نحو شهرين على اشتعال الأزمة الخليجية بين دولة قطر من جهة ودول الحصار "السعودية والإمارات والبحرين ومصر" من جهة أخرى، تستمر بعض المحاولات لرأب الصدع الخليجي، برعاية دولة الكويت التي تقف على الحياد منذ بدء شرارة الأزمة.
محاولات الكويت هذه المرة تأتي بعد يوم من اجتماع دول الحصار الأربعة في المنامة لبحث أزمتهم مع قطر، كما تأتي بعد تصاعد الخلاف مؤخرا على إثر أزمة "تدويل الحرمين".
ونفى وزير خارجية قطر محمد بن عبدالرحمن، طلب بلاده "تدويل الحج"، وذلك بعد اتهام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للدوحة بـ"محاولة تسييس الحج"، واعتبر أن "طلبها تدويل المشاعر المقدسة بمثابة إعلان حرب"، وأكد ترحيب بلاده بحجاج قطر.
واستمرارا لمساعي التهدئة تدخل إيطاليا على الخط هي بعد الإعلان عن زيارة وزير خارجيتها إلى الدوحة غدا، للقاء أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد.
والتقى أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، مساء الإثنين، وزير الخارجية العُماني، يوسف بن علوي، في محاولة لإيجاد حل للأزمة الخليجية، وذلك بعد يوم من اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع التي تحاصر قطر في المنامة، والتي شددوا فيه على ضرورة استجابة قطر للمطالب التي كانت أعلنتها هذه الدول كشرط لبدء الحوار مع الدوحة.
وأكدوا على ضرورة التزام الدوحة بستة مبادئ أعلنوا عنها سابقا في القاهرة، إضافة إلى مطالبهم الـ13 التي تشمل إغلاق قناة الجزيرة وتخفيض العلاقة مع إيران وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، وهو ما علقت عليه قطر واصفة اجتماع المنامة، بأنه مليء بالتناقضات، وأن موقفها ثابت فلا حوار بشروط مسبقة وقبل رفع الحصار.
وتعد زيارة بن علوي إلى الكويت هى الثالثة منذ بداية الأزمة في 5 يونيو الماضي، حيث أجرت سلطنة عُمان تحركات داعمة للوساطة الكويتية بغية الوصول إلى حل للأزمة.
إيطاليا تدخل على الخط
من جانبها أعلنت وازارة الخارجية الإيطالية اليوم، أن وزير الخارجية، أنجيلينو ألفانو، سيجري زيارة رسمية إلى دولة قطر، الأربعاء المقبل، وهي الزيارة الأولى له منذ بدء الأزمة الخليجية في يونيو الماضي.
وقالت الخارجية الإيطالية في بيان، إن الوزير "سيعقد خلال الزيارة محادثات ثنائية مع أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووزير الدفاع القطري، خالد بن محمد العطية".
وأضافت: إن "الوزير ألفانو سيجري لدى وصوله إلى الدوحة، عدة اجتماعات رسمية مع مسؤولين قطريين يبدأها مع الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، الشيخ عبد الله بن محمد آل ثاني".
ومن المقرر أيضاً أن يلتقي الوزير الإيطالي برئيس الوزراء القطري، الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني.
ولم يكشف بيان الخارجية الإيطالية عن المواضيع التي سيبحثها ألفانو خلال اجتماعاته مع المسؤولين القطريين.
“تدويل الحرمين"
وتفاقمت الأزمة الخليجية مع اتهام قطر للسعودية بتسييس الحج، ورد السعودية بأن "طلب قطر تدويل المشاعر المقدسة عدواني وإعلان حرب على المملكة"، واتهمت الدول الأربع قطر بعرقلة وصول الحجاج القطريين لأداء مناسك الحج.
ولم تهدأ وسائل الإعلام السعودية منذ إثارة أزمة الحجاج القطريين، وقالت صحيفة الرياض في افتتاحيتها: "آخر الدلائل على عقم التفكير السياسي في قطر ولجوئه إلى تبني طروحات عقيمة لا علاقة لها بالتفكير العقلاني، ولا المنطق السليم هي (تدويل الحرمين الشريفين) أي بمعني تدويل المسؤولية عن الحرمين لتكون الدول الإسلامية هي من تدير الحرمين الشريفين، ذلك الطرح نعرف أنه ليس ناتجاً عن فكر قطري، وحتى لو أنه نتج عنه لما استغربناه، لكنه طرح إيراني محض تبنته القيادة القطرية عن قصد".
الحديث في الصحف السعودية قابله ردا من صحيفة الوطن القطرية في افتتاحيتها قائلة: "حيلة بالغة السطحية والسخافة، تلك التي لجأت اليها وسائل الاعلام السعودية، بنشر اخبار كاذبة، للتغطية على العقبات التي تنتهج، والعراقيل التي يتم وضعها، أمام اداء الحجاج القطريين لفريضة الحج. الاخبار الملفقة التي نشرتها وسائل الإعلام السعودية، مدعية ان وزارة الاوقاف القطرية اغلقت باب التسجيل للحج أمام القطريين، ليست الا حلقة جديدة من حلقات العرقلة المؤسفة لأداء الراغبين في تأدية فريضة الحج من القطريين لأداء مناسكهم".
حملة موجهة
وفي سياق آخر، قال وزير الدولة لشؤون الدفاع في دولة قطر، خالد بن محمد العطية، إن تصريحات السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، التي دعا فيها إلى تشكيل حكومات علمانية بالمنطقة، أظهرت حقيقة الحملة الموجهة ضد بلاده، مشدداً على أن الحوار هو الحل الوحيد للأزمة الخليجية.
وأضاف العطية في حوار مع قناة "الجزيرة"، أن تصريحات العتيبة التي قال فيها إن الخلاف مع الدوحة ليس دبلوماسياً بقدر ما هو خلاف فلسفي بشأن مستقبل الشرق الأوسط، أظهرت حقيقة الحملة الموجهة ضد قطر وحصارها.
وتابع القول: "نحن نستقي الأخبار من المصادر الرسمية، بخلاف دول الحصار التي تصل مقالاتها في الأسبوع إلى خمس مئة مقال، ويبنون افتراضاتهم وخطواتهم على ما ينشرون في صحفهم".
واعتبر العطية أن تصريحات العتيبة تكشف عن الطرف الذي يريد التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، ويعبث بعقيدتهم، مؤكداً أن "العبث في العقيدة السمحة الوسطية للمنطقة خطير جداً".
ورأى وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع أن الأزمة الخليجية "عميقة بامتياز"، وأنها لن تحل إلا بالحوار، مؤكداً أن الخيار العسكري مستبعد.
وعن اتهام وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد آل خليفة، لقطر بأنها قدمت إحداثيات تتعلق بالقوات البحرينية والإماراتية في مأرب للحوثيين، أجاب العطية قائلاً إنه يستطيع الجزم بأن الوزير البحريني "يعلم أني أعلم أنه غير صادق" في هذه الاتهامات.
وأوضح العطية أن القوات القطرية التي كانت منضوية تحت لواء التحالف العربي لم تدخل مأرب، وكانت لديها مهام محددة على الحدود السعودية اليمنية.
وكان العتيبة قال خلال مقابلة مع قناة "بي بي أس" الأمريكية السبت، إنه يرى أن خلاف دول الحصار مع قطر يتجاوز الخلاف الدبلوماسي بل يذهب أبعد من ذلك، مضيفاً: "إنه خلاف فلسفي".
وتابع السفير قائلاً: "إذا سألت الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين عن أي شرق أوسط يريدون رؤيته في السنوات العشر المقبلة، فسيكون شرق أوسط مختلفاً بشكل أساسي عمَّا تريده قطر خلال الفترة نفسها، نحن نريد شرق أوسط أكثر علمانية، مستقراً ومزدهراً تقوده حكومات قوية".
شكوى قطرية
ومنذ بدء الأزمة الخليجية والاتهامات بين أطرافها لا تهدأ، حيث قال علي الوليد آل ثاني، مندوب قطر في منظمة التجارة العالمية، إن بلاده تقدمت بشكوى رسمية لدى منظمة التجارة العالمية ضد السعودية، والبحرين، والإمارات لمقاطعتها تجاريا.
وأضاف: "لقد أعطيناهم (الدول المقاطعة لقطر) وقتا كافيا لسماع تفسيرا قانونيا لمدة اتفاق تلك الإجراءات مع التزاماتها، لكننا لم نحصل على نتائج مرضية".
وأكد على أن الدوحة تطالب بالحوار والمفاوضات، وأن ذلك جزء من استراتيجيتها في الحديث مع الدول المعنية للحصول على معلومات عن تلك الإجراءات، والتوصل لحل يؤدي إلى تسوية الأزمة.
وجاء في نص الشكوى المقدمة من قبل الدوحة لمنظمة التجارة العالمية أن هناك محاولات من قبل الدولة المقاطعة لقطر لفرض "عزلة اقتصادية" عليها، وحرمانها من التجارة في "السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية".
وتضمنت الشكوى المقدمة من الدولة للمنظمة ثماني صفحات ضد السعودية وثمانية ضد الإمارات في حين فصلت شكواها ضد البحرين في ست صفحات.
وقال الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني، ويزر الاقتصاد والتجارة القطري، إن "المقاطعة التجارية التي تقودها السعودية تعتبر انتهاكا واضحا لقوانين التجارة العالمية."
من جانبها، أكدت الدول المقاطعة لقطر لمنظمة التجارة العالمية في وقت سابق أنها سوف تبرر إجراءات المقاطعة التجارية والاقتصادية لقطر بالحفاظ على "الأمن القومي".
وحال قبول هذا المبرر، سوف يكون استثناء غير مسبوق ومثير للجدل لقواعد المنظمة.
واندلعت الأزمة الخليجية في 5 يونيو الماضي، بعدما قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها السياسية والتجارية مع قطر؛ وفرضت الثلاثة الأولى حصاراً برياً وبحرياً وجوياً عليها بدعوى "دعمها للإرهاب"، وهو ما نفته الدوحة، معتبرة أنها تواجه "حملة افتراءات وأكاذيب".
وفي الـ22 من الشهر ذاته، قدّمت الدول الأربع إلى قطر، عبر الكويت، قائمة تضم 13 مطلباً لإعادة العلاقات مع الدوحة؛ من بينها إغلاق قناة "الجزيرة"، اعتبرتها الدوحة "ليست واقعية، ولا متوازنة، وغير منطقية، وغير قابلة للتنفيذ".
وجدير بالذكر أن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كان قد أعرب عن أمله في حل الخلافات عبر الحوار والتفاوض، إلا أنه أكد في أول خطاب له حول الأزمة الخليجية أنه "لا يمكننا التحاور حول السيادة وحرية التعبير".