على الرغم من توافق القوى السياسية اللبنانية على زعيم تيار المستقبل سعد الحريري كرئيس للحكومة الجديدة بعد الانتخابات البرلمانية، إلا أن عملية تشكيل الحكومة أدخل لبنان في مخاض صعب الأمر الذي يعوق الاستقرار السياسي للبلاد.
وينتظر الشعب اللبناني منذ انتهاء الانتخابات البرلمانية الشهر الماضي تشكيل الحكومة الجديدة والبدء بإصلاحات لإنقاذ الاقتصاد المتهالك، إذ يعتبر الدين العام اللبناني الثالث على العالم، كما يعاني الاقتصاد من تباطؤ النمو وتفشي الفساد وعزوف المستثمرين.
ويعاني لبنان من ديون بلغت نحو 80 مليار دولار بنهاية العام 2017، تشكل حوالي 150% من إجمالي الناتج المحلي، وهي ثالث أكبر نسبة دين عام في العالم.
تحذيرات دولية
وحذر صندوق النقد الدولي أخيرًا من أن تلك النسبة قد تصل إلى 180% العام 2023؛ ما لم يتم تنفيذ إصلاحات جدية بما فيها خفض عجز الميزانية الذي قد يصل إلى أكثر من 10% من إجمالي الناتج المحلي في تلك الفترة؛ نتيجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
وقال الصندوق في تقرير، إن "لبنان بحاجة ماسة لإجراء إصلاحات اقتصادية؛ لمعالجة احتياجاته التمويلية والدين العام الذي يتوقع أن يتفاقم؛ بسبب الأوضاع السياسية المتقلبة والخلافات الداخلية وعبء استضافة أكثر من مليون لاجئ سوري يشكلون حوالي ربع إجمالي عدد السكان اللبنانيين”.
وتعد نتائج الانتخابات هى التحدي الأكبر أمام تشكيل حكومة جديدة، خاصة بعد تغير معادلة القوى السياسية والطائفية مع تراجع حزب سعد الحريري وتقدم حزب الله.
مخاطر اقتصادية
وقال الحريرى، في تصريحات صحفية إن جميع الأحزاب متفقة على أن وجود المخاطر الاقتصادية الداخلية والأخطار الإقليمية المتزايدة يعنى ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية بأسرع ما يمكن.
ويسعى حزب الله المدعوم من إيران إلى مشاركة أكبر فى هذه الحكومة الائتلافية مقارنة بالحكومة السابقة، بعد المكاسب الكبيرة التى حققها وحلفاؤه فى الانتخابات البرلمانية التى أجريت فى السادس من مايو الماضي .
وحصل حزب الله، وجماعات وأفراد مؤيدون لحيازته للأسلحة، على 70% على الأقل من مقاعد البرلمان التى يبلغ عددها 128 مقعدا فى الانتخابات، وهو نقيض لآخر انتخابات تشريعية لبنانية والتى أعادت أغلبية مناهضة لحزب الله.
توزيعة الحكومة
ويظل الحريرى السياسى السنى الأبرز فى لبنان رغم خسارته أكثر من ثلث مقاعده فى الانتخابات، ويسعى حزب القوات اللبنانية، المناهض بقوة لحزب الله، للحصول على نصيب أكبر من الحقائب الوزارية فى الحكومة بعد أن ضاعف تقريبا عدد مقاعده فى البرلمان، ليصل عدد نوابه إلى 15 نائبا.
وتقسم الحكومة اللبنانية مناصفة بين المسيحيين والمسلمين؛ حيث تتوزع المقاعد عند المسلمين بين 6 مقاعد وزارية لكل من السنة والشيعة، إضافة إلى 3 وزراء للدروز.
وعند المسيحيين يأخذ الموارنة 6 وزراء مقابل 4 للروم الأرثوذكس، و3 للروم الكاثوليك، ووزيرين للأرمن، وينص الدستور اللبناني على أن يكون رئيس الحكومة مسلماً سنياً.
تمويل مشاريع
رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، قال خلال لقائه بوفود شعبية مؤخراً، “رغم أن الوضع الإقليمي يعتبر خطيرًا جدًا إلا أن التأخير في تشكيل حكومة جديدة يمكن أن يكون أخطر بكثير، لأننا نعاني من وضع خطير جدًا وهو الخطر الاقتصادي الذي وصل إلى حدود خطيرة جدًا”.
وأشار بري إلى أن "مؤتمر باريس وافق على منح لبنان 11 مليار دولار على شكل قروض وهبات واستثمارات لتمويل مشاريع بنية تحتية مقابل شروط"، مشددًا على "ضرورة تشكيل حكومة بأقصى سرعة ممكنة، لمعالجة ما يمكن معالجته ودفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام حتى يتسنى للبنان استحقاق تلك المبالغ".
الشعب هو الضحية
الناشط السياسي اللبناني سامر عياش، قال إن الوضع العام يشير إلى أن الحكومة الجديدة لن تخرج للنور إلا بصعوبة، مشيراً إلى أن حزب الله من الممكن أن يكون لديه مصلحة في تأخير ظهور الحكومة.
وأضاف لـ"مصر العربية" أن حزب الله قد يقوم بعملية ابتزاز للحريري إما الحصول على عدد كبير من الحقائب الوزراية أو تعطيل التشكيل وهذا قطعاً سيفيده وسيجني منه الكثير من المكاسب السياسية.
وأوضح أن القوى السياسية اللبنانية للأسف الشديد لا ترى تحقيق المكاسب السياسية البعيدة كل البعد عن المصلحة العامة للبلاد وللشعب اللبناني الذي سيدفع وحدة فاتورة أنانية السياسيين.
وأكد أن الاقتصاد اللبناني بحاجة إلى خطة عالجة من حكومة تكون قادرة على العبور بالمواطن اللبناني إلى بر الأمام في ظل الأخطار المحلية والدولية المحدقة بالبلاد، لكن هذا لن يحدث إلا بإرادة الشعب وليس بالسياسيين.