لا تراهنوا على الرئيس

أحمد الصاوي

منذ أن أنهى مجلس النواب اتفاقية ترسيم الحدود المعروفة عند الناس باتفاق «تيران وصنافير»، فى أقل من 3 أيام وعبر مشهد مخجل بكل ما تعبر عنه هذه الكلمة، والأنظار والمناشدات والمكاتبات والمذكرات تتجه للرئيس.

لن تصبح الاتفاقية نافذة قبل أن يوقع الرئيس على القانون المرفوع إليه من برلمان «عبد العال»، وينشر قراره فى الجريدة الرسمية، ولأن هناك خطوة واحدة باقية على إنزال العلم المصرى من أرض الجزيرتين المرتبطتين على الأقل بتاريخ مصر القريب جداً باعتبارهما جزءا رئيسا من معارك جيش مصر ضد إسرائيل طوال 60 عاماً على الأقل، خرجت مناشدات ترجو الرئيس أن ينتظر حتى يصدر حكم المحكمة الدستورية عن المسألة المعروضة عليها فى شأن اختصاص القضاء الإدارى فى نظر الاتفاقية، ومصير حكم المحكمة الإدارية العليا حولها، أو تطلب منه أن يلجأ للاستفتاء، وأن يلقى الكرة إلى ملعب الشعب ليتحمل مسؤوليته بإقرار موافقة البرلمان أو إلغائها، أو يذهب للتحكيم الدولى.

الرئيس إذن هو الرهان الأخير.. فهل هو رهان حقيقى أم أن المعارضين للاتفاقية يحاولون الإشارة إلى ضوء خافت فى نهاية نفق مظلم، وهم يعلمون أن الاجتهاد حتى الوصول إليه سيثبت بلا شك أنه السراب.

الرئيس لن ينتظر حكم الدستورية، ولن يلجأ للاستفتاء أو التحكيم الدولى.. هذه ليست معلومات من مصادر مقربة أو غير ذلك، وإنما هى القراءة الطبيعية للمواقف المعلنة للرئيس والدولة وأجهزتها التى تتحرك بموافقته، وهى قراءة لا تحتاج لقارئ متخصص أو مجتهد، وإنما لأى عابر سبيل مثلى يدرك مثلما يدرك مناشدو الرئيس أن البرلمان انحاز وبوضوح لإرادة الرئيس.

قبل أن تعرف رأى مجلس النواب وأعضائه فى الاتفاقية، وتحديداً فى أمر الجزيرتين بعام كامل، وقبل أن تعرف رأى وموقف الفريق شفيق وغيره من العسكريين السابقين «المنشقين» عن الاتجاه الرسمى، عرفت رأى الرئيس وموقفه الذى أفصح عنه بعد أيام قليلة من توقيع الاتفاق حين ظهر مقتنعاً تمام الاقتناع بأن الجزيرتين ليستا مصريتين، ومدافعاً عن ذلك.

حسناً.. رئيس يؤيد الاتفاقية.. تأتيه موافقة برلمان على الاتفاقية التى يؤيدها، لماذا يوقفها أو يؤجلها وقد تحقق له ما أراد؟!.

يعتقد رئيس البرلمان أن أحكام القضاء والعدم سواء، ويعرف رئيس الجمهورية مسبقاً أن حكماً صدر من أعلى محكمة إدارية، وأن المحكمة الدستورية تنظر الأمر، لكن ذلك لم يوقف أمر عرضها على البرلمان، وقد يستطيع بسهولة وقف ذلك مثلما تم وقفه شهوراً فى فترة توتر العلاقات مع السعودية، فلماذا يناشده البعض بانتظار المحكمة الدستورية، وما الفارق بين المحكمة الدستورية والمحكمة الإدارية لدى سلطة معروف تماماً ذهنيتها عن أحكام القضاء إذا لم تأت مؤيدة لمواقفها؟.

من يناشدون الرئيس أيضاً باللجوء للاستفتاء الشعبى، بأى منطق يفعلون ذلك؟ وهم يرون الشعب خارج الحسابات تماماً، وجزء من أزمة الجزيرتين هو هذا الاستبعاد المسبق للشعب وهذا الإخراج الردىء للمسألة فى اتجاه مفاجأة الجميع ثم فرض الإرادة، وإذا كانت الدولة كلها ضاقت ذرعاً بنواب البرلمان وفشلت فى إدارة حوار حقيقى يسمح بالفهم تحت قبة البرلمان، فهل يمكن التعويل عليها فى إدارة استفتاء يعترف بأن هناك شريحة عريضة رافضة للاتفاقية؟.

وكيف يناشدونه بالذهاب للتحكيم وهم يعرفون أنه كان خياراً مبدئياً ورئيسياً أمامه من البداية ولم يختره؟.

الرئيس هو صاحب أوضح موقف فى هذه المسألة، فإذا كان موقفه وقناعاته وإرادته وقراره معلنا للجميع فكيف يُمكن مناشدته باتخاذ إجراءات ضد ما يُعلنه ويقتنع به؟.

هل المسألة فقط فى إقناع الجماهير المعترضة بأن القضية لم تنته والجولة لم تحسم وسقف الآمال مازال مرتفعاً، ومازال هناك إجراءات وخطوات يمكن مواصلة النضال فيها ثم تهبط آمال الناس إلى لا شىء ليذوقوا مرارة جديدة؟.

هذه الجولة انتهت، على الأقل حسبما تقول القراءات الطبيعية للمواقف المعلنة، ومن الأفضل للمعارضة أن تُقر بذلك الآن، وتقول لأنصارها إنه ليس عند السلطة رئيس وحكومة وبرلمان وأجهزة ومؤسسات ما يمكن الرهان عليه حالياً. وأن تفتش لنفسها عن رهانات أكثر منطقية.. لي

كون ذهاب الجزيرتين بداية جديدة لها وليس نهاية لكل شىء.. وفى ذلك حديث آخر.

ــــــــــــ

نقلا عن المصري اليوم

مقالات متعلقة