء هو أشد عليه من اختلاف أهله إذا ما بدت لهم بوادر غنيمة.

 

وإن أعداء الشعوب يلعبون جيدا على هذا العامل النفسي، فتراهم حين يشعرون بقرب نهايتهم يرمون للناس شيئا من متاع الدنيا فيختلفون عليه، فينقمسون فيهون أمرهم، ويبقى المتغلب غالبا بفضل اختلاف أعدائه.

 

فهل يعي أصحاب المبادئ الدرس بعد أربعة عشر قرنا؟!

 

مقالات متعلقة