من سيربح الجنة.. العنكبوت تضع شروط المسابقة

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

خلق الله الإنسان وعرض عليه تحمل أمانة التكليف فقبلها مختارا، وجعل الله تعالى هذا التكليف مشروطا بالجزاء، فهو ليس للتسلية ولا للعبث، بل الأمر جد ليس بالهزل.

والمكلفون، جنا وإنسا، في مسابقة حقيقية إلى الله تعالى، فيها فائزون وفيها خاسرون، يقول سبحانه "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض" ويقول سبحانه "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".

والجزاء المعلن للقاصي والداني إما جنة وإما نار.

الجنة للمتسابقين الفائزين، وهي درجات ومنازل، كل بحسب اجتهاده في تنفيذ شروط الفوز بالمسابقة.

والنار للمتسابقين الخاسرين، وهي دركات ومهاوٍ، كل بحسب تفريطه في العمل بمقتضى التكليف.

والعجيب أن بعض الناس يريد أن يدخل مضمار المسابقة (التكليف) دون أن يخضع لقواعد وشروط الفوز، فهو يرجو الفوز دون أن يختبر.

وعن هؤلاء يحدثنا المولى سبحانه فيقول في مطلع سورة العنكبوت: "الم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" (سورة العنكبوت: 1-3).

وهو استفهام استنكاري لهذا الفهم المعوج، الذي لا يستقيم في أي عقل سليم، فكيف إذن تقوم الحجة على الناس إن هم لم يختبروا.

نعم، سبق في علم الله تعالى من سيفوز ومن سيخسر، ولو حكم الله بين العباد بسابق علمه لما قامت لهم حجة على الله تعالى، ومع ذلك فالله تعالى يقيم الحجة على البشر لأقصى درجة ممكنة حتى لا يبقى قول لقائل.

وقول الله تعالى هنا "فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" معناه أن علم الله الأزلي سيتحقق واقعا لا ريب فيه، فلا يكتفى بعلم الله السابق حجة على العباد بل يكون وقوعه زيادة ومبالغة في إقامة الحجة على الخلق.

ومع ذلك سيكون ناس يوم القيامة من أهل النار "يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون" (المجادلة 18).

وعن هؤلاء الكاذبين يقول تعالى "ومن الناس من يقول آمن بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين" (العنكبوت: 10)

فهؤلاء يخادعون المؤمنين في الدنيا، لكن مَن لهم عند الله تعالى وهو العليم بذات الصدور؟!.

وفي هذه الآية إشارة وأمارة يعرف بها المندسون وسط أهل الحق والجهاد، فتراهم عند المغانم أول الصفوف قائلين "إنا كنا معكم"، وتراهم عند المغارم متخاذلين بحجة أنهم لا قوة لهم على تحمل تضحيات، وربما والسوا في دينهم استرضاء لباطل، ولسان حال الواحد منهم كما وصف الله "جعل فتنة الناس كعذاب الله".

إذن فهذه الآيات تبين بيقين قواعد المسابقة إلى الجنة، وأن الوصول إليها مرهون بالنجاح في الابتلاء والفتنة التي يعرّض الله لها عباده ليميزهم واقعا بعد سبق علم.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن صدقوا فسبقوا وفازوا.  

مقالات متعلقة