الاعتكاف.. خير أعمال العشر الأواخر من رمضان

أزف ضيفنا الكريم على الرحيل ولم تُرْوَ الأجساد بعدُ من مائه العذب، ولم تشبع النفوس من روحانياته ولا من فضائله، فمهما أحسنا في استقباله لا نحسب أنا قد نهلنا من معينه ما يرضينا وما نقنع به...

وعزاؤنا أنه بقي منه أفضل ما فيه؛ بقيت لنا العشر.. أيام تزن بركتها الدنيا وما فيها... أيام يفيض الله تعالى من رحماته على خلقه ما تشرأب له رؤوس الشياطين ، أيام من اغتنمها فقد أحرز من السبق أوله ، ومن الجبل الشاهق أعلاه، أيام فيها ليلة خير من ألف شهر...

فلنجبر بهذه الأيام ما كسره التقصير ، ولنعالج بها ما أمرضه الكسل والفتور ، ولندرك بها ما فاتنا من الاستزادة من الطاعة، ولا يأخذنا عنها التأجيل والتسويف؛ فانقضاء الأجل ليس بين يديه نذير ، فلنغتنم في هذه الأيام خمسا قبل خمس؛ «شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» [أخرجه الحاكم في المستدرك]..

وكان سيد الأولين والآخرين، المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أسوة المؤمنين، من أرسله الله رحمة للعالمين – إذا دخل عليه العشر «شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» [رواه البخاري].. يترك الدنيا ويأوي إلى بيت الله معتكفا "يقطع العلائق عن كل الخلائق ليتصل بخدمة الخالق" يتفرغ للصلاة والذكر والدعاء والتلاوة والأعمال الصالحة... ينقطع بذكر الله عن أحاديث الناس فيما يفسد دنياهم وآخرتهم...  

والاعتكاف سنة مطلقة في كل الأزمان، وسنة مؤكدة في العشر الأواخر من الشهر الكريم، فقد داوم صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف إلى وفاته قالت عائشة رضي الله عنها: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ »[متفق عليه]  

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُل رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلمَّا كَانَ العَامُ الذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوماً » [رواه البخاري].  

والاعتكاف يكون في المسجد لقوله تعالى: { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } ، قال القرطبي : "أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد ؛ وذلك لأن الاعتكاف في غيره يفضي إما إلى ترك الجماعة، والجماعة واجبة، والواجب لا يُترك للمندوب، أو يفضي إلى تكرار الخروج إليها كثيراً مع إمكان التحرّز منه بالاعتكاف في مسجد جماعة، والخروج منافٍ للاعتكاف الذي هو لزوم المسجد لعبادة الله تعالى"...  

ويجوز للإنسان أن يخرج من معتكفه بدون عذر، ولا إثم عليه ، لأن الاعتكاف سنة ، والسنة يجوز تركها ، لكن الأفضل إتمام الاعتكاف إذا لم يكن هناك عذر لقطعه..

 

ووقت الاعتكاف يبدأ قبل غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين، فمن نوى اعتكاف العشر الأواخر فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس من اليوم العشرين، أي ليلة الحادي والعشرين، وهذا قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة، ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان. والعشر الأواخر تبدأ بغروب الشمس ليلة الحادي والعشرين.  

وأما وقت خروج المعتكف في العشر الأواخر فاستحب كثير من أهل العلم أن يكون خروجه من معتكفه عند خروجه لصلاة العيد، لكي يصل عبادة بعبادة.

مقالات متعلقة