تسريب وثائق اتفاق الرياض.. من المستفيد؟

أعلام دول الأزمة الخليجية

"تطورٌ جديد في ليل جديد.. عنوانه التسريب.. والسؤال: من المستفيد؟".. اعتادت الأزمة الخليجية بين السعودية ومصر والإمارات والبحرين أن يعلو  صوت خفقانها عند ساعات الليل، وها هو ليل جديد، تُسرب فيها "وثائق اتفاق الرياض". تلك الوثائق، التي نشرتها شبكة "سي إن إن" الأمريكية، مساء أمس، كشفت الاتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي الذي وقعت عليه قطر في 2013 وكذلك الاتفاق التكميلي في 2014، واللذين لم تلتزم الدوحة بأي من بنودهما. الوثيقة الرئيسية تنص على "أنه في يوم السبت الموافق 19 / 1 / 1435 هجري، فقد اجتمع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، وأخوه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت وأخوه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر في الرياض". وتضيف الوثيقة المكتوبة بخط اليد أنه "تم عقد مباحثات مستفيضة، تم خلالها إجراء مراجعة شاملة لما يشوب العلاقات بين دول المجلس والتحديات التي تواجه أمنها واستقرارها والسبل الكفيلة لإزالة ما يعكر صفو العلاقات بينها". وأوردت أنه "لأهمية تأسيس مرحلة جديدة في العمل الجماعي بين دول المجلس بما يكفل سيرها في إطار سياسة موحدة تقوم على الأسس التي تم تضمينها في النظام الأساسي لمجلس التعاون فقد تم الاتفاق على عدة أمور".

 

وحسبما كشفته الوثائق "المسربة"، اتفق على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر وعدم إيواء أو تجنيس أي من مواطني دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا في حال موافقة دولته، وعدم دعم الفئات المارقة المعارضة لدولهم، وعدم دعم الإعلام المعادي". و"عدم دعم الإخوان أو أي من المنظمات أو التنظيمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول المجلس عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي" وهو الاتفاق الثاني.

أما الثالث فهو "عدم قيام أي من دول مجلس التعاون بتقديم الدعم لأي فئة كانت في اليمن ممن يشكلون خطرا على الدول المجاورة لليمن".

 

ينضم ذلك الليل إلى سلسلة ليالٍ، شهدت خلالها الأزمة الخليجية تطورات عاصفة، بينها مثلًا قرار قطع العلاقات مع الدوحة في الخامس من يونيو الماضي، وكذا إصدار ما باتت تعرف بقائمة الـ59، التي حوت على أسماء وصفتها الدول الأربع بـ"الإرهابيين". ولا تعرف إلى الآن الدولة أو الجهة التي تقف وراء التسريب، لكن بالعودة إلى واقعة تسريب سابقة، كانت دول المقاطعة قد انتقدت قطر لتسريبها البنود الـ13، معتبرةً - عبر مسؤولين رسميين ومحللين سياسيين وإعلاميين تابعين لها، بينهم وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش - أنَّ تسريب قطر لمطالب الدول المقاطعة أدَّى إلى تقويض قدرة الوسطاء، على الانتقال بين الأطراف ومحاولة التوصل إلى أرضية مشتركة، وأنَّ نجاح الوسطاء يتوقف كثيرًا على قدرتهم على الحركة لكن ليس في العلن.  

دول المقاطعة.. "دليل يثبت صحة الإجراءات"

يحمل التطور الراهن تساؤلًا عن المستفيد من تسريب هذه الوثائق، لا سيّما أنّ جهةً ما في أي من "رباعية المقاطعة" لم تعلن مسؤوليتها عن ذلك، كما أنّ الشبكة الأمريكية لم تكشف عن مصادرها فيما حصلت عليه. سريعًا، أصدرت "رباعية المقاطعة" بيانًا للتعقيب على الوثائق المسربة، قالت فيه: "تؤكد الدول الأربع أن الوثائق التي نشرتها شبكة سي إن إن العالمية وشملت اتفاق الرياض وآليته التنفيذية واتفاق الرياض التكميلي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك عن تهرب قطر من الوفاء بالتزاماتها، وانتهاكها ونكثها الكامل لما تعهدت به". وأضاف البيان: "تشدد الدول الأربع أنَّ المطالب الـ13 التي قدمت للحكومة القطرية كانت للوفاء بتعهداتها والتزاماتها السابقة وأن المطالب بالأصل هي التي ذكرت في اتفاق الرياض وآليته والاتفاق التكميلي، وأنها متوافقة بشكل كامل مع روح ما تم الاتفاق عليه". بيان دول المقاطعة اعتبر أنَّ هذه البنود التي وافقت عليها قطر لم تلتزم بها الدوحة، وبالتالي فإنّ لها كل الحق في إجراءاتها التي اتخذتها مؤخرًا، وغلق الحدود برًا وبحرًا وجوًا، وإلزام القطريين بمغادرة أراضيهم.

 

 

قطر تعلق على التسريب

بينما صرّح وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بأنّ توقيت تسريب هذه الوثائق يمثل جهودًا واضحة للتقليل من جهود الكويت للوساطة، وكذا التأثير على الجهود الأمريكية في هذا الشأن. الوزير قال - خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأمريكي ريكس تيرلسون في الدوحة، عصر اليوم -  إنَّ التسريب يعكس نهج هذه الدول التي سرّبت قائمة المطالب الـ13 للتقليل من شأن الوساطة. وأضاف: "ما واكب هذه التسريبات من حملة إعلامية حول عدم التزام دولة قطر باتفاق الرياض ما هي إلا مغالطات، فنحن ملتزمون بكافة البنود، وكانت هناك محاضر تشهد على التزامنا بذلك، وهو اتفاق جماعي ولا يخص دولة قطر فقط، وإنما هناك التزام جماعي من كافة الدول ولم تذكر قطر كدولة وحيدة يُفرض عليها الالتزام بهذا الاتفاق". الوزير أشار كذلك إلى أنَّ ما أسماه "الحصار" المطبق على بلاده من قبل دول المقاطعة يمثل دليلًا من تلك الدول على عدم التزامها نفسها ببنود هذا الاتفاق، مرجعًا ذلك إلى أنّهم لم يستخدموا أي آلية من آليات فض النزاع المذكورة في البنود. وشدّد على أنّه إذا ما كانت هناك أي مظالم يتوجب بحثها وفق آليات مدرجة سواء كان في اتفاق الرياض أو في ميثاق مجلس التعاون الخليجي.

 

 

قطر.. "هم المخالفون"

قطر أيضًا لعبت بتلك الورقة، فصرح مدير مكتب الاتصال الحكومي سيف ‏بن أحمد آل ثاني بأنَّ أحكام ونصوص اتفاق الرياض تهدف إلى ضمان وتعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي. وقال في رد على استفسار من شبكة "سي إن إن" بشأن نص الوثائق، إنَّ "السعودية والإمارات لم تلتزما باتفاق الرياض وآلية تنفيذه لنقل مخاوفهما المزعومة إلى دولة قطر قبل افتعال هذه الأزمة". وأضاف المسؤول القطري أنَّ "ما حدث أخيرًا من هجوم وادعاءات غير مبررة بهدف الاعتداء على سيادة دولة قطر من جانب السعودية والإمارات يعد انتهاكًا صريحًا وصارخًا للنظام الأساسي لمجلس التعاون واتفاق الرياض وآلية تنفيذه". ‏وأشار إلى أنَّ "إطار الاتفاق واضح في التأكيد على سيادة الدول، مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية". ولفت إلى أنَّ "مطالب هذه الدول لا علاقة لها مطلقًا باتفاق الرياض، إذ تضمَّنت طلب إغلاق شبكة الجزيرة ‏وفرض التفكك الأسري ‏ودفع التعويضات".

 

 

الإعلام.. منصات هجوم

وبينما باتت وسائل الإعلام في دول الأزمة تستخدم كأسلحة لتوجيه مدافعها، كلٌ بما ملكت يداه، تعاملت تلك الوسائل بقوة بشأن هذه الوثائق. فـ"سكاي نيوز عربية" وصفت الوثائق بأنها "البنود التي انتهكتها قطر"، وقالت إنَّ الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب بحق الدوحة لم تكن أمرًا "غير طبيعي"، بل حق منحتهم إياه قطر بموافقة أميرها تميم بن حمد آل ثاني في حال عدم التزامها بالاتفاق. الموقع الإماراتي أشار كذلك إلى أنَّه الدوحة لم تلتزم بأي من مقررات الاتفاق، وهو ما استتبع اتخاذ السعودية والإمارات والبحرين ومصر إجراءات لمقاطعة قطر من أجل دفعها إلى الالتزام بما تم التوقيع عليه في الرياض، وعرضت الدول المعنية مطالب تمثل روح الاتفاق. "العربية.نت" بدوره استغل الوثائق المسربة لتصعيد لهجة الهجوم ضد قطر، فقال: "كشفت وثائق اتفاق الرياض عام 2013 وملحق الآليات التنفيذية له لعام 2014 عن توقيع الأمير تميم بن حمد، أمير قطر ووزير خارجيته آنذاك محمد العطية على بند عدم قيام أي من دول مجلس التعاون بتقديم الدعم لأي فئة كانت في اليمن ممن يشكلون خطرا على الدول المجاورة لليمن والذي طالما ثبت مخالفة قطر لما جاء فيها من دعم الانقلابيين الحوثيين والمتطرفين من تنظيم القاعدة فيما بعد". الموقع السعودي أضاف: "على الرغم من توقيع قطر اتفاق الرياض في أبريل 2014، إلا أنها قبل نهاية العام نفسه (سبتمبر 2014) توسطت قطر للإفراج عن 45 مختطفًا في سوريا، ودفعت ملايين الدولارات لجبهة النصرة في دعم واضح للجماعات المذكورة في اتفاق الرياض، وقبل أسابيع دفعت عدة مئات الملايين لكتائب حزب الله في العراق وجبهة النصرة وغيرها في سوريا في صفقة المختطفين". كما نشر الموقع توقيع أمير قطر، على وثائق الاتفاق، وذكرت أن تميم وقّع على بندٍ يمنح دول الخليج الحرية في اتخاذ إجراءات ضد قطر في حال عدم التزامها.

 

وسائل إعلام قطرية بدورها استغلت بعض بنود الوثائق المسربة للهجوم على "معسكر المقاطعة"، وبرز على السطح منها النقطة المتعلقة "بعدم دعم أي فئة في اليمن ممن يشكلون خطرًا على الدول المجاورة لها". وهنا يتعلق الحديث تحديدًا عن استضافة الإمارات لـ"أحمد علي عبد الله صالح"، حيث أكدت وسائل الإعلام القطرية أنّه يدير من أبو ظبي طموحه في أن يتولى رئاسة اليمن، لا سيَّما "اليمن الشمالي".

من المستفيد؟

وبالعودة إلى المستفيد من تسريب هذه الوثائق، توقع دبلوماسي خليجي سابق أن تكون إحدى دول المقاطعة الخليجية الثلاث "السعودية أو الإمارات أو البحرين" هي من تقف بشكل متعمد خلف تسريب بنود اتفاق الرياض مع قطر. الدبلوماسي الخليجي، تحدث لـ"إرم نيوز"، مشترطًا عدم ذكر اسمه، قال إنَّ "تسريب الوثائق جاء رد من دول المقاطعة على تسريب الدوحة لوثيقة المطالب الـ13"، التي قدمتها الدول الأربع في يونيو الماضي للدوحة، تطلب من خلالها الالتزام بها كشرط لإنهاء المقاطعة". وأفاد الدبلوماسي بأنَّ "التسريب بعث برسالة للدوحة مفادها أنَّ لدى دول المقاطعة الكثير من الأوراق، التي يمكن أن تلعبها فيما لو واصلت قطر إظهار نفسها كدولة مظلومة من أشقائها". ورأى أنَّ "نشر وثائق الرياض عمل على تقويض الرواية القطرية منذ اندلاع الأزمة الخليجية في 5 يونيو الماضي، عندما قررت الدول قطع العلاقات نهائيًّا مع قطر وإغلاق كافة الحدود والمنافذ معها". واعتبر الدبلوماسي أنَّ "ما تروجه وسائل الإعلام القطرية عن حصار ومظلومية من الأشقاء، فقد مصداقيته تمامًا، في حين اتضح لكل من يصدق الرواية القطرية، أن قادة الدوحة لم يلتزموا بمطالب جيرانهم رغم وعدهم بذلك".

 

  أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور ماجد الأنصاري اعتبر أنَّ الجهة التي سرّبت هذه الوثائق هي ذاتها التي كانت قد سرّبت قائمة المطالب الـ13. الأنصاري تحدث عن الهدف من هذا التسريب، فقال إنّه جاء عشية جولة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيرلسون إلى المنطقة وتحديدًا الكويت التي اختارها مقرًا لإقامته لمدة أسبوع، لافتًا إلى أنَّ هذه التسريبات تريد سحب الدائرة الإعلامية بعيدًا عن جهود الوساطة من أجل إفسادها. وأضاف: "التصريحات الأمريكية كانت على غير ما تريد دول المقاطعة، التي حاولت الاعتماد على حالة الارتباك في واشنطن، لكن حالة الارتباك هذه بدأت تحلحل، وبدأنا نرى موقفًا موحدًا في واشنطن، وأصبح البيت الأبيض يتحرك بتناغم مع وزارة الخارجية في هذا الشأن".

مقالات متعلقة