محمد الرحبي: الأدب وسيلة لكشف الواقع.. والكتابة حياتي

الكاتب العماني محمد بن سيف الرحبي

 

 "إنني أبحث دائمًا عن شيء جديد تمنحني إياه هذه الحياة/الكتابة.. فهل هو بحث عن الذات من خلال الكتابة وأشكالها، أم بحث الحياة عن نفسها في داخلي كوني كاتبًا يريد أن يجرّب أشكالاً من الحياة؟".. كلمات للكاتب العماني محمد بن سيف الرحبي، خلال الأمسية الأدبية التي ناقشت تجربته الإبداعية. وفي رابطة الكتّاب الأردنيين، اجتمع نقّاد وأدباء وأكاديميون، لمناقشة خصوصية التجربة السردية للكاتب محمد بن سيف الرحبي، والتحولات الأسلوبية والفنية التي شهدتها.  

شارك في الندوة التي نظّمتها "الآن ناشرون وموزعون" بالتعاون مع لجنة القصة والرواية في رابطة الكتّاب الأردنيين كل من: القاص والمترجم د.باسم الزعبي، الناقد والشاعر د.خلدون امنيعم، الكاتبة هيا صالح، الكاتبة حليمة الدرباشي، والقاص جعفر العقيلي.  

وتحدث الرحبي، عن ما يسمّى "رسالة العمل الروائي"، مؤكداً أنه ليس من وظيفة الأدب نقل الرسائل، بل مهمتها كشف الواقع الذي ربما يصدمنا، موضحاً أن هذه الأمور "نسبيّة". وقال إنه لم يسعَ إلى أن يكون كاتبًا شموليًا، والكتابة بالنسبة إليه "حياة شمولية" يستمتع فيها بالكتابة، وأن الفكرة -وفق رؤيته- "تختار مسارها"، حيث عوّد نفسه على فتح كل المسارات أمام الاشتغالات الكتابية بحثًا عن التجريب على مستوى الفكرة والشكل.

وعن لغة السرد الروائي لدى الرحبي، يرى القاص باسم الزعبي، أنها تتميّز بنفَس شعري عال، إذ استطاع الكاتب توظيف خبراته بكتابة النصوص الشعرية لإضافة لمسة جمالية على أسلوبه السردي، لا تتوافر لكثيرين من كتّاب الرواية العرب. وأضاف: "كما جاءت الحوارات في رواياته مكثفة اللغة، غير مباشرة، معبّرة وموحية، مشبعة بالصور، تدفع القارئ لتأويل الكلام، لقراءة مدلولاته التي تتوارى خلف الكلمات  والتعابير".   

وقالت الكاتبة هيا صالح في ورقتها، إن الرحبي في أعماله دائمًا ما يؤكد أن الحياة الجديرة بأن تعاش جديرةٌ أيضاً بأن تُكتب.  

وأوضحت أن الرحبي في روايته "الخشت" يعتمد على لعبة شعبية معروفة، حيث يدور السرد حول أربع قصص تبدو أحيانًا منفصلة وكأن لكلّ منها عالمه القائم بذاته، وفي أحيان أخرى تبدو متصلة بعضها ببعض ضمن نسيج فني وحبكة بنائية متداخلة يصعب فصل عناصرها، نظراً للعلاقة التي تجمع أبطال الرواية.  

وأضافت أن "الخشت" قامت على الرمز؛ واستطاعت أن تحمل المتلقي على متابعة اللعبة من جهة، وفي الوقت نفسه متابعة مصائر الشخصيات التي تحوّلت إلى ما يشبه حجارة النرد على طاولة الشطرنج؛ حيث تحرّكها الحياة في كل اتجاه وتعصف بها المتغيّرات، وحين تحاول التعبير عن نفسها وعن رغباتها تصل بها خطواتها إلى الهاوية.  

وعن "رحلة أبو زيد العُماني" التي فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي، قالت إن بطل الرواية يتمظهر كظل أو حلم، فليس له اسم صريح، بل يُستدَلّ عليه من خلال لقب على اعتبار ما سيكون، لتحلّ الكناية هنا محل الاسم الصريح ويصبح عالم الحلم والأمل بالمستقبل هو بديل الحقيقة والواقع.  

ويرى الناقد د. خلدون امنيعم، أن روايات الرحبي تحفر في خفايا اللامفكَّر فيه والمسكوت عنه في الخطاب السياسي العربي المعاصر، من خلال الاشتغال على تقنيات فنية أبرزها المفارقة، لقدرتها على فتح آفاق الخطاب السردي على مصراعيه بغية إجراء الحفر وصولاً للكشف. أما القاص جعفر العقيلي، قدّم قراءة في مجمل تجربة الكاتب، وركّز على رواية" اسمها هند"، التي رأى أنها مختلفة عما أصدره الرحبي في الرواية، حيث يقارب فيها بين عالم الواقع وعالم الافتراض، وكأنه يريد القول إننا بتنا نعيش، على الصعيد الإنساني، في عالم هو نتاج عالمين مختلطين؛ كليهما واقعٌ وكليهما افتراض في الآن نفسه.  

وألقى العقيلي الضوء على النظرة الفلسفية التي ينطوي عليها إهداء رواية "اسمها هند" الذي جاء فيه: "إلى العام الخمسين من عمري، جئتني بعد نصف قرن، كم بدوت لي قبلئذٍ.. بعيداً جداً.. جداً.. كأنك المستحيل". وقال إن الرحبي يوضح أن الرواية تبدأ بمقاربة العمر، وأسئلته، وحضوره، والبحث عن هوية خلف كل هذه الهويات التي تربكنا، والمهاوي التي تتعقبنا وتحاصرنا. وأضاف أن الإهداء توضيح للشخصية الفاعلة في الرواية، شخصية الكاتب/ السارد، حيث حالة الإيهام حول الكاتب؛ هل هو ذاته بطل الرواية، أم إنها مجرد حالة تشابه أو تماهٍ بشكلٍ ما يذيب الفواصل بين الواقعي والافتراضي؟.   

واختُتمت الندوة التي حضرها جمهور كبير، بتكريم الرحبي من قِبل رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين محمود الضمور، والروائية سميحة خريس؛ التي اختيرت الشخصية الثقافية لمعرض عمان الدولي للكتاب في دورته المقبلة. والكاتب العماني محمد بن سيف الرحبي، حاز على جائزة الشارقة للإبداع العربي، في مجال الرواية، عام 2002 عن عمله الروائي «رحلة ابوزيد العُماني».

مقالات متعلقة