«صفقة القرن».. هل تمررها أمريكا مقابل إطلاق يد الروس في سوريا؟

ترامب وبوتين

عرض الأميركيون على الجانب الروسي توسيع «التفاهم السوري» إقليمياً، على أن تتخذ الخارجية الروسية والكرملين مبادرة لتسهيل لقاءات تفاوضية بين رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

 

ويصادف هذا العرض ضغوطاً وجهوداً أميركية لإعادة «الاتصال» بالقيادة الفلسطينية التي ترفض لقاء المسؤولين الأميركيين، منذ أن اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت إليها سفارتها.

 

ولا يزال ذلك الرفض يعقّد مهمة كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر، ومبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، من أجل التسويق لما يسمى «صفقة القرن»، وفتح قناة التفاوض المغلقة مع القيادة الفلسطينية.

 

وليس مؤكداً أن تكون موسكو التي يدفعها العرض الأميركي إلى دور الوسيط بين نتنياهو وعبّاس، موافقة هي أصلاً على «صفقة القرن». إذ يقول نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق العائد من لقاءات في موسكو، إن الروس تعهّدوا بمعارضة مشروع ترامب، وعدم الدفع بصفقة القرن.

وفي هذه الأجواء، عاد الرئيس فلاديمير بوتين بالأمس، إلى تنشيط «ديبلوماسية المونديال»، فدعا رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني، إلى احتفاله الختامي في الخامس عشر من يوليو المقبل.

 

ومن المنتظر أن يستخدم الرئيس الروسي الدعوات إلى اجتماع بين ضيفيه، يختبر قدرة الروس على إطلاق آلية التفاوض المجمدة بينهما منذ سنوات، فيما يتعدى خدمة التفاهمات مع إدارة ترامب إلى مراكمة المزيد من الأوراق للانخراط مجدداً في ملفات الشرق الأوسط، وتوسيع الحضور الروسي انطلاقاً من سوريا.

 

صحيفة الأخبار اللبنانية، المقربة من حزب الله، نقلت عن ما سمتها مصادر عربية قولها، إن 

الأميركيين عرضوا على الروس تطوير التفاهم في سوريا، والبناء عليه وعقد صفقة إقليمية أوسع، تقايض نفوذاً روسياً خالصاً في سوريا، مقابل إطلاق يد المحور الأميركي ــ الخليجي ــ الإسرائيلي في فلسطين.

 

ووصفت المصادر العربية العرض الأميركي بـ«السخي» لأنه يتضمن الاعتراف الأميركي بالمصالح الروسية الخاصة في سوريا، واعتبارها منطقة نفوذ روسية خالصة، مقابل تحجيم الروس لإيران هناك، أولاً، ومن ثم تسهيلهم «صفقة ترامب».

 

ومن المنتظر أن تتبلور أكثر صورة العرض الأميركي مع زيارة مستشار الأمن القومي جون بولتون، إلى موسكو، وتطوير التفاهمات التي بدأ العمل بها على الجبهة السورية على حساب إيران، إلى ملف «صفقة القرن».

 

وقد تتضح صورة التفاهمات بين الرئيسين بوتين ودونالد ترامب، واحتمالات تحوّلها إلى صفقة على حساب الأولوية الإيرانية لواشنطن، من خلال اللقاءات التي سيجريها بولتون في موسكو لتحديد موعد للقاء بين الرئيسين في فيينا، قد ينعقد منتصف الشهر المقبل، ويشكل انعطافة في العلاقات الروسية ــ الأميركية، مع تهميش البيت الأبيض للقطب العسكري المعارض للتفاهم مع الروس، والذي أنتج خلال عام واحد من الإدارة «الترامبية»، ثلاث وثائق أمنية واستراتيجية ونووية، تعتبر روسيا الخطر الأول على الولايات المتحدة.

 

وتطمح الإدارة الأميركية إلى ضم موسكو التي تتمتع منذ العهد السوفياتي بعلاقات مميزة مع الرئيس محمود عباس، إلى حملة الضغط عليه وعلى القيادة الفلسطينية لتقبل بالصفقة المعروضة، وعدم إبقاء هذه الضغوط في إطار المحور الخليجي ــ الإسرائيلي ــ الأميركي، وحده.

 

ويحتفظ الروس بعلاقات جيدة مع بقايا جناح «سوفياتي» في صفوف القيادة الفلسطينية، أولهم محمود عباس. فيما يمكن القول إن الرئيس بوتين يملك أوراقاً كبيرة لدى الجانب الإسرائيلي، لا ترقى إلى مستوى التحالف الأميركي ــ الإسرائيلي، لكن لا شيء يشبه علاقته ببنيامين نتنياهو، الذي لم ينجح ببناء علاقة ثقة بأي زعيم دولي كعلاقته ببوتين، باستثناء ما يجمعه بالرئيس دونالد ترامب.

 

لم يكن العرض الأميركي ولا التفاهم مع روسيا في سوريا والشرق الأوسط عامة، ممكناً لولا التحولات الجارية داخل الإدارة الأميركية منذ عام. إذ عاد ترامب إلى فرض رؤيته الأولية، تدريجاً، للتعاون مع روسيا خلال حملته الانتخابية، على بقية أجنحة الدولة العميقة من الأمن القومي والأجهزة الأمنية ووزارة الدفاع.

 

كانت رؤية ترامب الانتخابية منذ البدء لا تعتبر سوريا ساحة مواجهة مع روسيا، كما نزع إلى ذلك وزير الدفاع جايمس ماتيس، وإنما ساحة ممكنة من ساحات احتواء إيران، بالتعاون مع روسيا والنظام السوري.

 

تتقاطع كل المعلومات عن تحجيم وزير الدفاع جايمس ماتيس في منصبه، استكمالاً لعملية تطهير القطب العسكري المعادي لأجندة ترامب في السياسة الخارجية التي لم يتوقف الرئيس عن محاولة فرضها في كل الملفات، وتطبيق ما كان يدعو إليه خلال حملته الانتخابية من تفاهم مع الروس.

 

ووفق التسريبات، يقف ماتيس عند خط مغادرة منصبه أو التهميش، إذ لم يعد، وهو الذي فرض على الرئيس ترامب التراجع عن انسحاب وشيك خلال أشهر من سوريا ودفعه إلى تأجيل الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، محاور البيت الأبيض اليومي، ولا نديم نزيله الدائم.

 

فالجنرال الذي كان يتمتع بإعجاب الرئيس، لا مكان له في المجموعة التي اتخذت القرارات الاستراتيجية، سواء الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، أو الاتفاق المبدئي مع كوريا الشمالية وتجميد المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية.

 

والأرجح أن التفاهم مع الروس، ومحاولة توسيعه الجارية إلى صفقة إقليمية وتقاسم للنفوذ معهم في الشرق الأوسط، أصبح ممكناً، ليس بعد إنجاز جزء كبير من عملية تطهير الإدارة الترامبية من قطبها العسكري، خصوصاً المعادي لروسيا، فحسب، وإنما أيضاً بعد إقالة مستشار الأمن القومي الجنرال هربرت مكماستر، والإتيان بجون بولتون، الذي يعتبر أن مواجهة إيران وإسقاط النظام فيها أولوية، تتطلب بأي حال تحييد الروس عبر التفاهم معهم في سوريا.

 

عادت الأولوية الأميركية إلى التركيز على مواجهة إيران. ولا يعني ذلك الذهاب نحو أي خيار عسكري. إذ يشرح رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس يادلين، ما يمكن اعتباره الاستراتيجية الأميركية ــ الإسرائيلية تجاه إيران، أن «الخيار العسكري لن يسمح بإسقاط النظام ولا بتدمير البرنامج النووي الإيراني، بل سيوحد الشعب الإيراني، والحل يكمن في العمل على استلهام نموذج استراتيجية الرئيس رونالد ريغان لإسقاط الاتحاد السوفياتي، بمزيج من العقوبات والحصار الاقتصادي والحرب الإعلامية.

مقالات متعلقة