لماذا تتركز صراعات الشرق الأوسط في المدن وليس الريف؟

دمار
"عدن، الرقة، حلب، بنغازي، مصراتة، الموصل".. لم تعد هذه المدن عادية بالنسبة لمسامع الكثيرين حول العالم، فبينما اشتهرت كل منها بما يميزها إيجابًا، باتت تمثل كابوسًا مفزعًا وعنوانًا للاضطرابات في الشرق الأوسط.   هذا ملخص مقتبس ضمنيًّا مما ورد في مقالٍ بمجلة فورين بوليسي الأمريكية، أعدّه أنطونيو سامبايو الباحث المساعد في الأمن والتنمية بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ركّز فيه على أنّ الصراعات في منطقة الشرق الأوسط تتركز في المدن وليس الريف.   يقول التقرير: "أصبحت مدن الشرق الأوسط مرادفات لأنواع الصراعات المأساوية التي ابتليت بها المنطقة، فحلب اختصار للحرب الأهلية السورية الكارثية، والرقة والموصل يرادفان المواجهات العنيفة مع تنظيم الدولة (داعش)، ومصراتة وبنغازي يرمزان لتكرار الاضطرابات في ليبيا، وعدن وتعز يشيران لتعقيد الصراع باليمن".   ويضيف: "حرب المدن ليست جديدة، لكن في عصر انتشار الميليشيات والمتمردين، أصبحت المدن الآن نقطة انطلاق لصراعات وحشية طويلة الأمد.. فالعالم الآن يعيد إلى أذهاننا ما تنبأ به الماركسي مايك ديفيز في عام 2006؛ حيث قال ليلة بعد ليلة تطارد طائرات الهليكوبتر العسكرية أعداءً غامضين في الشوارع الضيقة بالأحياء الفقيرة، وتحرق الأكواخ والسيارات، وكل صباح ترد عليهم الأحياء الفقيرة بعمليات انتحارية وتفجيرات ضخمة".   في اليمن، يوضح التقرير أنّ "الحديدة" واحدة من المدن الساحلية الرئيسة في اليمن بسكانها البالغ عددهم 600 ألف نسمة، وهناك تحاول القوات اليمنية المدعومة من السعودية والإمارات طرد المقاتلين الحوثيين، وهم متمردون زيديون يسيطرون على مساحات شاسعة من شمال وغرب اليمن.   وأدت مناشدات القوى الغربية إلى إلغاء العملية، بالإضافة إلى العروض التي قدمتها الأمم المتحدة للتفاوض حول التسليم السلمي للميناء إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، لكن المدينة ما زالت مهددة.   ويذكر التقرير أنّ المواجهات العمرانية المطولة كانت اتجاهًا ثابتًا في حروب الشرق الأوسط الأخيرة، فحلب التي كانت مركزًا صناعيًّا مهمًا، دُمرت بالكامل خلال ما يقرب من أربع سنوات من القتال "منذ عام 2012 إلى عام 2016"، بين الجماعات المتمردة ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.   وفي الموصل، استخدم تنظيم "الدولة" التوسع في ثاني أكبر مدينة بالعراق لتعويض الفارق العسكري ضد عملية عسكرية مدعومة من الولايات المتحدة خلال عامي 2016 و2017، واستخدم مقاتلو التنظيم المتطرف المتفجرات محلية الصنع والكمائن وحواجز الشوارع وجيشًا من الطائرات بدون طيار لنشر جبهات الحرب في جميع أنحاء المدينة، ويعلق الكاتب: "قد تكون هذه الاستراتيجية الوحيدة التي تمكن تنظيم الدولة من مقاومة حوالي 105 ألف مقاتل من قوات التحالف الدولي".   ويقول التقرير إنّ تنظيم "الدولة" أعطى الأولوية لإصلاح الإدارات المحلية بعد فترة وجيزة من السيطرة على مدن مثل الموصل والرقة، وفرض الضرائب وإرسال المفتشين للتحقق من تشغيل الخدمات ودفع الفواتير، بالإضافة إلى نشر الشرطة الدينية.   ويشير إلى أنّه يمكن بسهولة جذب عصابات التهريب العابرة للحدود إلى نطاق المدن الكبرى؛ مما يسهل حصول تنظيم "الدولة" على الأسلحة، والوقود، والإمدادات الطبية.   وفي مدينة الحديدة، يجري إعداد المشهد لتكرار نفس النوع الصراعات بالمدينة، ورغم أنّ النية المعلنة للتحالف - بحسب التقرير - تَعد بتقليل العمليات وسط المدينة، يتوقع المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يشتعل القتال بالقرب من البنية التحتية الحيوية والطرق الرئيسة وغيرها من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ومن شبه المؤكد أن الأضرار تمتد إلى ما بعد الحديدة نفسها، فالمدينة تُعد عاصمة الصناعات الزراعية في اليمن، ومحركًا مهمًا للتنمية في بلد فقير.   وقد حذّرت الجهات المانحة، ووكالات الإغاثة الإنسانية، والخبراء الأمنيون، خلال مؤتمر عُقد بجنيف في أواخر العام الماضي، من أنّ تأثير الحرب على المدن قد أصبح تهديدًا للتنمية الدولية، فضلًا عن التسبب بأزمة إنسانية.   وخلص المؤتمر، الذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى أنّ آثار الحرب على إعادة تأهيل البنية التحتية، والإنتاج الصناعي، وأسواق العمل، والنظم الصحية، وإمدادات الطاقة، يمكن أن تَضر بالمدنيين، مثل الدمار الفوري الذي تسببه القنابل، وتبادل إطلاق النار.   ويختتم الكاتب تقريره قائلًا: "تمدين النزاعات يفرض على الحكومات والجيوش التابعة أن تكون على دراية بإلحاحية إعادة تأهيل الخدمات بالمدن، فقد نصحت اللجنة الدولية الأطراف المتحاربة على سبيل المثال، بتجنب استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، والابتعاد عن البنية التحتية التي يعتمد عليها السكان المدنيون".   ولهذا الأمر "أسباب استراتيجية" إلى جانب الأبعاد الإنسانية، فعندما تطول حالة عدم الاستقرار والتخلف الذي تلي النزاعات المسلحة، يمكن أن تغذي التوترات المحلية، وتزيد من خطر عودة اشتعال الصراعات. ومع توسع التمدن في جميع أنحاء العالم النامي، يعد منع الصراعات الحضرية المطولة وإزالتها أحد أهم التحديات الإستراتيجية والإنسانية في العصر الحالي.   طرح "مصر العربية" السؤال على الخبير العسكري اللواء جمال مظلوم، وهو لماذا تتركز الصراعات على المدن وليس الريف، وأي مخاطر على الدولة يحملها ذلك.   يقول مظلوم: "هذا الأمر راجع إلى اعتبار المدن مجالًا للكثافة السكانية الأكبر، وبالتالي تكون العمليات أكثر تأُثيرًا، لأنّه في الريف يكون تعداد السكان أقل كما تكون المسافات بين البلاد بعيدة نوعًا ما".   ويضيف في حوار ينشر لاحقًا: "الكثافة السكانية تكون مفضلة لأطراف الحروب، بسبب ما تنتجه عن خسائر بشرية أكبر، وفي المدن أيضًا يكون هناك مجال لإدخال وتحريك المعدات، أحيانًا نرى أسلحة يتم إدخالها إلى مراكز شباب أو مدارس أو مستشفيات، وبالتالي تتوفر ساحةً سواء للأفراد أو المعدات".   القتال في المدن - يوضح مظلوم - تكون أهدافه حيوية، فمن الممكن استهداف مستشفى، وبالتالي فإنّ التأثير لا يقتصر فقط على المبنى لكن أيضًا يطال التأُثير مؤسسة تقدم علاجًا للمصابين.   وبحسب "اللواء"، فإنّ "ذلك" يعني أنّ المدن تكون مجالًا خصبًا لخسائر مكلفة أكثر من الأهداف التي يتم النيل منها في الريف، باعتبار الأرض مفتوحة ويكون من الصعب الاختباء بها، ويتم اكتشافها بسهولة.   ويشير إلى أنّ هذه الأمور تعطي مؤشرًا بأنّ القتال قرب المدن أو داخلها يكون مستحبًا أكثر من الريف.

مقالات متعلقة