في الوقت الذي أكد فيه أمير قطر، في أول خطاب متلفز له منذ اندلاع الأزمة الخليجية، أن الدوحة جاهزة للحوار مع الدول الأربع لتسوية كل القضايا ، يبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، اليوم الأحد، زيارة تستغرق يومين إلى كل من السعودية والكويت وقطر في محاولة لرأب الصدع ، لكن حليف الدوحة المقرّب قد لا يجد مساحة تذكر للتحرك كوسيط في الأزمة.
ومن المقرر أن يلتقي أردوغان بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، قبل أن يتوجه إلى الكويت التي تضطلع بجهود الوساطة بين أربع دول عربية رئيسية وقطر.
وستكون قطر هي المحطة الأخيرة لجولة أردوغان الخليجية حيث يقوم بزيارتها غدا الاثنين.
وتأتي جولة أردوغان عقب خطاب أمير قطر الذي حمل مجموعة من الرسائل الواضحة للتأكيد على انفتاح قطر لحل الأزمة بالحوار وعلى أساس شرطين يتمثلان في احترام سيادة كل دولة وإرادتها، وأن يتم الحوار بلا إملاءات من طرف على طرف آخر بل يوضع كتعهدات متبادلة ملزمة للجميع.
وأكد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في خطابه ، أمس الجمعة، إن بلاده تواجه حصاراً ظالماً، وهو شعور يشاركه فيه أردوغان بقوة.
وتركيا هي خامس دولة، بعد كل من ألمانيا، وبريطانيا، وأمريكا ، وفرنسا، تسعى لإيجاد مخرج للأزمة الممتدة منذ الخامس من يونيو الماضي، عندما قطعت الدول الأربع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة.
وقام وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بزيارات مكوكية بين دول خليجية الأسبوع الماضي، لكنه غادر دون أي إشارة واضحة على قرب حل الأزمة. وقال أمس الجمعة إن الولايات المتحدة راضية عن جهود قطر لتنفيذ اتفاق يهدف إلى مكافحة تمويل الإرهاب وحثّ الدول الأربع على رفع "الحصار البري" المفروض على الدوحة.
وسيط عاجز
وأكدت أنقرة أن زيارة إردوغان ليست للتوسط بين الطرفين، وإنما لدعم الجهود الكويتية والتوسط لحل النزاع الإقليمي، رغم أن محللين شككوا في إمكانية أن يكون ذلك مقبولا لدى السعودية وحلفائها.
وكان أردوغان قد قال في تصريحات أدلى بها عقب صلاة الجمعة: "سنعمل حتى النهاية لإيجاد حل للنزاع بين الدول الشقيقة في المنطقة.. المشكلات السياسية مؤقتة فيما الصلات الاقتصادية دائمة، وأتوقع أن يختار المستثمرون من دول الخليج الصلات طويلة الأمد".
وبينما يسعى للدفاع عن الدوحة فإن أردوغان لديه مخاوف من إثارة نفور جاراتها.
وقال أتيلا يسيلادا، وهو مستشار سياسي لدى هيئة "جلوبال سورس بارتنرز" الاستشارية في اسطنبول، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن "تركيا لا ينظر إليها كوسيط موضوعي في الأزمة القطرية حيث انها تنحاز صراحة للدوحة منذ البداية".
وأضاف: "موقف أنقرة من الإخوان المسلمين وحماس يخلق مشكلة بشكل خاص لدى السعوديين ومصر".
وقال سنان أولجن، الدبلوماسي التركي السابق والمحلل في معهد كارنيجي أوروبا: "تلك الزيارة بطريقة ما ستساعد على توضيح أن تركيا لا تزال لديها القدرة على الحوار مع دول أخرى على أعلى مستوى وبالأساس السعودية على الرغم من موقفها كحليف مقرب للدوحة".
لكنه أضاف أن أنقرة تتفاوض من "موقف عجز" بسبب تأييدها الصريح علناً لقطر.
وتابع قائلاً: "فيما يخص مقدار ما يمكن لأنقرة أن تحققه ومدى فاعلية دور الوساطة المحتمل الذي قد تقوم به تركيا فالتوقعات محدودة للغاية في هذا الشأن".
قبل تلك الزيارة. عقدت محادثات رفيعة المستوى.. هناك أجواء يمكن فيها اتخاذ بعض الخطوات الملموسة".
وأضاف المسئول التركي "يتم التعامل مع قطر بقسوة زائدة.. من المهم للمنطقة بأسرها محو هذا الظلم".
وكانت الدبلوماسية التركية قد نشطت منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من الشهر، في محاولة للمساهمة في حلحلتها، متمسكة بضرورة حل الأزمة بالحوار، ومعربة عن مساندتها الوساطة الكويتية. ضمن هذا السياق، بحث الرئيس التركي الأزمة الخليجية منذ بدئها مع المسئولين في الخليج، عبر سلسلة اتصالات هاتفية شملت أمير قطر، وأمير الكويت، فضلاً عن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، معتبراً أن الحل في يد الأخير.
كذلك شملت مشاورات الرئيس التركي بشأن الأزمة الخليجية كلاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والقادة الذين التقاهم على هامش اجتماع قمة مجموعة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية. كذلك أجرى وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، زيارة إلى منطقة الخليج الشهر الماضي، محاولاً التوسط في الأزمة.
علاقات استراتيجية
وعلى الرغم من أن قطر ليست شريكاً تجارياً كبيراً لتركيا إلا أن لها أهمية استراتيجية لعدة أسباب منها تأسيس أنقرة قاعدة عسكرية هناك بعد اتفاق وقع في 2014. وتقول تركيا إن ما يصل إلى 1000 جندي قد يتمركزون هناك ، كما تربط الدولتين صلات أيديولوجية.
ووفقاً لبيانات رسمية احتلت الإمارات العام الماضي المركز السابع من بين أكبر الأسواق التي تستقبل صادرات السلع التركية بنحو 5.4 مليار دولار، فيما تحتل السعودية المركز الحادي عشر في تلك القائمة ومصر الثالث عشر. كما تريد تركيا أيضاً بيع عتادٍ دفاعي للسعودية.
حيث اشترت السعودية وحليفتها في التحالف الرباعي الإمارات ما قيمته 8.6 مليار دولار من الصادرات التركية العام الماضي 2016، وهو ما يساوي تقريباً 20 ضعف ما اشترته قطر.
صفحة جديدة
وقال عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، من روما،في وقت سابق إن بلاده مستعدة لفتح صفحة جديدة مع قطر في حال التزامها بمطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، مؤكداً أنهم يرون أن الحل يجب أن يكون "داخل إطار مجلس التعاون"، مشيراً إلى أن السعودية ومصر والإمارات والبحرين "طرحت مبادئ ترغب في تطبيقها ويتفق حولها الجميع".
وأضاف أن كل ما "نطلبه ببساطة هو التزام الدوحة بهذه المبادئ وأن تطبقها"، مؤكداً أن الدول الأربع أقدمت على هذه الخطوة "لا بهدف إلحاق الضرر" بقطر بل على العكس قامت بذلك عن ألم".
وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها بقطر وفرضت عقوبات عليها الشهر الماضي متهمة إياها بدعم الإرهاب وهي اتهامات تنفيها الدوحة.
وفيما أصبح أسوأ أزمة دبلوماسية في المنطقة منذ سنوات أصدرت الدول الأربع قائمة تضم 13 مطلباً لقطر ، وتتضمَّن تلك المطالب تخفيض قطر علاقاتها الودية مع الخصم الرئيس للسعودية، إيران، وأيضاً إنهاء الوجود العسكري التركي على أراضيها، وإيقاف دعمها للإخوان المسلمين، وهي الجماعة الإسلامية التي كانت في مرمى السعوديين والملكيات الخليجية الأخرى منذ الثورات العربية التي اندلعت في بداية هذا العقد. ورفضت قطر المطالب ورفضت كذلك مزاعم التحالف الرباعي بأنَّها تُموِّل الإرهاب.
ووصف أردوغان تلك المطالب بأنها غير قانونية ودعا إلى إنهاء الأزمة؛ معللاً ذلك بالحاجة إلى تضامن إسلامي وصلات تجارية قوية في المنطقة.