"جزيرتا مصر الضائعتان..عار السيسي"
تحت هذا العنوان، خصصت الكاتبة الدكتورة أهداف سويف مقالا بصحيفة نيويورك تايمز حول تصديق الرئيس السيسي على اتفاق يمنح المملكة السعودية ملكية تيران وصنافير.
وإلى النص الكامل
هذا الشهر، وصلنا إلى مستوى جديد في تلك الدوامة التي نعيش فيها بمصر منذ يناير 2011.
وفي 11 يونيو، أخلت القوات الأمنية المنطقة المحيطة بمبنى البرلمان المصري، تزامنا مع بداية مناقشة مجلس النواب اتفاق التنازل عن تيران وصنافير للسعودية.
وبعدها بثلاثة أيام، صوت البرلمان بالفعل بالتنازل عن الجزيرتين.
وسبق التصويت مجموعة من الاعتقالات في أرجاء مصر شملت نشطاء معروفين وآخرين، وبدأت قبل التصويت بثلاثة أسابيع ثم تصاعدت وتيرتها مع اقتراب القرار البرلماني.
وهرع المحامون لفحص أسماء المحتجزين، ونفذ متطوعون ترتيبات لتقديم طعام لهؤلاء القابعين في السجون، وجمع آخرون أموال الكفالات.
وحاول كافة الضالعين في الأمر استمرار التركيز على القضية الجوهرية: “الجزيرتين".
ودخلت قضية تيران وصنافير بؤرة الأحداث كونها تجسد العديد من أهداف الصراعات التي تؤرق مصر اليوم.
لقد بدأ الأمر منذ ما يتجاوز قليلا العام، وتحديدا في أبريل 2016، عندما تفتقت زيارة الملك سلمان للقاهرة عن سلسلة من الاتفاقيات بقيمة إجمالية تتجاوز 20 مليار دولار.
وفي نفس الوقت، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه قرر تسليم الجزيرتين المطلتين على البحر الأحمر إلى السعودية.
ومن أجل تفسير قراره، قال السيسي إنه يؤمن بأن الجزيرتين مملوكتان للسعودية، وكانتا فقط تحت الإشراف المصري لحمايتهما، مشيرا إلى أن والدته ذكرت له أنه لا ينبغي له أخذ أي شي ء ليس من حقه.
وتقع الجزيرتان شرق شبه جزيرة سيناء في النهاية الشمالية للبحر الأحمر.
تيران، الجزيرة الأكبر بينهما، تبلغ مساحتها حوالي 30 كم مربع، وتبعد نحو 5 أميال فقط من ميناء شرم الشيخ.
البحر المحيط بالجزيرتين غني بالصخور المرجانية والحياة البحرية، مما يجعله مقصدا مألوفا للغواصين والسياح.
لكن الجزيرتين أيضا تمتلكان أهمية إستراتيجية لأنهما تتحكمان في خليج العقبة، على امتداد الحدود الشرقية لمصر.
وفي أقصى شمال خليج العقبة، يقبع ميناء إيلات الإسرائيلي، الذي كان ذات يوم مصريا يحمل اسم أم الرشراش.
وفي حربي 1967 و1973، غزت إسرائيل تيران وصنافير، لكنهما عادتا مجددا إلى مصر مرتين ، الثانية بموجب معاهدة 1979 التي أعقبت اتفاقية كامب ديفيد.
وتم نشر مجموعة صغيرة من قوات حفظ السلام معظمهم مصريون وأمريكيون على تيران.
يذكر أن كلتا الجزيرتين ليستا مأهولتين بالسكان.
لم يعر أحدا الكثير من الاهتمام لعبارة الرئيس "والدتي أخبرتني".
هل تم بيع الجزيرتين؟ هل أقدمت الحكومة على بيع أجزاء من الوطن لدولة أخرى؟ الدستور ينص على أنها لا تستطيع فعل ذلك، وتدعي الحكومة أنها لم تفعل ذلك الأمر.
المحامون الممثلون لحوالي 300 مواطن سألوا مجلس الدولة لإصدار حكم بشأن مصرية أو سعودية تيران وصنافير.
وانهالت وثائق من حول العالم تمتد زمنها لقرنين من الزمان على مكاتب المحامين، وعُينت محكمة إدارية لجنة لفحص هذه الأوراق.
وفي يونيو 2016، أصدرت االمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة حكما مفاده أن تيران وصنافير مقطوع بمصريتهما بما لا يدع مجالا للشك.
وعندما استأنفت الحكومة القضية، أعادت المحكمة الإدارية العليا تأكيد حكمها المذكور، فيما يعد حكما نهائيا وباتًا.
وكان ينبغي أن تنتهي المسألة عند تلك النقطة، لكن حكومة السيسي فعلت أمرا غريبا، حينما أخذت القضية إلى محكمة أدنى، والتي تقرر قضايا روتينية مثل النفقة، والتي حكمت ببطلان حكم المحكمة الإدارية العليا، مما يعني ذهاب القضية للمحكمة الدستورية.
لكن دون انتظار المزيد من المحاكمات لتسوية النزاع القضائي، همشت الحكومة القضاء وأخذت المسألة إلى البرلمان.
عدد كبير من نواب البرلمان ينتمون إلى أحزاب أو تكتلات انتخابية أنشأتها مؤسسات أمنية واستخبارية قبل زهاء 3 سنوات استعدادا للانتخابات البرلمانية.
وحدثت مشادات داخل البرلمان حيث صرخ نواب معارضون في زملائهم المشرعين قائلين إن مجرد مناقشة القضية تمثل خيانة.
ومرارا وتكرارا، طلب معارضو التنازل عن الجزيرتين الحديث لكن لم يسمح لهما بذلك.
كما رفض طلبهم بالتصويت عبر مناداة أسماء النواب.
وفي اليوم الرابع، في ظل حالة من الفوضى، مرر البرلمان الاتفاقية وانتقلت الجزيرتان إلى السعودية في تصويت غير مسجل.
لماذا هذا الحرص الشديد من الرئيس على التنازل عن هاتين الجزيرتين اللتين تمتلكان قيمة إستراتيجية لدرجة تدفع الحكومة إلى ازدراء القضاء والدستور والبرلمان؟
هل الأمر ببساطة معركة معركة إرادة كان يتعين على السيسي الفوز بها لإظهار أنه ما من شي ء يستطيع إيقاف ما أراد؟
هل حدث ذلك لأن الحكومة وجدت نفسها في غمار صفقة لم يكن يمكنها التراجع عنها دون وضع أي اعتبار للشعب؟
تسليم الجزيرتين إلى السعودية يجعل المملكة جزءا من اتفاقية كامب ديفيد، لوضع تفسير لتقاربها المتنامي مع إسرائيل.
وحتى هذه اللحظة، فإن علاقات السعودية مع إسرائيل تتسم بالسرية إلى حد كبير، إذ أن إعلان ذلك لن يلقى قبولا شعبيا على المستوى الداخلي للمملكة.
والآن، ثمة احتمال بإعادة تنظيم المنطقة بما يتضمن التحالف ضد إيران الذي سوف يشمل إسرائيل ويرغب القادة السعوديون في أن تكون الروابط الجديدة علنية وإظهارها بأنها ضرورة بمقتضى الاتفاقية.
الخطر بالنسبة لمصر يتمثل في أنه بالرغم من أن اتفاقية كامب ديفيد تنص على أن مضيق تيران ينبغي أن يظل مفتوحا لحركة الملاحة، لكن ذلك يرتبط بأوقات السلام والملاحة "حسنة النوايا". وإذا بقيت مضيق تيران تحت السيطرة المصرية، تستطيع مصر إغلاقه وقت الحرب، أو في حالة اشتباهها في نوايا عدائية.
انتقال الجزيرتين إلى السعودية، يجعل المياه بين الجزيرتين ومصر دولية بدلا من كونها مصرية، مما يجعل ساحل سيناء عرضة تماما للهجوم.
وعلاوة على ذلك، فإن النزاع بشأن الجزيرتين يحدث في سياق خلفية مظلمة بمصر.
ويشعر معظم المواطنين بتهديد على حياتهم ومعيشتهم على مدى عقود، لكننا نشعر أيضا بنوع من الفزع الوجودي.
حجر الأساس الذي يشكل هويتنا يتمثل في الوجود المميز لمصر على مدى آلاف السنوات.
حجر الأساس المذكور يتعرض لعملية تآكل، بعد التغيير الذي يطرأ على السمات الجوهرية لبلادنا.
نصيب مصر من مياه النيل يقبع تحت التهديد من خلال سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا.
طمي وادي النيل يتعرض للاستنزاف، وبات أقل خصوبة من ذي قبل، كما أن موارد بلادنا في مرحلة نضوب.
معظم السكان فقراء وسيئو التغذية، كما خلفت سنوات من الحكم الفقر مدننا في حالة من التلوث المروع.
المجتمع المصري منقسم، ومتحول ضد نفسه أكثر من أي وقت مضى.
للمرة الأولى على الإطلاق، قد يقول البعض إن مصر أصبحت غير مضيافة للمهاجرين، وحتى شبابها باتوا يجازفون برحلات خطيرة على الرمال والبحار هربا من بلادهم.
لم يكن أي من ذلك حتميا، لكنه نتاج عقود من الفساد وحكم المصالح الشخصية.
ثورة 2011 كانت رد فعل لهذا التهديد العميق، ولذلك امتدت إلى الصغير والكبير والغني والفقير والعلماني والمتدين. الجميع أرادوا إنقاذ الدولة.
وبغض النظر عن التفسيرات المتحجرة ضد نجاح الثورة، لكنها كانت تعبيرا عن إرادة هائلة حية، تهز أركان الركود والفساد وخيبة الأمل.
لفترة موجزة، تبنى الناس سمات الكفاءة والإبداع والعمل الشاق والإيثار والجماعية والتنوع.
الثورة المضادة، التي بدأت عقب تنحي الرئيس السيسي عن الحكم في 11 فبراير فشلت أو رفضت مخاطبة مخاوف المواطنين.
وفي كافة أشكالها، ركزت الثورة المضادة على تعزيز قوتها الخاصة، ومعاقبة وتكذيب أي شي ء قد يهددها، والمتعلقة بأي ذكر لروح الثورة وسماتها.
الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة تقلد كل منهما السلطة لفترة عام، لكن السيسي حتى الآن يحكم بشكل فعال منذ أكثر من 3 سنوات وهي فترة كافية لمحاسبته.
المصريون يشعرون بالخطر والعار والضياع جراء التنازل عن الجزيرتين، وهي أمور تتجاوز أي شيء آخر يضطرون لتحملها.
4 جمعيات شجبت القرار البرلماني بالتنازل عن الجزيرتين، وشهدت مصر احتجاجات خاطفة في الشوارع.
لكن رد الفعل الحكومي تمثل في اعتقال العشرات من الأشخاص وحجب أكثر من 100 موقع إخباري إلكتروني.
بيد المعارضة لن تختفي، ولن يصمت المصريون.
رابط النص الأصلي