"حين حُرق المسجد الأقصى لم أنم طوال الليل ظنًا بأنّني في الصباح سأجد جيوش العرب قد هاجمتنا من كل حدب وصوب، فلما استيقظت علمت أنّهم نائمون".
هذا ما قالته جولدا مائير رئيس وزراء الاحتلال في 1969 بعد حريق المسجد الأقصى، بات يتجسد يومًا بعد آخر، إزاء المواقف والقرارات الإسرائيلية، المدعومة أو بالأحرى "المسنودة" أمريكيًّا.
خمسة عقود حتى جاءت خطوة جديدة تكشف مطامع حكومة الاحتلال وسباقها مع الزمن للسيطرة الكاملة على المسجد الأقصى المبارك ووضعه تحت سيادتها، تعكف أيادٍ داخل دولة الاحتلال على تشريع قانون هو الأول من نوعه يسمح لليهود بالصلاة داخل المسجد المبارك بصورة منتظمة وطبيعية.
القانون الذي بات حاليًّا تحت المشاورات الرسمية ويتعرَّض لضغوطات سياسية وحزبية كبيرة لإقرارها، يفتح بابًا جديدًا من المواجهات الساخنة داخل المدينة المقدسة، وقد يُسهم بإشعال انتفاضة غضب مقدسية واسعة، على غرار قضية "البوابات الإلكترونية" التي سجّل فيها أهل القدس انتصارًا كبيرًا تُوّج بإزالة تلك البوابات.
فالخطوة الأولى التي اتخذها الاحتلال لتهيئة الأجواء لإقرار هذا القانون كانت بعد أن طالبت محكمة الاحتلال العليا (أعلى هيئة قضائية)، في 20 أغسطس الجاري، حكومة بنيامين نتنياهو بتبرير منع المستوطنين اليهود من الصلاة في المسجد الأقصى، في تحرّك تهويدي جديد هدفه تشريع اقتحامات المسجد الأقصى بالقوانين والقرارات.
وأمس الجمعة، قالت صحيفة" معاريف" العبرية ، إنّ "المحكمة منحت حكومة نتنياهو مدة 60 يومًا للرد على أسباب منعها اليهود من الصلاة في المسجد الأقصى، مشيرةً إلى أنّ القرار جاء استجابة لالتماس قدَّمه المركز الإسرائيلي لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان (غير حكومي) إلى المحكمة، تم خلاله الاعتراض على ما أسماه "القيود التي تفرضها الحكومة على غير المسلمين في المسجد".
وقُدّم الالتماس ضد شرطة الاحتلال الإسرائيلية ووزراء الاحتلال جلعاد أردان، وإياليت شاكيد، ودافيد أزولاي، والمستشار القانوني لحكومة الاحتلال، أفيخاي ماندلبليت.
وقال الالتماس إنّ شرطة الاحتلال المسؤولة عن الحفاظ على السلام تستخدم سلطتها لتطبيق نظام تمييزي صريح ينتهك حرية العبادة، وأضاف: "الحظر المفروض على الزائرين غير المسلمين إلى جبل الهيكل (المسجد الأقصى) دائم، وقد تم تطبيقه لعقود".
ومنذ 2003، تسمح شرطة الاحتلال، للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى والقيام بجولات فيه، ويحاول المستوطنون بشكل مستمرّ خلال الاقتحامات أداء الصلوات، في حين يتصدَّى لهم المرابطون وحراس المسجد الأقصى، بينما تقوم شرطة الاحتلال التي ترافق المستوطنين في اقتحاماتهم بتوفير الحماية لهم وقمع الحراس والمرابطين.
ما يُقدم عليه الاحتلال حاليًّا لا يمكن اعتباره الحدث الأول من نوعه، ففي مارس الماضي، صادقت شرطة الاحتلال في القدس المحتلة على الطلب الذي تقدمت به منظمات الهيكل المزعوم بإقامة طقوس ذبح قرابين الفصح العبري في ساحة القصور الأموية المتاخمة للمسجد الأقصى.
وفي الوقت نفسه، سمحت محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس الغربية، للمستوطنين اليهود، الصلاة على أبواب المسجد الأقصى.
سبق ذلك أن صادقت شرطة الاحتلال خلال عيد العرش على إقامة حفل ديني في مركز دافيدسون في الحديقة الأثرية عند مدخل بوابة الدباغين.
وتحاول مجموعة من منظمة "جبل الهيكل" سنويًّا وفي ليلة الفصح العبري، اقتحام المسجد الأقصى لذبح الشاه وتقديم القرابين، حيث يتم التصدي لهم من قبل المقدسين المرابطين في المسجد الأقصى والبلدة القديمة، ما يدفع شرطة الاحتلال منع قرابين الفصح في المسجد الأقصى.
وفي أول تعليق على تحركات الاحتلال، قال رئيس الهيئة الإسلامية العليا في مدينة القدس المحتلة وخطيب المسجد الأقصى، عكرمة صبري: "هذا القرار سيكون خطوة أولى نحو تمهيد الطريق أمام اليهود للصلاة داخل المسجد الأقصى، وأن تتجه حكومة الاحتلال فعليًّا إلى تشريع قانون رسمي ينفّذ هذا المخطط على أرض الواقع".
وأضاف: "مطامع حكومة الاحتلال في السيطرة الكاملة على الأقصى تتكشّف يوماً بعد يوم؛ فهي تريد من خلال تلك القوانين العنصرية والظالمة أن تغيّر المعالم الإسلامية للمسجد الأقصى وتعطيه الطابع اليهودي الخالص، وتخطّي طابعه الإسلامي، في خطوة خطيرة لتغيير التاريخ".
وأوضح: "في كل مرة تخرج علينا حكومة الاحتلال بخطوات وقوانين تهدف جميعها للسيطرة على الأقصى، وترسيخ التقسيم الزماني والمكاني"، متابعًا في حديثه للخليج أون لاين: "التحرّك الأخير للسماح لليهود بالصلاة داخل الأقصى كباقي المسلمين سيكون بمنزلة قنبلة خطيرة وشديدة الانفجار في وجه الجميع".
واعتبر "صبري" هذا التحرّك بأنّه "غطرسة" و"وقاحة" إسرائيلية لا يمكن السكوت عنها، مؤكّدًا أنّ "القانون رغم خطورته وبشاعته وتوقيته الحساس فإنه لن يهم أهل مدينة القدس لأنهم سيتصدون له بكل قوة، وسيلقّنون الاحتلال درسًا جديدًا في الصمود والتحدّي على غرار درس البوابات الإلكترونية".
ولعل جانبًا كبيرًا من الانتقاد يتركز على المواقف العربية الرسمية من قبل القادة والزعماء، حيث أنّهم متهمون بعدم اتخاذ إجراءات رسمية موحدة تحفظ حقوق الفلسطينيين وتضمن مستقبلًا عربية لمدينة القدس، وسيطرة إسلامية على المسجد الأقصى.
وبالنظر إلى أهمية الحدث، فقد كان الدور الأهم يفترض أن يؤديه التحالف الإسلامي، الذي تشكّل في ديسمبر 2015، في هذا السياق، لكنّ العديد من الشواهد، لا سيّما الموقف من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة للاحتلال قد قلّل من التعويل كثيرًا على قرارات لصالح العرب.
تعليقًا على ذلك، يقول السفير الفلسطيني السابق بركات الفرا: "إسرائيل وأمريكا تستغلان الضعف العربي جيدًا".
ويضيف في حديثٍ لـ"مصر العربية": "الشعب الفلسطيني يعاني من انقسام، ونحن نواجه قوات الاحتلال بصدور عارية، والأمة العربية في الوقت نفسه لديها من المشكلات الكثير، وتوجد بينها خلافات كبيرة جدًا".
ويتابع: "نحن أمام مشهد غير مريح للقضية الفلسطينية بشكل عام، وهي تتأثر حتمًا بشكل شديد السوء بالتطورات الراهنة في المنطقة".
يقود ذلك "الفرا" لأن يعتبر أنّه لا يوجد حل قريب للقضية الفلسطينية سواء كان عادلًا أو غير عادل، موضحًا: "الجيل الحالي ربما لن يرى الحل الذي قد يكون مع الأجيال المقبلة، فنحن نعاني حالة من الاستكانة والضعف غير مسبوقة".