حل الأزمة بين قطر ودول الخليج العربي ممكنة على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد لن يكون اﻷمر سهلًا، الوساطة الكويتية والأمريكية يمكنها أن توفق بين الجانبين، ويقبل القطريون بعض المطالب الـ 13 التي قدمتها دول الحصار، لكن الاختلافات الجوهرية بين الجانبين معقدة جدًا، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" اﻷمريكية.
وبالنسبة لأولئك الذين يرون الأزمة الحالية في الشرق الأوسط من خلال عدسة الطائفية، فإن مسارعة إيران للدفاع عن قطر، مجرد مثال آخر على الصراع السني الشيعي الأكبر.
الصراع الحقيقي لا يتعلق بإيران بل بفهم مختلف جدًا لكيفية ارتباط الإسلام السياسي بالدولة، قطر والإمارات والسعودية دول سنية ونظام الحكم ملكي، ومع ذلك مواقفهم مختلفة جدًا، كما أن تركيا ومصر، وهما أكبر جمهوريتين سنيتين، لكن على طرفي نقيض.
وفي مقال صدر مؤخرًا، أكّد أن عجز دول الشرق الأوسط السنية عن تشكيل تحالف فعال ضد إيران ينبع من الاختلافات العميقة فيما بينها حول طبيعة التهديدات التي تواجهها.
قطر وتركيا، والإمارات ومصر، والسعودية تمثل ثلاثة مواقف مختلفة حول هذا السؤال الشائك، أزمة قطر ليست سوى أحدث وأوضح مظاهر هذا الصراع السني.
قطر والإخوان
الدوحة راهنت على جماعة الإخوان قبل فترة طويلة من الربيع العربي، ووفرت مختلف أشكال الدعم للجماعة، فقد أصبحت ملاذًا آمنًا لمنفيين الإخوان مثل يوسف القرضاوي، وزعيم حماس خالد مشعل؛ ومنبرًا للآراء الإسلامية السنية.
هذا الموقف الشعبي، دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي رأى نجاحات الإخوان المسلمين بعد الربيع العربي، لمحاولة إنشاء كتلة من الأنظمة المماثلة، تكون تركيا في رأسها.
وستكون سوريا بعد الأسد العضو التالي في هذه الكتلة، ولهذا كان أردوغان أول زعيم إقليمي يدعو الرئيس السوري للتنحي.
السعودية
الرياض زعيمة الإسلام السني، ومنذ عهد بعيد المؤسسات الدينية شريك للنظام الملكي، ومشايخ السعودية أصبحوا حاليا بيروقراطيين حكوميين، ويدعون إلى التفسير الاجتماعي المتعمد وكره الأجانب للإسلام، ويسعون إلى نشر هذا التفسير في جميع أنحاء العالم الإسلامي لدعم النظام الملكي، وتقديم النصيحة بأن من واجب المسلمين إطاعة الحاكم.
اﻹمارات
تمثل الإمارات بتحالفها مع السعودية، اتجاها ثالثا في الإسلام السياسي، والإسلام الرسمي في الإمارات مرتبط بسلطة الدولة والخضوع لها، وخلافا للمملكة، فإن الإماراتيين ليس لديهم طموح لنشر الإسلام خارج حدودهم، بل على النقيض فهي تدعم القوى المناهضة للإسلاميين في مصر وليبيا وأماكن أخرى.
لهذا انضمت مصر، التي كانت في الماضي مركز السياسة العربية، ولكن الآن، نظرًا لمشاكلها الاقتصادية والسياسية المحلية، تراجع دورها، الأزهر بالتأكيد لديه طموحات تتجاوز حدود مصر، ولكن ليس لديه القدرة المالية على تحدي المؤسسات السعودية.
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أنَّ الإمارات قدّمت مبادرات نحو الأزهر، وربما تبحث تمويله لتحديها السلفية العالمية والإخوان المسلمين.
الصراعات الأيديولوجية
إضافة إلى الموقف الإسلامي السلفي المتمثل في داعش والقاعدة، الصراعات الأيديولوجية داخل العالم السني أصبحت محفوفة بالمخاطر، فتلك الجماعات تشارك التفسيرات السلفية المتعمدة للإسلام مع السعودية، ولكنهم يكرهون حكام السعودية بسبب الولايات المتحدة.
وداعش والقاعدة يرفضون المسار الانتخابي الذي يتخذه حزب أردوغان والإخوان المسلمين، التنظيم يرى أن الحدود الإقليمية القائمة مخالفة لرسالة اﻹسلام، وهاجمت الأنظمة التركية والسعودية والمصرية في مناسبات عديدة.
ولا يمكن للدول السنية أن تتصرف بصورة مجتمعة لأنهم رغم شعورهم جميعًا بالقلق إزاء إيران، فإنهم يرون بعضهم البعض تهديدًا محتملاً، ويعتبر المصريون والإماراتيون جماعة الإخوان تهديدًا كبيرًا.
ولهذا تصر القاهرة وأبو ظبي على أن تغلق قطر قناة الجزيرة، ويشعر السعوديون بالقلق من أن الدوحة يمكنها التأثير في سياستها الداخلية، وتعبئ المعارضة ضد نظامها.
مصر غير راغبة في التخلي عن جهود السعودية لإسقاط بشار الأسد في سوريا لأنها تخشى أن تستفيد الجماعات الإسلامية مثل الإخوان، والسعودية لديها علاقات تاريخية مع جماعة الإخوان، لكنها ابتعدت عنها مؤخرًا، وترى الإسلام السياسي الانتخابي تهديدًا محليًا.
وتشعر تركيا بالقلق من أن يؤدي الضغط الناجح على قطر إلى الضغط الإقليمي عليها، ورؤية الرئيس ترامب لعالم سني متحدة مع الولايات المتحدة ضد إيران والإرهاب أمر غير محتمل، طالما أن الأنظمة السنية في الشرق الأوسط تتبنى وجهات نظر متباينة حول العلاقة بين الإسلام والسياسة.
في الشرق الأوسط يفترض أن يهيمن صراع طائفي سني-شيعي، لكن السنة لا يمكنهم الاتحاد.
الرابط اﻷصلي