ما الحقيقة .. هل اختلقت الإمارات الأزمة القطرية بأخبار كاذبة؟

ما الحقيقة .. هل اختلقت الإمارات الأزمة القطرية بأخبار كاذبة؟

في الوقت الذي اعلنت فيه الدول الأربع المقاطعة لقطرعن تخليها عن قائمة المطالب الـ13 مقابل تنفيذ قطر لقائمة "المبادىء الـ 6" ، كشف مسئولون في الاستخبارات الأمريكية تفاصيل جديدة عن تورط الإمارات في اختراق وكالة الأنباء القطرية لاختلاق الأزمة مع قطر.  

ونسبت شبكة NBC News "أن بي سي نيوز"  تصريحاً لمسئول استخباراتي أمريكي، قال فيه إن أشخاصاً يعملون لحساب الإمارات  اخترقوا موقع وكالة الأنباء القطرية وحساباتها على الشبكات الاجتماعية في 24 مايو 2017، لزرع تصريحاتٍ زائفة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد نقلت عن مصادر استخباراتية أمريكية لم تسمها، الأحد 16 يوليو، أن "الإمارات  كانت وراء اختراق وكالة الأنباء القطرية وبث تصريحات "مفبركة" نسبت للأمير القطري".

في المقابل، نفى مسئولون إماراتيون رسميون كان آخرهم وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، الدكتور أنور قرقاش، صحة الاتهامات الموجهة لـ "أبو ظبي" واصفين إياها "بغير الصحيحة والكاذبة".

متعاقدين خاصين   

وقال مسئول الاستخبارات الأمريكية في تقرير "NBC News"  إنَّ العملاء الذين نفَّذوا عملية الاختراق قد يكونون متعاقدين خاصين، لكنَّ السلطات الأميركية تنظر للإمارات باعتبارها المسئولة في نهاية المطاف.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أنَّ الولايات المتحدة  رصدت مسئولين إماراتيين يناقشون الخطة في 23 مايو 2017. 

 

وفي اليوم التالي، انتشرت تصريحات أمير قطر المزعومة عبر الشبكات الاجتماعية، وأدَّت بالإمارات و 5 دول عربية لقطع العلاقات مع قطر، ثُمَّ إغلاق المجال الجوي، والبحري، والمنافذ البرية التي تؤدي للدوحة. والحصار مستمرٌ لما يزيد عن شهرٍ الآن.

ونقلت عن الحكومة القطرية ومسؤولون أميركيون قالولهم إنَّ "الأخبار الزائفة" التي تهدف للإضرار بعلاقات قطر مع الولايات المتحدة  لعبت دوراً رئيسياً في التصدُّع الدبلوماسي بين الدولة الخليجية الصغيرة وجيرانها.

وقالت الحكومة القطرية في بيانٍ لها لشبكة NBC News الأميركية إنَّها قد وقعت ضحية "حملة تشويه مُنسَّقة جيداً تهدف للإضرار بصورة وسمعة قطر. ومهَّدت حملة التشويه بدورها الطريق للحصار والإنذار النهائي الذي أتبعها في يونيو".

وفي قلب النزاع بين قطر ودول الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات، كانت قد ظهرت تقارير تفيد بأنَّ أمير قطر قد أشاد بحماس ووصف إيران بأنَّها "قوة إسلامية"، وأنَّ قطر قد دفعت نحو مليار دولار فديةً لتنظيم القاعدة من أجل تحرير مجموعة من الصيادين القطريين.

لكنَّ مسئولون أميركيون كبار قالوا إنَّ كلا القصَّتين خاطئتين ومدسوستين على ما يبدو.

ارتفاع الزيارات من الإمارات    وذكر البيان القطري لشبكة NBC News أنَّ سجلات المرور لموقع وكالة الأنباء القطرية "يُظهِر ارتفاعاً في الزيارات من الإمارات في الساعة التي تلت وقوع حادثة الاختراق، وهو ما يشي بأنَّ أشخاصاً في الإمارات كانوا بوضوحٍ يتوقَّعون ظهور المواد الناتِجة عن الاختراق. وبمجرد ظهور التصريحات المفبركة، أصبحت على الفور أنباءً مهمة في الإمارات والسعودية".  

عقب الاختراق أرسلت الحكومة القطرية إخطاراتٍ لكل الإذاعات والمنافذ الإعلامية في غضون 45 دقيقة من الحادثة قالوا فيها إنَّ موقع وكالة الأنباء القطرية قد اختُرِق وإنَّ تصريحات الأمير مفبركة. فقالوا: "أُقِرَّ بتلك التصحيحات على الفور في كل مكانٍ عدا الإمارات والسعودية، حيث واصلت المنافذ الإعلامية التنويه للتصريحات الزائفة".

منطقة الأخبار الكاذبة 

 

وقالت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية إنه إذا كان تقرير صحيفة "واشنطن بوست" عن تورط الإمارات في اختراق وكالة الأنباء القطرية صحيحا، فإن ذلك يعني أنها فبركت أخبارا كاذبة ومزيفة لاختلاق الأزمة مع قطر.

وأضافت الصحيفة البريطانية في تقرير لها بعنوان "اختراق وكالة الأنباء القطرية أثبت أن الشرق الأوسط هو أسوأ منطقة في العالم للأخبار الكاذبة"، أنه إذا صحت التحقيقات بأن الإمارات وراء الاختراق فهي دولة استغلالية متهكمة.

وأشارت إلى أن الإمارات خدعت شعبها باختلاق أخبار كاذبة عن قطر لتبرير الحصار وإقناعهم أن هذا جزاؤها، وأن ذلك شكل حافزا لإثارة الأزمة مع قطر.

وأضافت الصحيفة أن الإمارات مارست ازدواجية في التعامل مع الأزمة، فمن جهة تحدث وزير الشؤون الخارجية أنور قرقاش عن أهمية الثقة في حل الخلاف مع قطر، ولكنه في الطرف المقابل -وكما ورد في تقارير المخابرات الأميركية- فإن حكومته مارست على شعبها عملية خداع واسعة النطاق.

وقالت " الاندبندنت" : "إن الإمارات  مُدانة بنشر أخبار مزيفة عن طريق الاختراق؛ لخلق أزمة ضد قطر، وإذا كانت قصة "واشنطن بوست" صحيحة، فإن الإمارات العربية المتحدة متهمة بممارسة الخداع الواسع ".

ولم يقتصر الأمر، وفق "الأندبندنت" على اختراق الموقع، واختلاق اقتباسات نارية تضع أمير قطر في موقف سيئ؛ بل تجاهلت مناشدات القطريين، الذين أكدوا مراراً أن الوكالة اخترقت.

الأسوأ من ذلك، أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، منعا بعد ذلك بثَّ شبكة الجزيرة الفضائية وغيرها من المواقع المملوكة لقطر في بلادهم.

لذا، إن كنت تتابع الأخبار وسط مدينة أبوظبي، فكل ما كنت ستسمعه هو بعض مقتطفات منسوبة إلى أمير قطر يشيد فيها بإيران وحماس، وهو نوع الأخبار الذي قد يجعلك تستشيط غضباً. لكنك لن تسمع أبداً عن الرد القطري المحتج على تلك الأكاذيب "لقد اختُرقنا ولم نقل ذلك قط".

 

لذلك لم يكن مفاجئا أنه بعد أقل من أسبوعين أعلن التحالف الذي تقوده السعودية حصارا على قطر، وظهر أن التصريحات التي نشرت على الوكالة القطرية بعد اختراقها كانت "القشة التي قصمت ظهر البعير"، والحافز الأكبر لخلق الأزمة.

وتابعت الصحيفة أنه لم تكن فبركة تصريحات مزيفة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هي الوحيدة، بل تبين أن القراصنة تمكنوا من تسريب قصة طلب ست دول عربية من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بحرمان قطر من تنظيم كأس العالم للعام 2022.

ورغم أن خبر كأس العالم كان مزورا، وقد نفاه الفيفا، فإن الإمارات استغلته، مع أن بعض التحقيقات تشير إلى أن اختراق موقع الصحيفة السويسرية التي نشرت الخبر تم في الشرق الأوسط.

وتعليقا على كل هذه الأخبار المزيفة، قال تقرير الإندبندنت إنه عندما تفكر في كل المعلومات الخاطئة التي نشرت، فإنه ليس مستغربا أن يتحدث تقرير جديد عن حرية الصحافة الدولية أعلن في أبريل أن العالم قد دخل عصرا جديدا من "ما بعد الحقيقة والدعاية وقمع الحريات".

كما أظهر مؤشر حرية الصحافة العالمية لعام 2017، الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود، أن الشرق الأوسط أصبح أسوأ منطقة في هذا الصدد.

وأشارت إلى الإدانة الدولية لمطلب دول الحصار بإغلاق شبكة الجزيرة، لكنها علقت على كلام السفير غباش الذي قال فيه "نحن لا ندعي أن لدينا حرية الصحافة، ونحن لا نعزز فكرة حرية الصحافة"، وقالت إنها "تصريحات تقشعر لها الأبدان".

 

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن على قطر أن تقاوم أي محاولات لتضييق حرية الصحافة، الأمر الذي يميزها عمن يتهمونها.

رأي الدوحة مقابل أبوظبي  

وفي حديث مع "بي بي سي" عربي، يقول الدكتور علي الهيل، أستاذ العلوم السياسية القطري إن "مصدر ما نشرته واشنطن بوست هو مسئولون أمريكيون في وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي أيه"، وإن هذا التسريب يتفق تماما مع نتائج التحقيقات القطرية التي، بدأت منذ 25 مايو ، وشارك فيها مسؤولون من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "أف بي آي". وأضاف الهيل أن "قطر تكتمت على نتيجة التحقيقات التي تثبت تورط أبو ظبي من أجل إتاحة الفرصة أمام الوساطة الكويتية".  

ويرى الهيل أن مواقف أبو ظبي "العدائية" من الدوحة تعود لأسباب عدة "بعضها تاريخي يرجع لصراعات قبلية وأخرى لتنافس اقتصادي". ويقول الهيل إن "قطر هي أكبر مصدر للغاز المسال في العالم وتملك ثاني أكبر احتياطات منه بعد روسيا، مما أشعل غيرة أبو ظبي".

وفيما يتعلق بالموقف من التيارات الإسلامية، يقول الهيل إنه "ليس لدى قطر مشكلة مع جماعات الإسلام السياسي على عكس الإمارات التي تناصبها العداء".

ويشير أستاذ العلوم السياسية إلى أن "الإمارات تحتضن أشخاصا تحوم حولهم شبهات ويلعبون أدوارا تضر بالمصالح العربية والإسلامية".

وفي المقابل ،يقول الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، إن "الإمارات ليست بحاجة لاختراق المواقع أو المنابر لتؤكد مواقف قطر التي تحتضن وتمول جماعات وأفراد ومنظمات تعتبر إرهابية وتعمل على زعزعة الاستقرار في دول السعودية والإمارات ومصر".

ويضيف عبد الله أن تقرير "واشنطن بوست" لا يمكن الاعتماد عليه لأنه "ينسب المعلومة إلى جهات استخباراتية لم يسمها"، مضيفا أن "كافة الجهات الاستخباراتية الأمريكية المعروفة نفت صلتها بالتقرير المنشور".

وفيما يتعلق بالدور الإماراتي في المنطقة، يقول أستاذ العلوم السياسية إن "الإمارات هي ثاني أكبر اقتصاد عربي وتملك خامس أقوى جيش عربي، فمن حقها ان تلعب دورا يتناسب مع إمكانياتها وقدراته بما تستشعره من واجب تجاه أمتها العربية". ويؤكد عبد الله أن "أبو ظبي لا تلعب دور المشاكس فهي لا تتجاوز حدودها وتتشاور دائما مع الرياض والقاهرة، على عكس دول أخرى".

ويرى عبد الله أن من حق كل دولة أن تستضيف على أراضيها من ترغب، شريطة ألا يكونوا مدانين بجرائم وأن يلتزموا بالقوانين. ويضيف أن "الدوحة تحتضن أفرادا موضوعين على قوائم الإرهاب ومتهمين باقتراف جرائم ضد شعوبهم ويعملون على زعزعة الاستقرار في دول المنطقة".

المبادئ الستة  

وقال عبد الله بن يحيى المعلمي، مندوب السعودية بالأمم المتحدة إنَّ الدول الأربع لم تعد تتحدَّث عن مطالب مُحدَّدة يجب على قطر الوفاء بها، بما في ذلك إغلاق شبكة الجزيرة القطرية المملوكة للدولة، وإغلاق قاعدةٍ عسكريةٍ تركية، وتقليص العلاقات مع إيران، وحظر تنظيم الإخوان المسلمين، والجماعات الأخرى التي تعتبرها الدول الأربع من مؤيدي الإرهاب.

وكانت هذه المطالب ضمن قائمةٍ تضم 13 مطلباً سُلِّمت إلى قطر مع بدايةِ الأزمة، ومُنِحَت مهلة 10 أيام للامتثال لها.

وأعلن الدبلوماسيون أنَّ الدول الأربع اتَّحدت حول ما وصفته بـ"ستة مبادئ واسعة بُنِيَت على موضوعاتِ مكافحة الإرهاب والتطرُّف، وحرمان الجماعات الإرهابية من التمويل والملاذات الآمنة، ووقف التحريض على الكراهية والعنف، والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى".

وبحسب بيان القاهرة كانت المبادئ الـ6 الجديدة المطلوبة من قطر هي:   - التزام الدوحة بمكافحة التطرف والإرهاب بكافة  أشكاله ومنع تمويله أو توفير ملاذاً آمنة. - وقف كافة أشكال الاستفزازات والخطابات المحرضة على الكراهية أو العنف. - الالتزام الكامل باتفاق الرياض عام 2013 والاتفاق المكمل له وآليات تنفيذه التي تعزي لعام 2014 داخل إطار مجلس التعاون الخليجي. - الالتزام بنتائج القمة الأمريكية الإسلامية العربية التي عقدت في الرياض في مايو 2017. - الامتناع عن التدخل في الشؤون الخارجية للدول، أو دعم الكيانات غير المشروعة. - مسؤولية كافة دولة المجتمع الدولي لمواجهة كافة أشكال التطرف والإرهاب باعتبارهما .تهديدا للسلام والأمن الدوليين.

وكانت الدول الأربع أصدرت قائمة تضم 13 مطلباً تضمنت إنهاء الدعم للإرهابيين والمتطرفين، وإغلاق شبكة الجزيرة وقطع العلاقات مع إيران ووقف إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر.

ورفضت قطر الامتثال للمطالب الـ13، وقالت إن القائمة والمقاطعة نفسها تهدف إلى "الحد من سيادة قطر والاستعانة بمصادر خارجية فيما يخص سياستها الخارجية."

مقالات متعلقة