بعد حالة من النزاع القضائي بين أحكام مجلس الدولة ومحكمة الأمور المستعجلة في قضية "تيران وصنافير"، أسدلت المحكمة الدستورية العليا اليوم السبت الستار على القضية بعد أشهر من الجدل، حيث قضت بعدم الاعتداد بأحكام القضاء جميعًا بشأن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية.
وكانت هيئة قضايا الدولة قد أقامت دعوى تنازع أحكام وتطالب بعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، والمؤيد من المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية واستمرار تبعية جزيرتي "تيران وصنافير" للسيادة المصرية، والاعتداد بالحكم الصادر من محكمة مستأنف الأمور المستعجلة بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر النزاع
المحكمة الدستورية، كانت قد قررت في وقت سابق، حكمين متناقضين في شأن اتفاقية تيران وصنافير بين كل من مصر والسعودية، مستندة في قرارها إلى المادة 32 التي تنص على أنه "لرئيس المحكمة أن يأمر بناءً على طلب ذوي الشأن بوقف تنفيذ الحكمين أو أحدهما حتى الفصل في النزاع".
فيما أيدت المحكمة الإدارية العليا في أبريل الماضي، حكم القضاء الإداري ببطلان توقيع ممثل الحكومة على اتفاقية "تيران وصنافير" والتي تنتقل بمقتضاها الجزيرتين للمملكة العربية السعودية، فيما قضت محكمة الأمور المستعجلة بسقوط أسباب حُكم القضاء الإداري.
وفى عام 2017 أعلن مجلس الوزراء السبت، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي صادق على اتفاقية تمنح السعودية السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، وصدّق السيسي على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية بعد أيام من موافقة البرلمان المصري على الاتفاق، الذي فجر معركة قضائية بين الحكومة ومعارضيها وأدى إلى صدور قرارات قضائية متضاربة.
وتدخل الاتفاقية التي أثارت رفضا واسعا في مصر، وفق أحد نصوصها حيز التنفيذ بتبادل الوثائق بين القاهرة والسعودية، الذي لم يعلن بعد عنه من الجانبين، على أن يتم العمل بها بأثر رجعي اعتبارا من 2 يوليو 2017، وفق قرار وزاري مصري.
وفي تقرير يستعرض إطار القرار الرئاسي وأبرز ما جاء فيه بخصوص "تيران وصنافير" في أربع نقاط رئيسية كالتالي نشرته وكالات صحفية عربية ودولية: أولا: القرار الرئاسي : مدة وحيدة. نشر القرار الرئاسي، أمس الخميس 17 أغسطس2017، في 31 صفحة في أحد أعداد الجريدة الرسمية للبلاد (معنية بنشر الوثائق والقرارات الرسمية). وجاء القرار في مادة وحيدة فقط يؤكد الموافقة على الاتفاقية والخطابات المتبادلة بشأنها مع التحفظ بشرط التصديق، منوها لموافقة البرلمان على الاتفاقية في 14 يونيو 2017. ثانيا: الاتفاقية تنتظر تبادل الوثائق واتفاقا أردنيا لاحقا تلا نص القرار الرئاسي، إدراج نص آخر تفصيلي عن الاتفاقية باللغة العربية، يتضمن "اتفاقا" على تعيين الحدود البحرية بين مصر والقاهرة، بتوقيع رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، والأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، آنذاك، وولي العهد الحالي. وأبرز ما جاء في نص الاتفاقية هو الإشارة إلى وجود اتفاق لاحق مع الأردن على نحو التالي : "يبدأ خط الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية من نقطة الالتقاء المشتركة للحدود البحرية المصرية السعودية الأردنية في خليج العقبة والتي سيتم الاتفاق عليها لا حقًا بين الدول الثلاث". ولم تحدد الدول الثلاثة تفاصيل أخرى بشأن اتفاق الأردن، ولم يتسن الحصول على تعقيب فوري من عمان بشأن هذه الخطوة. ويتم التصديق على الاتفاقية" وفقًا للإجراءات القانونية والدستورية في كلا البلدين، وتدخل حيز النفاذ من تاريخ تبادل وثائق التصديق عليها، على أن تخطر الأمم المتحدة بها لتسجيلها" ووافق مجلس الشورى السعودي على الاتفاقية في أبريل 2016، والحكومة المصرية في ديسمبر 2016، والبرلمان المصري في يونيو 2017. بينما في مصر هناك صراع قضائي قائم لم يحسم بعد، وتنظره المحكمة الدستورية العليا، أعلى محكمة بالبلاد، بين طرفين، أحدهما يضم محامين معارضين حاصلين على أحكام من القضاء الإداري أعلى محكمة طعون إدارية بمصرية الجزيرتين، في مقابل طعون حكومية تؤكد سعوديتها. ثالثا: الخطابات السبعة بـ 5 مبادئ و3 تعهدات شمل القرار الرئاسي 7 خطابات رسمية، تضمنت 5 مبادئ و3 تعهدات بارزة من مصر والسعودية، وموافقة إسرائيلية ** 3 خطابات تأكيد واعتراف تضم الخطابات الثلاثة التي جاءت على التوالي، في أعوام 1988، و1989، و1990، خطابين من الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية السعودية آنذاك، إلى أحمد عصمت عبد المجيد، نائب رئيس الوزراء، وزير خارجية مصر، وخطاب آخر من الأخير إلى الأول. والخطابان السعوديان، تضمنا إشارة إلى تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، استندا إلى سماح المملكة في عام 1950 بإدارتهما من جانب القاهرة لتعزيز الموقف المصري ضد إسرائيل وتواجدها الاحتلالي آنذاك، وطلب عودة الجزيرتين بعد أن انتهت أسباب الإعارة، في إشارة لانتهاء الاحتلال الإسرائيلي لمصر. فيما رد المسؤول المصري في الخطاب الثالث والأخير، يؤكد فيه أن بلاده تقر بسيادة جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، مشيرا إلى وجود التزامات مصرية بشأن اتفاقية السلام، طالبا بقاءهما تحت الإدارة المصرية، بصفة مؤقتة إلى حين استقرار الأوضاع في المنطقة. ووفق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، عام 1979، تشرف قوات دولية متعددة الجنسيات على الجزيرتين، الواقعتين على مدخل خليج العقبة، الممتد من البحر الأحمر ويفصل بين دول عربية، بينها مصر والسعودية والأردن، حتى حدود إسرائيل الجنوبية الغربية. ووضعت الجزيرتان، وفق الاتفاقية، ضمن المنطقة "ج" المدنية، التي لا يحق لمصر وجودًا عسكريًا فيها مطلقًا، لكن ذلك لا ينفى أن تمارس سيادتها على الجزيرتين.
** 5 مبادئ وفي 8 أبريل 2016، جاء الخطاب الرابع من الأمير محمد بن سلمان، لرئيس وزراء مصر، يؤكد التزام السعودية بالقانون الدولي، وفق 5 مبادئ. المبدأ الأول : التعامل مع مضيق تيران بوصفه مجرى مائيا دوليا مفتوحا، دون أي معوقات أو عقبات، والحفاظ على الترتيبات والممارسات المعمول بها في المضيق، كما تلتزم بحق المرور عبر خليج العقبة أمام كافة الدول. المبدأ الثاني: لن يتم استخدام جزيرتي تيران وصنافير في دعم أو تخطيط أو تنفيذ أي عمل عسكري. المبدأ الثالث : قصر الوجود الأمني في الجزيرتين على الأجهزة الأمنية غير العسكرية، بما في ذلك حرس الحدود. المبدأ الرابع: الاتفاق على ترتيبات بين السعودية ومصر فور توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين البلد، تتضمن الأحكام المتعلقة بمهمات القوات متعددة الجنسيات والمرافقين في شأن الجزيرتين، بما يكفل تحقيق الهدف من وجودها، ويعمل بتلك الترتيبات من تاريخ نفاذ الاتفاقية. المبدأ الخامس: التعاون والتنسيق بين مصر والسعودية لإنفاذ الالتزامات المتصلة بهما في مضيق تيران، كلا فيما يخصه. ** 3 تعهدات بتاريخي 8 مايو 2016، و18ديسمبر 2016، أرسلت مصر خطابين يحملان توقيع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصفته وزيرا للخارجية، يطلعه على3 تعهدات بخلاف رد الأخير في 19 ديسمبر يؤكد موافقته على الاتفاقية. التعهدات الثلاثة المصرية وفق الخطابين تشير إلى التزام القاهرة بمعاهدة السلام، وكذلك السعودية بترتيبات نقل السيادة دون مساس بالمعاهدة، وعدم التعديل على اتفاقية "تيران وصنافير" إلا بموافقة إسرائيلية مسبقة. بينما جاء الخطاب الثالث يحمل موافقة إسرائيلية على الاتفاقية.
رابعا: إحاطة برلمانية وقرار وزاري وتأييد رئاسي تضمنت ملحقات القرار الرئاسي، إحاطة برلمانية من رئيس البرلمان المصري، على عبد العال، بالموافقة على الاتفاقية. بخلاف نشر تأييد رئاسي للتصديق على الاتفاقية، بدأه السيسي، بعبارة باسم الشعب وأنهاه قائلا : "نقبلها ونؤيدها ونُصدق عليها". وجاء آخر ملحق للقرار الرئاسي، يتضمن قرارا وزاريا، من سامح شكري، يشير إلى أنه سيبدأ العمل بالاتفاقية بتاريخ 12 يوليو 2017، أي بأثر رجعي، دون تقديم أسباب لذلك.
وترصد «مصر العربية» ترصد أبرز محطات قضية جزيرتي تيران وصنافير منذ تنازع الأحكام القضائية الصادرة.
أول حكم
قضت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى، بمجلس الدولة، برئاسة المستشار يحيى دكرورى، نائب رئيس مجلس الدولة، في 21 يونيو 2016، ببطلان توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية الخاصة بجزيرتى تيران وصنافير واستمرار تبعية الجزيرتين للسيادة المصرية ورفض دفع هيئة قضايا الدولة بعدم الاختصاص.
واختصمت الدعاوى التي أقامها خالد علي وعلي أيوب وآخرون، وحملت رقم ٤٣٨٦٦ لسنة ٧٠ قضائية، كلا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب.
وذكرت الدعوى أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتنازل عن جزيرة تيران وصنافير، باطلة؛ حيث إنها تخالف اتفاقية تقسيم الحدود المبرمة سنة 1906، ولا يجوز عرضها على البرلمان طبقًا للمادة 151 من الدستور.
وقالت الدعوى: إن الطاعن فوجئ بقيام رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء أثناء استقبالهما العاهل السعودى بإعلان الحكومة عن توقيع ١٦ اتفاقًا من بينها اتفاق بإعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لا سيما فيما يتعلق بحقوق السيادة على جزيرتي "تيران وصنافير" الواقعتين في البحر الأحمر.
التوقيع
كانت الحكومة وقَّعت في أبريل 2016 اتفاقية مع الجانب السعودي تضمنت التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، في خطوة لاقت حملة اعتراضات شعبية انتهت إلى أروقة محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بين فريق من المحامين والسياسيين عارضوا الاتفاقية من جهة، وهيئة قضايا الدولة مفوضة للدفاع عن الحكومة من جهة أخرى، في قضية انتهت إلى حكم القضاء الإداري المشار إليه.
الإدارية العليا
وكانت المحكمة الإدارية العليا، أيدت في أبريل الماضي، حكم القضاء الإداري ببطلان توقيع ممثل الحكومة على اتفاقية "تيران وصنافير" التي تنتقل بمقتضاها الجزيرتين للمملكة العربية السعودية، فيما قضت محكمة الأمور المستعجلة بسقوط أسباب حُكم القضاء الإداري.
الأمور المستعجلة
وتسببت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في وقت لاحق في حالة جدل بعد أن قضت ببطلان أسباب حكم المحكمة الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين، إلى أن قررت الحكومة إحالة الاتفاقية إلى البرلمان لمناقشتها الأمر الذي دفع بعض المحامين إلى إقامة 12 دعوى جديدة أمام محكمة القضاء الإداري (ما زالت منظورة أمام هيئة المفوضين بالمحكمة) تطالب ببطلان إجراءات الحكومة بشأن التنازل عن الجزيرتين، وعرض الاتفاقية على استفتاء شعبي.
طعون جديدة
وأكدت الدعاوى أنه لا يجوز التنازل عن أي حق من حقوق السيادة على أي قطعة مصرية إلا في نطاق ما تنص عليه المادة 151 من الدستور، والتي وضعت الخطوات الدستورية للتنازل عن السيادة المصرية على الأراضي، على أن تبدأ بإبرام رئيس الجمهورية للمعاهدة، ثم موافقة مجلس النواب عليها، ثم موافقة الشعب عليها عبر استفتاء شعبي، باعتبار أنه الوحيد الذي يملك ذلك الحق؛ لكونه مصدر السلطات.
تعارض الأحكام
وأمام تعارض حكمي المحكمة الإدارية العليا (بمصرية الجزيرتين) وحكم محكمة الأمور المستعجلة ببطلان أسباب حكم بطلان الاتفاقية الصادر من الأولى، لجأت هيئة قضايا الدولة مفوضة عن الحكومة لإقامة دعوى تنازع أمام المحكمة الدستورية العليا.
وأودعت هيئة مفوضي الدستورية تقريرها في الشق الموضوعي، وتضمن توصيتين، الأولى بعدم قبول دعوى التنازع لانتفاء المصلحة، والثانية بعدم الاعتداد بالأحكام الصادرة من مجلس الدولة والأمور المستعجلة على حد سواء.
قضايا الدولة
كانت هيئة قضايا الدولة أقامت -بالوكالة عن الحكومة- دعوى تنازع أحكام حملت رقم 12 لسنة 39 دستورية، وتطالب بعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، والمؤيد من المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية واستمرار تبعية جزيرتي "تيران وصنافير" للسيادة المصرية، والاعتداد بالحكم الصادر من محكمة مستأنف الأمور المستعجلة بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر النزاع.
وقف الأحكام
وأوقفت المحكمة الدستورية، في وقت سابق، حكمين متناقضين في شأن اتفاقية تيران وصنافير بين كل من مصر والسعودية، مستندة في قرارها إلى المادة 32 التي تنص على أنه "لرئيس المحكمة أن يأمر بناءً على طلب ذوي الشأن بوقف تنفيذ الحكمين أو أحدهما حتى الفصل في النزاع".
شاهد فيديوهات قصة «تيران وصنافير» من الألف إلى الياء عبر الرابط التالي:
كل ما تريد معرفته عن «تيران وصنافير» (فيديوهات)