عندما يجتمع الفقر والجهل والظلم، وأفكار التخلف والشعوذة، فعلى الأغلب، تكون المرأة والطفل الضحايا الأكثر تعرضًا، لهذه الظروف اللاإنسانية، وهذه هي الرسالة التي يتضمنها الفيلم الإيطالي الزامبي "أنا لست ساحرة" "I Am Not a Witch".
تعرض لجنة السينما، بمؤسسة "عبد الحميد شومان" الثقافية، الفيلم البريطاني الزامبي "أنا لست ساحرة"، للمخرجه رونغانو نيوني، وذلك يوم الثلاثاء 24 يوليو 2018.
تقتحم المخرجة البريطانية الزامبية الأصل "رونغانو نيوني" من خلال أحداث فيلم "أنا لست ساحرة" الذي أُنتج عام 2017، وتجري أحداثه في زامبيا، عالم الفقر والجهل.
يدور الفيلم حول الطفلة "شولا" (الممثلة مارغريت مولوبوا)، وعمرها 8 سنوات، وحظها العاثر يضعها أمام امرأة تنقل على رأسها جرة من الماء، تتعثر وتنسكب المياة على الأرض، لتقوم هذه المراة باتهام الفتاة بأنها ساحرة، وإنها بنظراتها استطاعت أن تسقط الماء عن رأسها، لتبدأ رحلة معاناة واستغلال "شولا" بعد أن تنتشر سمعتها كساحرة في القرية.
ينفتح الفيلم على حافلة تنقل السياح تتصدرهم سيدة بيضاء، جاؤوا إلى قرية نائية، للفرجة على مجموعة من النساء المحتجزات داخل مخيم باعتبارهن من "الساحرات"، وهن من العجائز اللواتي تم ربطهن بحبال مطاطية بيضاء، موصولة بقطع خشبية ضخمة، تمنعهن من "الطيران"، أو الهرب، وتقيّد المسافة التي يمكن لهنّ التحرك فيها. وجوهه "الساحرات" مطلية بطلاء ابيض، يجبرن على أن يقمن بحركات وأصوات لا معنى لها، سوى خلق أجواء من الغرابة أمام السياح، لضمان تدفقهم على هذه المنطقة لصالح متنفذين.
ويصدر الحكم على "شولا" بعد أن تقدمت المرأة بالشكوى إلى المركز الامني، وتستمع لها المحققة بلا مبالاة، ثم تتعالي الأصوات خارج مكتب التحقيق، ويتقدم رجل ليدلي بشهادته ضد "شولا" كيف أنها جاءت إليه وهو يحرث الحقل، وتسببت بقطع يده وعندما تقول له المحققة "يدك سليمة"، يرد عليها أن ذلك حصل في الحلم أثناء نومه.
في هذه الأجواء من التخلف والجهل يظهر من يستغل هذه الظروف، ويوظفها لمصالحه الخاصة، وهنا نتعرف على شخصية" باندا"، الموظف ورجل الحكومة، والذي يعيش مع سيدة يبتزها، اختصها لنفسه بعد أن تم اتهامها بالسحر وهي صغيرة. ويجد "باندا" في" شولا" مشروعا استثماريًا يكسب منه، ويستغلها للترويج لأعماله، والمتاجرة بالبيض "السحري"، باعتباره بيضًا مختلفًا، والذي يروج له في محطات التلفزة، ليبين قدرات الفتاة الخارقة، سواء بانزال المطر، أو قدرتها على معرفة اللصوص.
يستمر الفيلم بعرض الأجواء البائسة، بأسلوب الكوميديا السوداء، والأنماط والأجواء السريالية، واستغلال المرأة بأبشع الصور، من خلال العمل الشاق في المزارع البعيدة، في ظروف صعبة جدا، ومايرافق ذلك من جهل المجتمع، وغياب مؤسسات الدولة، والتواطؤ لاستغلال كل هذه الظروف، وبشكل خاص من "باندا".
وتموت "شولا"، وهي تتمنى لو أنها رفضت واقعها، حتى لو تحولت الى عنزة، كما أوهموها إن تمردت، وبموتها، يتساقط المطر، وينشدن لها النساء الساحرات، ليظهرن في المشهد الاخير، وقد تحررن من ذلك الحبل المطاطي الابيض، الذي يمثل عبودية وقهر واستغلال النساء.
تقدم المخرجة الزامبية" نيوني"، عملاً جريئًا، بعيدًا عن تصدير الشكل الفلكلوري، أو المتاجرة بالتقاليد والقيم في بلدها، تطرح فيه بعض اشكال القسوة، الظلم الاجتماعي والحكومي الواقع على المرأة الإفريقية بشكل عام، إلى درجة استغلال السحر والأساطير للهيمنة على المرأة وخداع المجتمع، لحساب فئة مستفيدة من هذا التخلف والجهل الذي مايزال يسيطر على العقل الجمعي هناك. وذلك في إطار عمل متماسك، وأن كانت فيه هناك بعض التحولات المفاجئة، وما يميز الفيلم هو ذلك الأداء العفوي للممثلين، وغالبيتهم يقفون لأول مرة أمام الكاميرا، وخاصة "مارجريت مولوبوا- بدور شولا"، والموسيقى التي جاءت مضطربة كما هي حياة "شولا" بتحولاتها، والتصوير الذي عكس البيئة التي تجري بها الاحداث، وتدور فيها الشخصيات، واعطى المكان مسحة واقعية، للتأثير بشكل أكبر على المتلقي.
ومن المقرر أن تعرض لجنة السينما بمؤسسة "شومان" الأسبوع القادم 31 يوليو 2018، الفيلم الفرنسي "صنع في الولايات المتحدة الأمريكية" للمخرج جان لوك غودار.