صفقة القرن.. طبخة على نار ليست هادئة

السيسي وترامب وابن سلمان
بقدر ما يحمل لفظ "الصفقة" مصلحة مشتركة يجنيها طرفان اثنان، وربما أطراف أخرى من ورائهما، لكن عند ربط هذا المصطلح بالقضية الفلسطينية فإنّ طرفًا ما ربما يُقضَى عليه بتلك الصفقة.   منذ أشهر يتردد مصطلح "صفقة القرن" ولا أحاديث رسمية بشأن بنودها التي يُقال إنّها تسعى إلى حل القضية الفلسطينية من خلال رؤية أمريكية، ولكن لأنّ المجهول يحوم حول تلك الصفقة على الأقل حتى الآن فإنّ الشياطين قد كمنت في تفاصيلها الدقيقة، فقيل إنّها صفعة للقضية وتهدر حقوق الفلسطينيين من طرفٍ يعرف عنه موالاته للاحتلال.   وبعد سلسلة من التأجيلات، عادت مصادر دبلوماسية تكشف عن تطورات جديدة طرأت على المباحثات السرية التي تجري لإحياء "صفقة القرن" الأمريكية، وتحديد موعد طرحها في المنطقة، رغم الرفض الفلسطيني الرسمي والشعبي القاطع لها.   المصادر قالت إنّ "كل ما أُشيع خلال الفترة الأخيرة عن طلب عربي لتأجيل طرح خطة الإدارة الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية والتي باتت تعرف بـ"صفقة القرن" إلى مواعيد لاحقة، غير دقيق ومخالف لما يجري على أرض الواقع، وداخل الغرف المغلقة بين المسؤولين العرب والإسرائيليين والأمريكان.   وأضافت في حديث لموقع "الخليج أونلاين: "الكثير من وسائل الإعلام، وخاصة العبرية، تحدثت عن طلب قدمته مصر والسعودية والأردن للإدارة الأمريكية، تطالبها فيه بتأجيل إعلان الصفقة، وانتظار نتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس، وذلك كان مجرد تشتيت للرأي العام، ومحاولة امتصاص الغضب العربي والفلسطيني الذي رافق الصفقة، خاصة ضد الدول العربية التي تدعمها، وعلى رأسها السعودية".   ويوم الثالث من أغسطس الجاري، تحدثت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية عن طلب قدمته مصر والسعودية والأردن، لتأجيل إعلان خطة الإدارة الأمريكية إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي لمجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس.   وأكد مسؤول مقرب من البيت الأبيض، بحسب الصحيفة، أنّ صفقة القرن ستؤجَّل عدة أشهر؛ بسبب انتخابات التجديد النصفي، وإمكانية إجراء انتخابات مبكرة في "إسرائيل"، وأن إدارة البيت الأبيض ترى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لن يكون قادرًا على التعهّد بالالتزام ببنود الصفقة في فترة ما قبل الانتخابات.   فيما أوضحت المصادر أنّ "واشنطن متمسكة بكل قوة بصفقتها، وكذلك موعد طرحها في المنطقة، وهي تلقى دعمًا كبيرًا من الرياض في هذا الجانب، كما أنّ هناك اتصالات ولقاءات دائمة بين الأطراف المعنية بمشاركة شخصيات إسرائيلية؛ لوضع اللمسات الأخيرة على الصفقة والتجهيز لطرحها بشكل رسمي".   وكشفت أنّ "واشنطن استضافت عدة لقاءات سرية، بداية شهر أغسطس الجاري بين مسؤولين من دول عربية (مصر-السعودية) وشخصيات إسرائيلية؛ للتباحث في الصفقة، التي شارفت الانتهاء، ويجري الآن وضع اللمسات الأخيرة عليها، وتحديد موعد طرحها الرسمي المتوقع قبل نهاية العام الجاري".   وتحدثت المصادر: "الاتصالات واللقاءات العربية-الإسرائيلية والأمريكية لم تنقطع، وهناك مطالبات من السعودية بالإسراع في طرح "صفقة القرن" بعد الاتفاق على خطوطها العريضة كافة، وخاصة التمويل المالي لها والتجاوب الإسرائيلي معها".   وذكرت المصادر ذاتها أنّ "اللقاء السري الذي عُقد منتصف شهر يونيو الماضي في القاهرة، بين نتنياهو والرئيس عبد الفتاح السيسي ناقش بشكل جادٍ الملفات المطروحة في صفقة القرن، وتم تبادل المواقف والآراء حولها، وفي النهاية توصل الطرفان لنقاط مشتركة مشجعة وداعمة للجهود الأمريكية المبذولة".   الحديث عن صفقة القرن بدأ منذ نهاية الماضي، وقد أعلنت عدة توقيتات وإن بشكل غير رسمي، قيل إنّها ستشهد طرح هذه الصفقة، لكنّ شيئًا من هذا لم يحدث، فمثلًا في مارس الماضي كان يفترض أن ترى هذه الصفقة "النور" كمل سرب عن الإدارة الأمريكية، إلا أنّ قرارًا صدر بتأجيل طرحها.   ورغم عمل أطراف هذه الصفقة - عربيًّا وغربيًّا - على أن تظل بنودها سرية حتى يتم الإعلان الرسمي عنها، إلا أنّ العديد من التسريبات قد كشفت بنودها الخطيرة.   وفي فبراير الماضي، نقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن مسؤول غربي اشترط عدم الكشف عن هويته، أنّ الصفقة تتضمّن "إقامة دولة فلسطينية تشتمل أراضيها على قطاع غزة والمناطق أ و ب وبعض أجزاء من منطقة ج في الضفة الغربية"، و"قيام الدول المانحة بتوفير عشرة مليارات دولار لإقامة الدولة التي ستشتمل بنيتها التحتية على مطار وميناء في غزة ومساكن ومشروعات زراعية ومناطق صناعية ومدن جديدة"، و"تأجيل وضع مدينة القدس وموضوع عودة اللاجئين إلى مفاوضات لاحقة"، و"إجراء محادثات سلام إقليمية بين الاحتلال والأقطار العربية بقيادة السعودية".   قبل ذلك، كانت وكالة "الأناضول" قد نشرت ما قالت إنّها تفاصيل متعلقة بمضامين صفقة القرن، وردت ضمن التقرير السياسي الذي قدمه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات لاجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الذي عُقد يومي 14 و15 يناير الماضي بمقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله.   وأورد عريقات في تقريره 13 بندًا، تحمل الخطوط العريضة للخطة الأمريكية، وأولها "الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها"، و"ضم الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة لإسرائيل"، و"إعلان قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح"، و"إبقاء السيطرة الأمنية لإسرائيل"، إلى جانب "الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية"، مع انسحابات تدريجية لإسرائيل من مناطق فلسطينية محتلة".   ويتمثل البند الثاني - حسب عريقات - في "اختراع ترامب عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس خارج إطار ستة كيلومترات عن حدود عام 1967"، على أن "تقوم الإدارة الأمريكية بعد ذلك بإعلان مفهوم أمني مُشترك لدولة إسرائيل ودولة فلسطين كشركاء في السلام".   ويشمل هذا المفهوم أربع نقاط أنّ "دولة فلسطين منزوعة السلاح مع قوة شُرطية قوية"، و"إيجاد تعاون أمني ثنائي وإقليمي ودولي بما يشمل مشاركة عمّان والقاهرة وواشنطن وسيكون الباب مفتوحًا أمام دول أخرى"، و"وجود قوات إسرائيلية على طول نهر الأردن والجبال الوسطى لحماية الدولتين"، وأن "تُبقى إسرائيل على صلاحيات الأمن القصوى، بيدها لحالات الطوارئ".   ويذكر عريقات أنّ "الخطة تنص على اعتراف دول العالم بدولة إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني"، على أن "تضمن إسرائيل حرية العبادة في الأماكن المُقدسة للجميع، مع الإبقاء على الوضع القائم بها حاليًّا".   ويعقب عريقات في التقرير على الخطة بقوله : "هذه هي معالم الصفقة التاريخية التي سوف تسعى إدارة الرئيس ترمب لفرضها على الجانب الفلسطيني"، ويدعو إلى "رفضها بشكل كامل حيث تؤسس لإقامة حكم ذاتي أبدي".   تواجه هذه الصفقة الخطيرة رفضًا قاطعًا في الداخل الفلسطيني، لا سيّما حركة المقاومة الفلسطينية "حماس"، التي سبق أن قالت على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم: "إذا كان الرئيس محمود عباس جادًا في مواجهة صفقة القرن، فليرفع الإجراءات عن قطاع غزة، ويدعم صمود أهلها، ويوفر لهم عوامل القوة، ويعزز المقاومة في الضفة والقدس، ويكمل مشوار تحقيق الوحدة".   وأضاف: "حماس أول من حذر من هذه الصفقة وخطورتها، ولن يستطيع كائن من كان أن يمررها، مهما بلغت التضحيات، ولا حتى بالمال السياسي، ولا بالمساعدات المسمومة".   كما رفضها الرئيس عباس أيضًا، وكشف عن تلقيه عروضًا بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها ناحية أبو ديس القريبة من القدس المحتلة، مؤكدًا أنّ المدينة المقدسة ستظل العاصمة الأبدية لبلاده، وقال: "صفقة العصر التي يريدها ترامب هي صفعة العصر".   ولم يوضح عباس الجهات أو الأشخاص الذين عرضوا عليه القبول بـ"أبو ديس" عاصمةً للدولة الفلسطينية بدلًا من القدس، لكنه وجَّه كلمة لترامب، قال فيها: "لا نقبل بمشروعك".   اللافت هنا أنّ صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كانت قد نقلت عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة"، أنّ ولي العهد السعودي​ محمد بن سلمان هو من اقترح على الرئيس عباس​أن تكون بلدة أبو ديس عاصمة لفلسطين.   وذكرت الصحيفة: "ابن سلمان أعطى الرئيس الفلسطيني مهلة شهرين للقبول بالصفقة وإلا سيكون مجبرًا على ​الاستقالة"، مؤكدةً أنّ هذه التفاصيل التي وصفتها بـ"المثيرة" جاءت عقب المفاوضات التي عقدت بين عباس وابن سلمان وراء الأبواب المغلقة في الرياض في نوفمبر الماضي.   تشير كل هذه المعلومات، إلى أنّ المنطقة مقبلة على تطورات كبيرة ربما تغير من مستقبلها إلى حد كبير، لا سيّما أنّ القضية الفلسطينية دائمًا ما تتصدر قائمة القضايا الأكثر إلحاحًا، حتى رأى الكثير من المحللين والدبلوماسيين بل أيضًا قادة بعض الدول أنّ حل أزمات المنطقة يستلزم أولًا العمل على حل القضية الفلسطينية.   في معرض حديثه عن هذه الصفقة، يقول خالد سعيد المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي إنّ صفقة القرن لا تزال "مُبهمة".   ويضيف في حديثٍ لـ"مصر العربية": "ترامب ليست لديه دراية أو إطلاع كامل بمجريات الصراع العربي الصهيوني، ومن يدير الدفة هو صهره جاريد كوشنر".   ويوضح أنّ حالة تناقض وغموض تسود مواقف الدول الفاعلة بشأنها، ضاربًا مثلًا بمصر التي تتحدث تقارير كثيرة عن موافقتها على بنودها، بينما تخرج مصادر مصرية نافيةً إطلاع الرئيس عبد الفتاح السيسي على الصفقة من الأساس.   ويعتبر "سعيد" أنّ العالم العربي يمر بفترة حرجة للغاية، لا يُعرف إلى أي مستقبل ستنتهي إليه الأمور، مشدّدًا على مصارحة العرب والفلسطينيين بشكل واضح ببنود هذه الصفقة.   ويتفق "سعيد" مع كثيرٍ من التحليلات التي تشير إلى أنّ القضية الفلسطينية في تراجع ملحوظ، مقابل صعود غير عادي لما أسماه "قطار التطبيع"، متحدثًا عن تسابق سعودي إماراتي من أجل هذا التطبيع الذي بلغ حد استجداء الكيان الصهيوني.   ويؤكد "الباحث" أنّ السلام في المرحلة المقبلة لن يكون سياسيًّا أو عسكريًّا لكنّه "سلام اقتصادي".   ويذكر: "أكثر من مسؤول صهيوني ركّز على هذا الأمر، وتحدّثوا عن إقامة علاقات مع الجانب الفلسطيني على أساس الجانب الاقتصادي، وبالتالي التطبيع هو اقتصادي أكثر منه سياسي، وهذا هو الأخطر في القضية".   ويشدّد على أنّ "القضية" لم تشهد في أي فترة من الفترات حفظ حقوق الفلسطينيين، ويؤكّد أنّ الحل الوحيد يكمن في "المقاومة المسلحة".   ويختم: "ما يجري داخل الأروقة حول مباحثات ومداولات من أجل السلام هي كلها تؤدي إلى توطيد أركان الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية".

مقالات متعلقة