"لا يتحركون لوقفها، لكنّهم سيردون على فظاعتها".. هذا ما فهم من تحذيرات دولية تصدر بشأن ضربة عسكرية تجهزها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد أهداف سورية تابعة لنظام الرئيس بشار الأسد.
أبرز وأحدث التحذيرات صدرت عن روسيا، التي قالت إنّ واشنطن وبعض حلفائها (لم تسمهم) يجهزون لضربة عسكرية ضد أهداف جديدة في سوريا، وذلك بالتزامن مع ذكرى الهجوم الكيماوي الذي تعرضت له الغوطة الشرقية، في 21 أغسطس 2013.
صباح ذلك الأربعاء السام، قتل أكثر من 1300 شخص، في هجوم بالغازات السامة، شنّه نظام الأسد، وقد جاء بعد ثلاثة أيام من وصول بعثة المفتشين الدوليين إلى دمشق.
وتبادل كل من النظام والمعارضة المسلحة الاتهامات بالمسؤولية عن هذه المجزرة، كما طالبت قوى عربية وغربية بتحقيق وببحث الحادث في مجلس الأمن.
حسب رواية الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فإنّ قوات من اللواء 155 التابعة للجيش السوري والمتركزة في منطقة القلمون قامت وابتداء من الساعة 2.31 فجرًا بالتوقيت المحلي بإطلاق 16 صاروخًا، وكانت هذه الصواريخ تستهدف مناطق الغوطة الشرقية.
وبعد ساعة من ذلك سقطت صواريخ أخرى على الجهة الشرقية من مدينة زملكا بدمشق، وفي 2.40 فجرًا استهدف القصف بلدة عين ترما بصواريخ أصابت منطقة الزينية، وبعد دقيقتين تمّ إطلاق 18 صاروخًا استهدفت مناطق الغوطة الشرقية بدمشق، فسقط صاروخ بين زملكا وعربين، واستمر إطلاق الصواريخ حتى الساعة 5.21 فجرًا، بسقوط صاروخين، استهدفا مدينة المعضمية في الغوطة الغربية، وقد بدأ وصول الحالات إلى المستشفيات من الساعة 6.00 صباحًا.
إلا أنّ صالح مسلم الزعيم الكردي المعارض صرح بأنّه لا يعتقد أنّ الحكومة السورية هي المسؤولة عن الهجوم، وقال: "الرئيس السوري ليس غبيًّا ليستعمل السلاح الكيميائي قرب دمشق وعلى بعد خمسة كيلومترات فقط من الفندق الذي يقيم فيه المفتشين الأميين، بل إنه لا حاجة لاستعمال السلاح أصلًا لأنّ القوات السورية هي المتوفقة ميدانيًّا".
وأضاف: "تمّ استعمال السلاح من قبل جهات لم يسمها لتحميل الحكومة السورية المسؤولية وإثارة رد فعل دولي ضدها".
من جهة أخرى، كانت روايات النظام السوري متضاربة، ففي البداية نفى وقوع هجوم بالأسلحة الكيميائية واتهم قنوات خليجية بمحاولة حرف لجنة التحقيق الأممية عن هدفها بالتحقيق في هجوم سابق وقع في خان العسل.
وفي هذا السياق، اتهمت روسيا المعارضة بتزوير صور ضحايا الهجوم، بعد تزايد الأنباء والتقارير الدولية عن الهجوم بما في ذلك تقرير منظمة أطباء بلا حدود، كما أصدر جيش النظام رواية مختلفة عما حصل، فاتهم قوات المعارضة المسلحة بشن الهجوم من المناطق التي تخضع لسيطرتها.
لم تتحرك القوى الغربية لوقف الهجوم السام الذي عصف بصدور المدنيين، لكنّهم جاؤوا في "سنويته الخامسة"، تتحدث تقارير عن شنهم هجومًا جديدًا في سوريا، يُضاف إلى هجمات أخرى يمكن وصفها بـ"المحدودة"، نفّذتها الولايات المتحدة تحديدًا في سوريا، ردًا على فظائع وجرائم الأسد.
وفي التفاصيل، قالت وزارة الدفاع الروسية إنّ الولايات المتحدة وحلفاءها يعدّون العدة لتوجيه ضربة عسكرية جديدة ضد أهداف في سوريا، مشيرةً إلى وصول المدمرة الأمريكية "يو إس إس سوليفان" إلى الخليج العربي محمّلة بـ56 صاروخًا من طراز كروز.
وصرح المتحدث باسم الوزارة الجنرال إيجور كوناشينكوف بأنّ "واشنطن وحلفاءها يعدّون لضربة جديدة على سوريا بذريعة استخدام دمشق السلاح الكيماوي ضد المدنيين".
وأضاف أنّ من سمَّاهم "إرهابيي هيئة تحرير الشام" يعدّون لعمل استفزازي لاتهام دمشق باستخدام أسلحة كيماوية ضد السكان المدنيين في محافظة إدلب، على حد تعبيره.
وزعم أنّ مسلحي "هيئة تحرير الشام" أوصلوا 8 حاويات من الكلور إلى مدينة جسر الشغور لتنفيذ هجوم استفزازي باستخدام السلاح الكيماوي في محافظة إدلب، حسب ادعائه.
وتحدث عن أنّ مجموعة خاصة من المسلحين المدربين من قِبل الشركة العسكرية البريطانية الخاصة "أوليفا"، تخطط لتمثيل عملية إنقاذ لضحايا هجمات كيماوية تقوم بتجهيزها في إدلب.
كما شدد كوناشينكوف على أنّ تنفيذ هذه الخطة يجري بمشاركة المخابرات البريطانية، وأوضح: "يجب أن يصبح تنفيذ هذا الاستفزاز، الذي تشارك فيه بنشاطٍ المخابرات البريطانية، حجة جديدة لقيام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضربة جوية وصاروخية ضد دوائر الدولة والمنشآت الاقتصادية السورية".
واعتبرت وزارة الدفاع الروسية تصرفات الدول الغربية في سوريا "تهدف إلى تفاقم الوضع في المنطقة وعرقلة عملية السلام".
وكانت واشنطن ولندن وباريس قد أطلقت، الأسبوع الماضي، تحذيرات لنظام بشار الأسد، بأنها ستردُّ "بشكل مناسب" على أي استخدام آخر للأسلحة الكيماوية.
وأكدت الدول الثلاث، في بيان وزعته بعثاتها الدائمة لدى الأمم المتحدة على الصحفيين في نيويورك، أنّ "موقفها من استخدام نظام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية لم يتغير".
تعليقًا على هذه التطورات، يقول المحلل والمعارض السوري تيسير النجار: "الهجوم العسكري متوقع بدرجة كبيرة لأنّ البيان الثلاثي الصادر من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا حذّرت روسيا والنظام السوري من استخدام السلاح الكيماوي، وذلك لقناعاتهم التامة بتورط الأسد وروسيا في الهجمات الكيماوية".
ويضيف في حوارٍ لـ"مصر العربية"، ينشر لاحقًا: "روسيا دائمًا ما تتهم الطرف الآخر (المعارضة) بأنّه يضرب نفسه من أجل كسب معركة سياسية، وهذا شيء غير معقول على الإطلاق".
ويتابع: "روسيا تحدثت عن رصدها سيارات تتحرك وتجهز للهجوم، وذكرت المعلومات بالتفاصيل المملة، والآن نتساءل لماذا لم يتم قصفها وكشف حقيقتها أمام العالم.. روسيا تسعى دائمًا إلى التتويه والتشويش على الرأي العام".
ويوضح النجار أنّ هناك اتفاقًا وتقاسمًا للمناطق بين الروس والأمريكيين ليس فقط للأجواء السورية، لكن أيضًا على الأرض، فهناك شرق الفرات وهناك غرب الفرات، مشيرًا إلى أنّ المنطقة التي يدور بشأنها حديث عن الهجوم هي غرب الفرات، وبالتالي فالدول الغربية لا يمكنها التدخل فيها لأنّ هذه المنطقة بمثابة ملعب خاص للروس ونظام الأسد.
ويذكر: "من استعمل الكيماوي 216 مرة، يمكن أن يستعمله مجدّدًا لمرات عديدة.. الخلاف ليس على مرة أو مرتين، لكن الغاز الكيماوي استخدم 216 مرة، وهناك إحصاءات لذلك، كما أنّ منظمات متخصصة توثق ما يحدث كل لحظة سواء من نفّذ الهجوم أو الضحايا ومناطق حدوثه وكل تلك التفاصيل".