على مقعد حديدي متواضع يجلس الرجل السبعيني بابتسامة صافية لم يتخل عنها إلا نادرا، في إحدى طرقات نيابة النزهة التي وجهت له تهم ثلاث من بينها إهانة رئيس الجمهورية بعدما ألقت قوات الأمن القبض عليه فجر الخميس الماضي على خلفية موقفه الرافض للتنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير".
يلتف المحامون الذين تقدمهم المحامي الشهير والمرشح الرئاسي السابق والمحتمل حاليا خالد علي حول كمال خليل القيادي العمالي البارز الذي بدا هادئا بينما الجميع قلقين ينتظرون قرار النيابة التي أخلت سبيله عصر الجمعة بكفالة 2000 جنيه بعدما وردت إليها تحريات الأمن الوطني.
لا أحد يستطيع التكهن بما تضمنته تحريات الأمن الوطني التي تسلمتها النيابة في سرية تامة، غير أن ساحات الفضاء الاليكتروني الفسيحة نشرت تحريات علنية عن كمال خليل الذي رافقهم في كل المعارك الوطنية التي خاضوها ،ودفع ثمنها أكثر من 15 مرة اعتقال في عهود مختلفة.
ينحاز خليل الناشط اليساري و القيادي العمالي في مواقفه الوطنية لمن لا صوت ولا قوة لهم سوى مطالبهم العادلة في حياة كريمة، فعلى مدار عقود تضامن مع العمال في معاركهم، فكان المتهم السادس في انتفاضة الخبز عام 1977 وكانت له مواقف ضد عبد الناصر والسادات في مقتبل شبابه.
مواقف خليل ضد مبارك كانت بلا مواربة تقريبا، صريحة رددها في أكثر من مناسبة قبل ثورة يناير بسنوات عدة "الشعب يريد إسقاط النظام" ولم يكن الحال مختلفا كثيرا في عهد المجلس العسكري الذي كان يرفض الحوار إلى الحد الذي اعتبر مجموعة من ائتلاف شباب الثورة في صورتهم الشهيرة مع بعض أعضاء المجلس العسكري إنها كتلة راديكالية تجاوزتها الجماهير التي تطالب بتغيير جاد و جذري،بحسب ما قاله في أحد مقاطع الفيديو في 2011.
لاحق الإخوان المسلمين بهتافاته حتى عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، لكنه التزم الصمت في وسائل الإعلام إبان عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي و اكتفى بالتدوين على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والندوات التوعوية و العمالية وصريحة قالها بعدما بلغ عامه السبعين "تيران وصنافير مصرية"أمام نقابة الصحفيين و المتظاهرين يرددون خلفه كما اعتادوا عليه دائما.
انحيازات خليل الذي كان عضوا في اللجنة الوطنية للطلبة عام 1972. لم تتشكل بمحض الصدفة لكنها نشأت معه في حارة سيدي الأربعين بداير الناحية بحي الدقي تلك الحارة الفقيرة التي لا يتوافر لقاطنيها أدنى مقومات الحياة بينما تجاورها أحياء يسكنها الأغنياء كما سماهم خليل في كتابه حكايات من زمن فات "أولاد الذوات".
يؤمن خليل بحق الشعب في امتلاك وسائل إعلام بعيدا عن سيطرة الدولة ورجال الأعمال وضمان وصول الحقيقة مجردة للجمهور والمشهد مكتمل دون زيادة أونقصان و تلافي ما ما حدث من تغييب للجماهير في نكسة 67 و انتفاضة الخبر و إبان ثورة الخامس و العشرين من يناير.
القيادي العمالي يرى أن التظاهرات والإضرابات العمالية المطالبة في ظاهرها بمطالب اقتصادية هي في الأصل حقوق أصيلة للعمال إلا إنها تحمل أهداف سياسية بعيدة ـإذ يرى أن انتفاضة 77 مهد لها العمال باضراباتهم في 1976 و كذلك ثورة الخامس و العشرين من يناير التي سبقتها عدد كبير من الإضرابات العمالية.
لذلك يرى خليل الناشط اليساري البارز مؤسس حزب العمال الديمقراطي ضرورة التحام الجماهير و تضامنهم بكافة فئاتهم من عمال وطلاب و موظفين في مواقفهم الوطنية ومطالبهم الاقتصادية وحقهم في حياة كريمة عادلة للجميع.
"سامع صوت المكن الداير بيقول بس كفاية مذلة ،نفس الصوت اللي في حلوان بيقول شدي الحيل يا محلة، مصر يا أم ولادك أم ولادك أهم دول علشان شالوا الهم، دول يفدوكي بالروح والدم"هذه الهتافات الشهيرة التي لازال المتظاهرون يرددونها تلقائيا في أية تظاهرة من تأليف كمال خليل بحسب ما قالته الكاتبة الصحفية إكرام يوسف في لقاء تليفزيوني مع الإعلامي يسري فودة في 2012 .
لدى خليل الذي تخرج في كلية الهندسة عام 1976 قدرة خاصة على قيادة الجماهير الغاضبة،إذ يستطيع توجيههم بسهولة من خلال هتافاته الجذابة المناسبة لمشاعرهم ، ويستطيع التجاوب معهم بسلاسة.
يقول عماد عطية أحد رفقاء خليل في العمل الطلابي في السبعينات:”سنة 1972 كنا خارجين مظاهرة منالجامعة و الأمن المركزي كالعادة قافل طريقنا المعتاد فكرنا نعمل مفاجأة و نمشي من شارع الجامعة لميدان الجيزة و طبعا اللي يقدر يغير اتجاه المظاهرة هو صديقنا المبدع كمال خليل أول ما خرجنا للشارع هتف "يا بلدنا يا عزيزة يلا بينا على الجيزة " و احنا طبعا رددنا وراه و قد كان".
ويستطرد عطية على صفحته على موقع "فيس بوك":”من ضمن الهتافات كان بيقول سيد بيه يا سيد بيه كيلوا اللحمة بقى بجنيه فواحد من الطلاب الفتكين قالوا بجنيه و نص يا كيمو فورا تجاوب المبدع كمال خليل يا بن بلدنا اتفرج بص كيلوا اللحمة بدنيه و نص".
استحق خليل لقب "مؤذن الثورة" كما أطلق عليه زملاره ورفقاء النضال و تلاميذه، إذيقول الروائي سعد القرشي في مقال له في 2014 بجريد العرب :”كل من نال حظا من الثورة، وما قبلها من احتجاجات ومسيرات، يطمئن على المظاهرة في وجود كمال خليل، بقدرته على ابتداع الهتاف الموجز الجاذب، خفيف الظل دائما، ويمنح طاقته ووقته لما يراه حقا وعدلا”.