"يقول علم الجيولوجيا إنَّ الزلزال يُتبع بارتدادات تُدعى أمواجًا زلزالية.. ربما يحدث ذلك في منطقة الخليج".. لم يستبعد أحدٌ أنَّ العاصفة التي هبَّت على الخليج بين ليلةٍ وضحاها قد تحرِّك صخورًا ورمالًا كما الهزات الارتجاجية للأرض التي تقع فور تلك الظاهرة الطبيعية.. وهنا الحديث عن السعودية وتركيا، وبينهما قطر. مدعى هذا الحديث هو توقع مركز إسرائيلي بأنَّ السعودية ستعاقب تركيا بسبب دعمها لقطر وإرسالها قوات عسكرية إليها، وذلك من خلال تحوُّل موقفها الرافض لتقسيم سوريا إلى الموافقة، وهو ما يمثِّل خطرًا كبيرًا على تركيا بسبب مناطق الأكراد على الحدود السورية التركية باعتبار أنَّ التقسيم قد يكون مقدمة لتمددهم في الداخل التركي.
توقع إسرائيلي.. نبوءة مخزاها مجهول؟
"من أجل الإضرار بالمصالح التركية، السعودية ستتجه إلى تأييد تقسيم سوريا لحل الصراع هناك".. هذا توقعٌ لمركز "يروشليم" لدراسة الجمهور والدولة" الإسرائيلي، الذي رأى أنَّ تحولات جذرية ستحدث على موقف السعودية من الصراع الدائر في سوريا بسبب صراعها مع قطر. المركز - المقرب من دوائر صنع القرار في تل أبيب – أشار إلى أنَّ انحياز تركيا إلى جانب قطر في الصراع الدائر مع السعودية سيغري صناع القرار في الرياض بتغيير مواقفهم من الشأن السوري. وأعاد للأذهان أنَّ السعودية ظلَّت ترفض كل الأفكار المتعلقة بتقسيم سوريا عندما كانت علاقتها مع أنقرة تمر في أفضل أحوالها. المركز - الذي يرأس مجلس إدارته دوري جولد وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلي السابق – أشار إلى أنَّ السبب الثاني الذي يدفع السعودية للسعي للمس بالمصالح التركية في سوريا يتمثل بالتقارب الكبير في العلاقة بين الرياض ونظام السيسي في القاهرة.
تركيا تحت القصف
منذ اليوم الأول للأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر "معسكر المقاطعة" مع قطر، حتى باتت وسائل إعلام تلك الدول بمثابة منصات هجوم، كلٌ يهاجم بما كتبت يداه، إلا أنَّ تركيا فور أنَّ انضمت إلى قطر حتى باتت أنقرة نفسها مستهدفة من وسائل إعلام "رباعي المقاطعة". تجلى الموقف التركي واضحًا في تصريحات لرئيسها رجب طيب أردوغان، فقال مثلًا إنَّ ما تتعرض له قطر لا يتوافق مع الإسلام. وصرَّح - وهو يتحدث أمام اجتماعٍ لكتلته البرلمانية في العاصمة التركية - بأنَّ العقوبات على قطر "خطأ فادح"، وذكر أيضًا: "ليس من الصواب منع وصول الأكل والشرب عن الناس أو عزلهم أو منع سفرهم، هذا لا يتوافق مع الإسلام أو الإنسانية.. قطر لا تدعم الإرهاب بل تحاربه وتحارب داعش ونحن نتعاون معها لتحقيق ذلك". الرئيس التركي ربط بين ما يحدث في الخليج بمحاولة الانقلاب التي تعرض لها في الصيف الماضي وكذلك عملية عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، في إشارةٍ منه إلى أنَّ الهجوم على الدوحة عنوانه الإرهاب، ومضمونه تغيير نظام تميم بن حمد. ورغم ما أبداه أردوغان من دعم وتعاطف مع قطر، سياسيًّا وعسكريًّا أيضًا بإرسال قوات إلى الدوحة، لكنَّه طلب من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، التدخل لإيجاد حل للأزمة الخليجية بعد قطع السعودية والإمارات والبحرين لعلاقاتها مع قطر، واصفًا الملك بأنَّه "كبير الخليج".
أنقرة وأطراف الأزمة
تحاول أنقرة تقريب وجهات النظر، ويبدو - كما يرى محللون - أنَّها تحاول أن يكون لها "اقترابٌ" ما كل أطراف الأزمة تحسبًا لمرحلة ما بعد القطيعة، لكنَّ تركيا تعرَّضت لهجومٍ في الأيام الأخيرة، ربطها بـ"الإرهاب"، كما تُكال الاتهامات إلى الدوحة. لم يتوقف الأمر عند الحرب الإعلامية التي قُصفت بها تركيا، لكنَّ الأمر أعمق من ذلك، يشمل منها الحرب على ساحات أخرى، وبحكم الدمار الهائل بفعل قمع النظام لثورة الشعب على مدار السنوات الست الماضية فإنَّ الساحة السورية قد تكون هي الأكثر جاهزية لتلك الخلافات. اللافت أنَّه وسط كل ذلك، تصر أنقرة على محاولات ما تسميها "الوساطة" من أجل حل الأزمة، فإضافةً إلى اتصال الرئيس رجب طيب أردوغان بأطراف الأزمة، فوزير خارجيته مولود جاويش أوغلو زار الرياض بعدما التقى مسؤولين قطريين في الدوحة، في محاولات ربما تسعى إلى رأب الصدع سريعًا.
الخوف من الأكراد
ويشكِّل أكراد سوريا الخوف الحقيقي للنظام التركي، فالسلطات هناك في الأساس تخوض مواجهة مع حزب العمال الكردستاني ومسلحيه "بي كا كا"، وهي مواجهات أسقطت – ولا تزال – مئات القتلى من الجانبين، وتخشى أنقرة من تمدُّد العناصر الكردية حتى حدودها هي الأخرى. وترى أنقرة أنَّها إذا ما تشكَّلت دويلة كردية في سوريا التي لها حدود معها فإنَّ الخوف من امتدادهم إلى الداخل التركي، وهو ما سيضاعف الصداع المزمن في رأس النظام التركي، وبالتالي فإنَّه لن يقبل بتقسيم سوريا، وربما يكون ذلك ما دعاه في الأصل إلى التدخل في سوريا وإطلاق عملية درع الفرات التي هدفت - كما قالت أنقرة - القضاء على التنظيمات المتطرفة، ومن بينها الأكراد بالتأكيد. وإذا ما وافقت السعودية وسمحت لتقسيم سوريا إلى عدة دويلات فإن ذلك سيكون بمثابة كابوس يفزع منه الأتراك فزعًا هائلًا. ولا يتوقف الخطر والخوف على تركيا فقط، بل يطال السعودية أيضًا، فيرى خبراء أنَّ التقسيم هناك سيضر المملكة ويؤثر على أمنها واستقرارها بل ووحدتها أيضًا، على اعتبار أنَّ السعودية إحدى دول مرسوم لها خرائط تقسيم، تنتظر الوقت المناسب، لترى هي النور وتدخل هي في الظلام، كما يرى المحللون.
التقسيم.. دويلات سورية
ظلَّ الحديث عن تقسيم سوريا يدور في الأشهر الماضية بوتيرة كبيرة، منها مثلًا ما كُشف قبل بضعة أسابيع، تحت مسمى "وثيقة حوران"، التي دعت إلى إقامة إقليم يضم درعا وجبل الدروز "السويداء" والقنيطرة جنوبي البلاد كإقليم مستقل ضمن ما يُسمى "الاتحاد الفيدرالي السوري المستقبلي". مثل هذه المقترحات ترفضها السعودية بشكل قاطع، وتدعو إلى إزاحة رئيس النظام بشار الأسد، ومن ثمَّ الاتفاق على خطوات وآليات تعيد الاستقرار إلى سوريا، وهذا الطرح يتفق مع رؤية أردوغان.
الرياض وأنقرة.. تقارب في وقتٍ ما
أحد الثوابت الرئيسية في العلاقات التركية السعودية أنَّها كانت متقاربة طيلة الأشهر الماضية، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان مثلًا كشف خلال زيارة للمملكة في فبراير الماضي، أنَّ خادم الحرمين الشريفين هو أول من اتصل بيه عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها بلاده في منتصف يوليو الماضي. هذه الزيارة، التي جاءت ضمن جولة خليجية شملت كذلك البحرين وقطر، شهدت مباحثات مشتركة لتعزيز التعاون المشترك والتنسيق في قضايا المنطقة، وفي مقدمتها الأوضاع في سوريا.
وحسب التوقع الإسرائيلي، فإنَّ ما يمكن تسميته "الانقلاب" في الموقف السعودي ضد تركيا، مدعاه أمران، أولهما الدعم التركي للموقف القطري في الأزمة الخليجية الراهنة، وإرساله قوات عسكرية إلى الدوحة، في رسالة بأنَّها تحمي نظام تميم بن حمد إذا ضاقت الأجواء أكثر مما ضاقت، وحال ما أغلقت الحدود أشد مما أغلقت. الأمر الثاني - حسب التوقع - هو العلاقات بين القاهرة وأنقرة، إذ أنَّ نظام أردوغان لا يعترف بـ"شرعية الرئيس عبد الفتاح السيسي" ويدافع عن الرئيس المعزول محمد مرسي - المنتمي إلى جماعة الإخوان، وفي ظل التقارب الحالي بين السيسي والملك سلمان فإنَّ الفرص تتزايد بأن تكون سياسات الرياض ضد أنقرة.
التوقع الإسرائيلي.. ما دلالاته؟
الباحث والمحلل السوري ميسرة بكور استبعد تحقُّق ما ورد في الرواية الإسرائيلية، مؤكِّدًا أنَّ السعودية لا يمكن أن تقبل سواء بقاء بشار الأسد أو تقسيم سوريا. وقال – لـ"مصر العربية": "السعودية تدرك جيدًا أنَّه إذا تمَّ التقسيم في سوريا أو حتى في العراق واليمن فإنَّ الخطر سيصل إلى المملكة نفسها". وأضاف أنَّ خطر التقسيم سيطال المملكة نفسها، واسترشد بما نشر في مراكز دراسات إسرائيلية وصحف غربية من خرائط لتقسيم السعودية إلى خمس دويلات، مشدِّدًا على أنَّ "صناع القرار" في المملكة على علمٍ بهذه الأمور. غير أنَّه لم يستبعد أن تتخذ السعودية خطوات مع الأتراك على صعيد "المناورة"، ضاربًا المثل بمناورات أردنية حينما اتخذت "قبل أيام" قرارًا بتخفيض العلاقات مع قطر وليس قطعها، حيث تركت الباب مواربًا لمناورة سياسية في المرحلة المقبلة. بينما أعاد التأكيد على أنَّ الأزمة الخليجية لن تقود إلى موافقة السعودية على تقسيم سوريا، وشدَّد على أنَّ أنقرة والرياض يجمعهما التوافق على ضرورة رحيل بشار الأسد. بقاء الأسد في السلطة يعتبره بكور خطرًا على النظام السعودي وانكسارة له، واصفًا المملكة بأنَّها "رأس حربة" في دعم الثورة السورية، وأرجع ذلك لما قال إنَّها سيطرة من إيران على إدارة الوضع في سوريا. واستشهد المحلل السوري في هذا الطرح على صورة الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أثناء الصلاة على الحدود السورية العراقية برفقة عناصر من لواء "فاطميون" الشيعي وعناصر أفغانية. رمزية ودلالة هذه الصورة يوضح بكور إنَّها محاولات من إيران لإعادة "الخلافة الفاطمية"، وأنَّ نظرية "أم القرى" بدأت بالتحقق بأن تكون إيران هي قائدة العالم الإسلامي. وأشار إلى أنَّه لا يوجد خلاف واضح وعلني بين السعودية وتركيا، موضِّحًا أنَّه على النقيض من ذلك فقد كان هناك تحالف وتنسيق بين البلدين رغم الخلاف على جماعة الإخوان. تخلي أي تركيا والسعودية عن الآخر يرى بكور أنَّه أمرٌ غير وارد، مؤكِّدًا أنَّ العلاقة بينهما شبيهة بعلاقة تركيا وروسيا باعتبار أنَّ كلًا منهما لا يمكنه التخلي عن الآخر، حيث أنَّ روسيا لا يمكنها الاستغناء عن تركيا والتفرد بالملف السوري وأنَّ تركيا غير قادرة على التخلي عن روسيا والذهاب لما أسماها "الحضن الأمريكي". وأكَّد أنَّ السعودية تعي جيدًا العواقب الخطيرة حيال تقسيم سوريا، وكذا الصدام مع تركيا، ورأى أنَّ الخلاف الخليجي سينتهي حتى وإن اضطرت الدوحة لتقديم تنازلات "لم يحدِّدها".
لماذا التوقع الإسرائيلي؟
يفسر المحلل السوري ما ورد بـ"توقع المركز العبري" بأنَّه تعبيرٌ عن حلم إسرائيلي يسعى إلى تقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة، مشيرًا إلى أنَّ "سياسة الكيان الصهيوني تقوم على مبدأ فرق تسد". وأضاف: "كلما صغرت وتقسمت الدول وأصبحت ضعيفة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا فيصبح التفوق الصهيوني واضحًا لا سيَّما أنَّ جيش الاحتلال هو الأقوى في المنطقة، وبالتالي عندما تقسم تركيا كما هو معد لها وتقسم سوريا يصبح الكيان الصهيوني الأكبر والأغنى ماليًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، وبالتالي يكون بجزء صغير من قواته العسكرية يكون قادرًا على احتلال أي دويلة فيما بعد". بكور أوضح أنَّ "الكيان الصهيوني كان يفكر قبل عامٍ على الأقل لأن تبقى سوريا على شكلها الحالي لكن ضعيفة مهزومة منكسرة، وذلك أفضل لها من أن تكون سوريا قوية موحدة أولًا أو سوريا مفككة مقسمة إلى عدة دويلات متناحرة متنافسة تثير القلق حول هذا الكيان". ورأى أيضًا أنَّ المركز الإسرائيلي فعل كما يفعل الغرب، وذلك بإطلاق بالونة اختبار للتعرف على ردود الأفعال المصاحبة ومن ثم وضع الاستراتيجية المناسبة لذلك. ووضع المحلل السوري فرقًا بين إسرائيل وإيران، فقال إنَّ "الأخيرة" تؤمن بالسيطرة المكانية بمعنى أن تخضع لها الأرض بشكل مباشر، أمَّا تل أبيب فقد اكتفت في المرحلة الحالية بفلسطين، ويعتقد أنَّه عبر أذرع له هنا وهناك أو من خلال حكومات أو ناشطين فيمكنه تمرير سياساته دون الحاجة إلى السيطرة العسكرية.