ينخرط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بصورة أعمق في الأزمة القطرية عبر زيارته المرتقبه إلى السعودية، والكويت، لبحث جهود التسوية في الأزمة الخليجية.
وسيبدأ أردوغان، جولته الخليجية في 23 و24 يوليو الجاري، إلى المملكة العربية السعودية، أحد أطراف النزاع مع قطر، لينتقل فيما بعد إلى الكويت التي تؤدي دور الوساطة في الأزمة.
وتأتي زيارة الرئيس التركي بعد ماراثون من الزيارات الدبلوماسية الغربية في محاولة لتخفيف التوتر وتقريب وجهات النظر بين الأطراف، حيث زار المنطقة كل من وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وكان آخرهم وزير الخارجية الفرنسي الذي اختتم جولة خليجية مطلع الأسبوع الحالي.
الموقف التركي
تتصدر زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الكويت والسعودية وقطر، عناوين الصحف التركية.
وتحت عنوان "أردوغان في جولة خليجية الأسبوع المقبل، كيف يرضي طرفي الأزمة"، أبرزت صحيفة "زمان التركية" على صفحتها، ترقب قطر موقف حليفتها تركيا من الأزمة الخليجية، مع بروز عدة مؤشرات تشير إلى إمكانية تبديل أنقرة موقفها والانحياز لصالح الدول المقاطعة.
وقال مصدر تركي لصحيفة "زمان التركية" مطلع على الأزمة الخليجية، إن تغير الموقف التركي من الأزمة الخليجية أصبح أمرا واردا، مشيرا إلى تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قبل أكثر من أسبوع، عندما قال: "إن تركيا أخبرتنا بأنها على الحياد ونأمل أن تستمر على هذا الموقف".
وتناولت صحيفة "صباح التركية" زيارة أردوغان إلى الخليج تحت عنوان "أردوغان يبدأ جولة خليجية تشمل السعودية والكويت وقطر 23 الشهر الجاري".
وقالت الصحفية إن مصادر في الرئاسة التركية أعلنت أن زيارة أردوغان تأتي في إطار الجهود التركية لحل الأزمة الخليجية، كما أكدت استعدادها لفعل اللازم من أجل حل الأزمة.
وفي نفس السياق أكد موقع "تركيا بالعربي"، لقاء الرئيس التركي بمسئولين من دولة قطر خلال الزيارة المرتقبة لبحث أخر مستجدات الأزمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس التركي أجرى اتصالات مكثفة مع ما يقرب من 16 دولة أكد خلالها على ضرورة حل الأزمة بالجلوس على طاولة المفاوضات.
وأجمعت الصحف على أن الهدف من زيارة الرئيس التركي لكل من السعودية والكويت وقطر، وضع حلول ترضي كل الأطراف، وأن موقف تركيا سيكون محايدا دون محاباة مصلحة دولة على الأخرى.
إلا ان وكالة "بلومبرج" قالت في تقرير لها أن هذا الجهد الدبلوماسي لأردوغان قد يكون متعلقا بحماية المصالح التركية الإقليمية بقدر تعلقه بإيجاد سبيل للخروج من الأزمة المستمرة منذ ستة أسابيع.
وتعد أنقرة حليفا حيويا لقطر وهو ما تجلى بوضوح منذ عزل الأخيرة من جانب التحالف الرباعي الذي تقوده السعودية في الخامس من يونيو 2017؛ فأرسلت لها الغذاء ووسَّعت وجودها العسكري هناك، كما ستجريان مناورات عسكرية مشتركة في وقت لاحق من هذا الشهر.
وفي إشارة على أنها تبحث عن توسيع ذلك الدور، قال وزير الدفاع التركي فكري إيشيق إن جولة أردوغان التي تستمر ليومين وتتضمن زيارة شركاء تجاريين رئيسيين ستهدف لـ"تخفيف التوترات بدلاً من تأجيج عدم الاستقرار"، مع التأكيد في الوقت نفسه على ضرورة احترام سيادة قطر.
وقال إيشيق في أنقرة الإثنين، 17 يوليو2017: "نقول إن السعودية وباقي الدول الأخرى عليها بالأساس أن تجلس على طاولة وتحل هذا الأمر عبر الحوار السلمي. وتركيا مستعدة لتقديم أي مساعدة من أجل تحقيق هذا الغرض".
قطر أم السعودية
وتشكل الأزمة القطرية مأزقا لأنقرة منذ اندلاعها في مطلع يونيو 2017 ، فقد سارع الرئيس التركي الذي لبلاده علاقات جيدة مع طرفي الأزمة واتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأجرى محادثات مع المسؤولين الإيرانيين إلى جانب أطراف الأزمة، في مسعى لنزع فتيل التوتر بين الجانبين كما استقبلت تركيا وزير خارجية البحرين لبحث الأزمة دون أن تثمر جهود أردوغان عن شيء يذكر.
ولدى تركيا الكثير على المحك فهي تعد وِجهة رئيسية للاستثمارات القطرية.
فيما اشترت السعودية وحليفتها في التحالف الرباعي الإمارات ما قيمته 8.6 مليار دولار من الصادرات التركية العام الماضي 2016، وهو ما يساوي تقريباً 20 ضعف ما اشترته قطر.
ولم تلق دعوة أردوغان الدول الخليجية إلى التهدئة ورفع الحصار الجوي والبري المفروض على قطر آذانا صاغية في الأوساط الخليجية، بل شنت بعض الصحف السعودية حملة على تركيا متهمة إياها بدعم قطر في إطار ما تصفه بدعم مشروع "جماعة الإخوان المسلمين، حسب تقرير لـ"بي بي سي".
ورأت "بي بي سي "أنه يبدو أن أردوغان توصل إلى قناعة مفادها أن هامش المناورة أمام تركيا قد تضاءل إلى حد بعيد وأن عليه اتخاذ موقف واضح من الأزمة والوقوف إلى جانب إحداهما، فاختار قطر، مخاطراً بالعلاقة مع السعودية التي شهدت تحسناً ملحوظا منذ تولي الملك سلمان الحكم بعد فترة من البرود بسبب التباين الصارخ في موقفي البلدين من الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي.
مسارعة البرلمان التركي إلى المصادقة على الاتفاق العسكري بين تركيا وقطر كانت بمثابة رسالة تركية إلى القوى الإقليمة وأهمها السعودية مفادها أن تركيا معنية بهذه الأزمة إلى حد بعيد ولن تقف مكتوفة الأيدي في حال تدهورت الأوضاع في المنطقة.
وينص القانون الذي اجازه البرلمان التركي في 7 يونيو على السماح بنشر قوات في قاعدة عسكرية تركية في قطر، وصادق عليه أردوغان بعد يومين وتبع ذلك تأكيده على ضرورة انهاء الحصار الذي فرضته السعودية والامارات على قطر : "يجب رفع الحصار تماماً، يجب ألا يحدث هذا بين الأشقاء".
وأضاف أن "البعض منزعج من وقوفنا إلى جانب إخوتنا في قطر، إلا أننا مستمرون في تقديم جميع أنواع الدعم إليها".
وقال "نعرف جيدا الذين كانوا مسرورين في الخليج (دون تسمية جهة معينة) من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، ونعرف جيدا ماذا فعل البعض ليلة محاولة الانقلاب".
واعتبر أن الدعوة لإغلاق القاعدة التركية في قطر تمثل "عدم احترام" لتركيا.
وكشف أن تركيا عرضت أيضاً إقامة قاعدة عسكرية في السعودية ولكن الرياض لم ترد.
الهدف التالي
ويقول الكاتب الصحفي التركي فهمي طاشتكين إن تركيا رأت في الإجراءات ضد قطر بأنها هي أيضا مستهدفة بعد فشل أردوغان في نزع فتيل الأزمة عبر اتصالاته الهاتفية.
ويضيف طاشتكين أن أنقرة توصلت إلى قناعة مفادها أن الأمر لن يستغرق طويلاً حتى يحين دورها وتكون الهدف التالي للحملة الخليجية لأن أنقرة لا تخفي تأييدها لجماعة الاخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية وتستضيف قادة هاتين الجماعتين على أراضيها إلى جانب تطابق سياسة البلدين في الملف السوري، وكل الحجج التي أوردتها السعودية والامارات لاتهام الدوحة بتأييد "الجماعات الارهابية" يمكن تكييفها بسهولة لتنطبق على تركيا ، بحسب"بي بي سي".
وكانت قطر وتركيا قد باشرت ببحث إقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر ونشر قوات تركيا هناك عام 2014 وتم التوصل الى اتفاقية بهذا الشأن وتم توقيع عليها اواخرالعام ذاته تحت اسم "اتفاقية التعاون بين الجمهورية التركية ودولة قطر في مجالات التدريب العسكري والصناعات الدفاعية وتمركز القوات المسلحة التركية على الاراضي القطرية".
وصلت أولى دفعات القوات التركية البرية إلى الدوحة في شهر اوكتوبر 2015 وضمت 130 جنديا وعددا من المدرعات العسكرية لكن العدد تراجع إلى 94 جنديا قبل اندلاع الازمة الحالية.
وتم ارسال عدد اضافي مؤخراً بحيث ارتفع عدد المستشارين العسكريين والجنود الأتراك الدوحة إلى 200 عنصر ومن المتوقع ان يصل عددهم في نهاية المطاف إلى 5 آلاف بموجب الاتفاق الموقع بين البلدين.
ويشمل الاتفاق تمركز قوات برية وبحرية وجوية تركية على أراضي قطر وتشكيل لجنة عسكرية مشتركة يرأسها ضابط قطري يساعده ضابط تركي.
واوضح وكيل وزارة الدفاع التركية الشهر الماضي خلال مناقشة البرلمان التركي للاتفاق إنّه ووفقاً للاتفاق بين تركيا وقطر، فإنه من المتوقع "إنشاء مقر قيادة تكتيكي مشترك بين الدولتين في الدوحة، على أن يكون قائد الوحدة قطرياً وبرتبة لواء، وأن يكون مساعده تركياً برتبة عميد".
لا يبدو أن الأزمة الحالية في طريقها إلى الحل قريباً بسبب تمسك طرفي الازمة بمواقفهما و فشل كل المساعي حتى الان في تبريد الأجواء، واستمرارها ينذر بتوسع هذا الخلاف ليلقى بظلاله السلبية على أزمات المنطقة الأخرى وعلى رأسها السورية والليبية واليمن.
فبعد أن كانت تركيا تعمل جاهدة طيلة سنوات الازمة السورية وحتى الآن للحفاظ على طرق التجارة البرية مفتوحة عبر سوريا للوصول إلى الاسواق الخليجية، تغامر بخسارة هذه الاسواق في هذه الازمة.
الجهود الأمريكية
وأشارت وكالة بلومبيرغ إلى فشل الجهود الدبلوماسية الساعية لإنهاء هذه المواجهة حتى الآن. فبعد أيامٍ من جولةٍ دبلوماسية مكوكية بين العواصم الخليجية الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إنَّ الخلاف –الذي يتنازع فيه حلفاء اقتصاديون وأمنيون طويلو الأمد للولايات المتحدة– ربما يستمر لـ"بعض الوقت".
ولايزال الطرفان يرفضان الحديث لبعضهما بصورةٍ مباشرة، ولم يقتربا من تسوية المطالب الـ13 الرئيسية التي قُدِّمت بعد بدء الأزمة.
وتتضمَّن تلك المطالب تخفيض قطر علاقاتها الودية مع الخصم الرئيس للسعودية، إيران، وأيضاً إنهاء الوجود العسكري التركي على أراضيها، وإيقاف دعمها للإخوان المسلمين، وهي الجماعة الإسلامية التي كانت في مرمى السعوديين والملكيات الخليجية الأخرى منذ الثورات العربية التي اندلعت في بداية هذا العقد.
ورفضت قطر المطالب ورفضت كذلك مزاعم التحالف الرباعي بأنَّها تُموِّل الإرهاب.
أردوغان جزء من الأزمة
من جانبه ، قال محمد المزعل المحلل السياسي الإماراتي أن الرئيس التركي مهمته صعبة ولا يمكن أن ينجح فيما فشلت فيه الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وخصوصا ان اردوغان "جزء من المشكلة وليس من الحل" حسب قوله لأنه أعلن أنه يدعم قطر للنهاية.
وقال محمد المزعل المحلل السياسي الإماراتي والاتراك جزء من الأزمة وليس جزء من الوساطة وهو غير مرحب به كوسيط.
وقال المحلل السياسي السعودي سلمان الدوسري" أن الوساطة التركية غير مجدية ولا يظن ان هناك ثقة في تركيا وهي جزء من المشكلة مع قطر والامر الوحيد الذي ممكن ان تفعله تركيا هو الضغط على قطر للاستجابة لمطالب الدول الأربع".